صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تاريخ الدعوة إلى الله تعالى

ناصر بن سعيد السيف
dr_nasseralsaif@


     الدعوة إلى الله تعالى من أجل شرائع الإسلام الحنيف الذي بُعث به لبنة التمام ومسك الختام نبينا محمد ﷺ، وهذه الدعوة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ البشري فليست كما يظن البعض ويعتقد أنها نشأت من بعثة النبي ﷺ، فهذا خلاف ما جاء في القرآن والسنة من قصص الأنبياء والمرسلين الذين اصطفاهم الله تعالى لتبليغ دينه وشرائعه إلى العالمين، ولإقامة منهج الله تعالى المنزل عليهم وسيادته على كل منهج بشري أو طاغوتي مخالف لمنهج الله تعالى ورسالته، وهذه من كبرى حقائق الدعوة التي لا ينبغي أن تغيب عن أذهان وعقول الدعاة إلى سبيل الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام.([1])
     فتاريخ الدعوة كما بينه الله تعالى في القرآن الكريم كانت أولى خطواته في مسيرة الحياة البشرية الطويلة في زمان نبي الله نوح عليه السلام، لأن البشرية ظلت على فطرتها التي خلقها الله تعالى عليها بالتوحيد لله تعالى منذ أول البشرية آدم عليه السلام، واستمسكت بها زماناً طويلاً كما ذكرت كتب القصص والتاريخ ما يقرب من ألف عام، حتى بزغ الشيطان بشركه وتلاعبه في العقول بأن يصرفها عن عبادة خالقها وموجدها سبحانه وتعالى، ثم توالت الرسالات والنبوات من بعده تترى لإعادة البشرية السالكة في طريق الشيطان والخسران إلى طريق النجاة والإيمان، والعبودية لله وحده المستحق لها بلا منازع أو شريك. ([2])

     مفهوم تاريخ الدعوة:

     فن يبحث فيه عن كيفية نشر الإسلام، وإقناع الناس باتباعه، ثم إثباتها بالتعيين والتوقيت لاطلاع الأمة عليها وإفادتهم منه.
    شرح التعريف: في قولنا: (هو فن): أي الضرب من الشيء، أي النوع، فتاريخ الدعوة نوع مُستقل بذاته عن غيره من العلوم، وفي قولنا: (ثم إثباتها بالتعيين): أي رصد هذه المعلومات بتعيين الحادثة، وأبرز الأشخاص الذين شاركوا فيها، وفي قولنا: (والتوقيت): أي ربط ذلك بالتوقيت الزمني لهذه الأحوال والمراتب. ([3])

     أهمية معرفة تاريخ الدعوة:

1.     معرفة منهج الأنبياء عليهم السلام في الدعوة إلى الله جل جلاله تدل على أصالة وقِدم تاريخ الدعوة.
2.     يقودنا إلى معرفة كيف كانت البشرية على التوحيد، ثم تحولت إلى الشرك وأسباب ذلك، وما قدمه الرسل لدعوة المشركين بالله جل جلاله، حيث يظهر لنا القدوات الصالحة، وخيرهم الرسول ﷺ ومن تبعه من الخلفاء الراشدين والسلف الصالح.
3.     استشعار عَظمة الله جل جلاله وأن له سُنن كونية في خلقه، حيث جعل الصراع بين الحق والباطل مستمراً إلى قيام الساعة، فقد يعلو الباطل في أزمان، ولكن يبقى معه أصحاب الحق مُستعلين بالمنهج النبوي والعقيدة الإسلامية الصحيحة.

      من الدروس والعبر من دعوة النبي ﷺ في العهد المكي:

1.   إلهام الرسول ﷺ من قِبل ربه بأن يبدأ الدعوة سراً إرشادًا له وللدعاة من بعده إلى وجوب الأخذ بالحيطة والأسباب، إذ أن الرسول ﷺ مدعوم بقوة الله ولو بدأ الدعوة جهراً فإن الله سيحفظه، ولن ينالوا منه شيئاً، لكن لبيان منهج الإسلام في الأخذ بالأسباب والاعتماد على مسبب الأسباب.
2.   إذا كان المسلمين في قلة من العدد أو ضعف من العِدة، بحيث يغلب على ظنهم أنهم سيقتلون، من غير أن يكون هناك نكاية في أعدائهم، فينبغي أن تقدم هنا مصلحة حفظ النفس؛ لأن المصلحة المقابلة هي مصلحة حفظ الدين، وهي موهومة أو متوقعة أو منفية الوقوع، وهذا ما يقرره العلماء.
3.   دور المرأة في الدعوة كما فعلت خديجة رضي الله عنها زوجة رسول الله ﷺ، آمنت به، وصدقت برسالته، واغنته بمالها، ويسرت له الطريق بأمر الله تعالى، فكانت خير عون على تبليغ الرسالة. ([4])
      تأسيس وبناء الدولة الإسلامية في المدينة النبوية:
     شكلت الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة النبوية منعطفاً حاسماً في مسار التاريخ الإسلامي، وذلك نظرًا لما أسست له من تحولات عميقة وجذرية سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي وبات من المتفق عليه بين المؤرخين أن حدث الهجرة كان إعلاناً لبزوغ مرحلة الدولة الإسلامية، بعد مرحلة الدعوة في مكة المكرمة، وقد وضع رسول الله ﷺ خلال هذه المرحلة الجديدة المعالم الأساسية للمجتمع الإسلامي في كل أبعادها، الفردية والجماعية، العامة والخاصة بل إن تقسيم آيات القرآن الكريم إلى مكية ومدنية حسب مراحل نزولها، دليل على أهمية وخصوصية كل مرحلة، وبالتالي فإن الهجرة كحدث فاصل بين هاتين المرحلتين جدير بالاهتمام والدراسة، والنبي ﷺ أقام الدولة على أسس ومناهج لم يقلد فيها أحداً، بل كانت هدياً نبوياً وتوفيقاً إلهياً لا يأتيه الباطل وذلك لتكون هي الدولة الأنموذج بالنسبة للمسلمين التي يجب أن تُحتذى في تنظيمها وبنائها وأهدافها، لاسيما أن هدفها علوي، يسعى لنشر نور الهداية الربانية في جميع أصقاع الأرض، وذلك لينتشل الإنسانية من الأرجاس والرذائل التي لحقت بها، ويوصلها إلى مكارم الأخلاق وعالم الفضيلة ولكي تقوم الدولة بهذه المهمة العظيمة سعى النبي ﷺ لبناء دولة نموذجية في كل شيء لتصبح سنة جارية في التاريخ، والأسس القوية التي قامت عليها الدولة تعد قواعد كلية ومبادئ عامة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، وافية بحاجات البشر على طول الزمن وتعدد الحاجات والمطالب، تحقق فيها العدل والمساواة بين البشرية وتعاون الإنسانية على الخير. ([5])

    منهج النبي ﷺ في العهد المدني:

    يمكن تقسيم منهج النبي ﷺ في العهد المدني إلى ثلاث مراحل‏:
1.     مرحلة تأسيس المجتمع الإسلامي، وتمكين الدعوة الإسلامية، وقد أثيرت في هذه المرحلة القلاقل والفتن من الداخل، وزحف فيها الأعداء من الخارج؛ ليستأصلوا شأفة المسلمين، ويقلعوا الدعوة من جذورها‏، ‏وقد انتهت هذه المرحلة بتغلب المسلمين وسيطرتهم على الموقف مع عقد صلح الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة‏.
2.     مرحلة الصلح مع العدو الأكبر، والفراغ لدعوة ملوك الأرض إلى الإسلام، وللقضاء على أطراف المؤامرات، ‏ وقد انتهت هذه المرحلة بفتح مكة المكرمة في رمضان سنة ثمان من الهجرة‏. ‏
3.     مرحلة استقبال الوفود، ودخول الناس في دين الله أفواجًا‏، وقد امتدت هذه المرحلة إلى وفاة الرسول ﷺ في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة‏.

‏     من الدروس والعبر من دعوة النبي ﷺ في العهد المدني:

1.     إرساء قواعد العقيدة قَبْل الأمر بالتكاليف؛ حيث بدأ الأمر بالتكاليف في المدينة بعد إقامة الدولة وتمكين الإيمان في القلوب.
2.     عرض الدعوة على جميع الناس؛ الفقراء والأغنياء، القريب والبعيد، وإقامة الحجة على الناس، وطلب النصرة. ([6])

   أهم الأعمال التي قام بها النبي ﷺ في المدينة النبوية من أجل دعم منهج الدعوة إلى الله تعالى:

1.   بناء مسجد قباء ثم مسجده عليه الصلاة والسلام ليكون مكان العبادة، ومحور انطلاقة منهج الدعوة.([7])
2.   القيام بالمؤاخاة بين مجتمع المؤمنين في المدينة والمتمثل بين الأنصار والمهاجرين، ليكون دليلاً عظيماً على قوة العقيدة والإيمان، ومدى صنيع منهج الدعوة في بناء الكيان الإنساني النبيل.([8])
3.   قيام النبي ﷺ بنشر الدعوة بين الناس، وتعليم المسلمين أمور دينهم، والعمل على تربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة.([9])
4.   تطبيق النبي ﷺ الأحكام الشرعية بين المسلمين، وإظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب على الناس.([10])
5.   قيام النبي ﷺ بإيصال منهج الدعوة إلى الملوك والأمراء في عهده، وذلك من خلال إرسال الرسل والكتب إليهم، ودعوتهم إلى الإسلام.([11])
6.   قيام النبي ﷺ باستقبال الوفود التي أتته من كل مكان لمبايعته والدخول في دين الإسلام، فكان هذا من أعظم البشائر بتقدم منهج الدعوة في طريق النصر وقبول الناس به.([12])
7.   قيام النبي ﷺ بالجهاد في سبيل الله، وذلك بعد إذن الله تعالى له، ودفعاً لصائلة الأعداء وتربصهم بالمسلمين، وحماية للمجتمع المسلم، ووقاية للأموال والأنفس والأعراض من انتهاك المشركين لها، وفي ذلك أبلغ الأدلة على عظمة تشريع الجهاد وأنه ليس للعدوان والانتقام والتشفّي أو من أجل حبّ إراقة الدّماء وإرهاق الأرواح كما يروّج المستشرقون أو أعداء الإسلام.([13])
8.   تعامل النبي ﷺ مع أهل بيته، التعامل الأمثل، ليؤكد بذلك على أهمية ابتناء البيت المسلم على البناء الإسلامي الصحيح، والتكوين المتكامل والتربية السليمة، والتعاون المتبادل بين أعضاء الأسرة الواحدة، ومن ثم قيام هذا البيت بالدعوة إلى الله.([14])
9.          قيام النبي ﷺ بتربية أصحابه التربية الإيمانية الدافعة لحمل منهج الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع، فكان ذلك المجتمع الأول أفضل وأكمل مجتمع.([15])
10.        استعمال النبي ﷺ لجملة من الوسائل والأساليب النافعة لبيان منهج الدعوة وإيصاله للناس كافة.([16])

الخلاصة:
فإن مسيرة منهج الدعوة في العهد النبوي، هي أكمل وأفضل مسيرة عرفها المسلمون في تاريخهم الطويل.      
 
      تاريخ الدعوة في عهد الخلفاء الراشدين:

      امتد عهد الخلفاء الراشدين من السنة (11ه‍ إلى 40ه‍)، والمنهج الدعوي في عهد الخلفاء الراشدين ليس إلا امتداداً للعهد النبوي، وترسيخ لمبادئه التي تسير وفق المنهج القرآني الذي بيَّن منهج الدعوة وأساليبها مع المدعويين بجميع أصنافهم، وظهر الاهتمام الدعوي في عهد الخلفاء الراشدين بأمرين، هما:
1.     إرشاد المسلمين وتوجيههم إلى حكم الله وهدي الرسول ﷺ في كل أمر ديني ودنيوي في خطب الجمعة والأعياد وفي كل مناسبة.
2.     تبليغ الدعوة لغير المسلمين بكافة الأساليب وشتى الوسائل الدعوية، وكان الصحابة رضي الله عنهم يقومون بالدعوة في البلاد المفتوحة حتى يسلم أهلها ويدخلون في الإسلام اختياراً ورغبة. ([17])
تاريخ الدعوة في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:([18])

من مواقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الدعوة:

1.     امتثال أمر النبي ﷺ بعد وفاته بتنفيذه جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه، وجهوده في القضاء على الدعوات المضللة لما سيَّر الصديق رضي الله عنه جيش أسامة رضي الله عنه ومضت ثلاثة أيام، عيَّن الصديق بعض كبار الصحابة على منافذ المدينة، وعندما أغار على المدينة بعض المرتدين ليلاً خرج الصديق إليهم بمن كان معه في المسجد ففر المغيرون، وأدركهم الصديق فحصل اللقاء، ووضع الصديق فيهم السيف ثم رجع إلى المدينة، واستقر فيها حتى عاد جيش أسامة منتصرًا، وبعدها خرج الصديق إلى ذي القصة فعقد أحد عشر لواء لقتال المرتدين، وجعل على كل لواء قائدًا، ووجههم جميعاً إلى جهات من الجزيرة، وهي الجهات التي فيها الردة. ([19])
2.     دعوة المرتدين ليرجعوا إلى الإسلام: ارتدت العرب بعد وفاة النبي ﷺ، فمنهم من أنكر الاستجابة لهذه الدعوة بالكلية، ومنهم من امتنع عن الاستجابة لبعضها فمنعوا أداء الزكاة، ولم يبق من العرب على أمر الدعوة إلا أهل المسجدين مكة والمدينة.
3.     جمع مصدر الدعوة الأول (القرآن الكريم): عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إليَّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني. فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن يجمعوه، وإني لأرى أن يجمع القرآن. قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ﷺ؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، فرأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل ولا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ؛ فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي ﷺ؟ فقال أبو بكر: هو والله خير. فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدهما مع غيره، قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:  ١٢٨]، فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها. ([20])  
 
    تاريخ الدعوة في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:([21])

    أرسل الله رسوله محمداً ﷺ داعياً بإذنه وسراجاً منيراً واقتبس الصحابة منه هذا النور ولما توفاه الله حمل هذا النور أبو بكر ومضى به في الأمة يدعو إلى الله سبحانه ولما قضى حمل الراية الفاروق عمر يدعو إلى الله تعالى، ولقد شهدت الأمة للفاروق رضي الله عنه بغزارة العلم والفقه، وتاريخه في الدعوة إلى الله تعالى حافل بالمستجدات في عصره، ومن ذلك:
1.     بدأ هو بنفسه بالدعوة إلى الله حيث كان يخطب الناس بالمدينة ويوجه ويرشد وقد حفظ التاريخ للفاروق كثيراً من خطبه، فقد خطب عمر بن الخطاب على منبر الرسول ﷺ فقال: (إنه قد نزل تحريم الخمر وفي خمسة أشياء العنب، التمر، الحنطة، العسل، الشعير). ([22])
2.     جعل المدينة داراً للفتوى والفقه وعاصمة الدولة الإسلامية وموطن الخلافة وبعد الفتوح اتسعت رقعة الإسلام، وقد كانت المدينة تحتل المكانة المرموقة بين سائر الأمصار وكانت مجمع للصحابة ذوي السبق في الإسلام استبقاهم حوله حرصاً عليهم ورغبة في أن يكونوا عوناً له في سياسة الأمة والاستعانة بعلمهم واسترشاداً بآرائهم ومشورتهم، وقد بلغ فقهاء الصحابة المفتون (130) صحابياً مفتياً، وقد جعل المدينة مدرسة تخرج العلماء والقضاة وإذا نظرنا إلى المدارس العلمية الأولى وجدنا الأثر العمري عليها لأن المؤسسين لها تأثروا في فقه الفاروق رضي الله عنه.
3.     كان عمر رضي الله عنه إذا اجتمع إليه جيش بعث عليهم رجلاً من أهل العلم والفقه يعلم الجند أمور دينهم وما قد يعرض لهم من الأمور والأحكام الفقهية والقران. ([23])
4.     فرض عمر الرواتب للدعاة من بيت مال المسلمين للمعلمين والمفتين حتى يتفرغوا لأداء مهمتهم في التعليم والإفتاء وحتى الذين يعلمون الأطفال تكفل الفاروق بأرزاقهم، وقد كان في المدينة ثلاثة معلمين يعلمون الصبيان فكان عمر يرزق كل منهم خمسة عشر درهم في كل شهر.
5.     كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو بالبصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً وللقبائل مسجداً فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة وشهدوا الجماعة.

     تاريخ الدعوة في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
([24])
     لُقب عثمان بن عفان رضي الله عنه بذي النورين، لأنه تزوج ببنت النبي ﷺ رقية، وحين توفيت تزوج بأختها الثانية أم كلثوم رضي الله عنهم، ومن أهم أعمال الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه:
1.   فتح أذربيجان والري وأرمينية والإسكندرية وأفريقيا (تونس).
2.   أنشأ أول أسطول بحري إسلامي.
3.   جمع القرآن على عدة نسخ، وجمع الناس عل حرف واحد؛ خوفاً منه على اختلاف الأمة في القراءة لما اتسعت الدولة وتعددت الأمصار.
4.   توسيع المسجد النبوي؛ فقد كثر سكان المدينة، وزاد عدد المصلين حتى إنهم لا يجدون مكاناً في المسجد لأداء الصلاة.

    تاريخ الدعوة في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
([25])
    من مواقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الدعوة مع أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: قام علي بدور عظيم في أخذ أبي ذر إلى مقر الرسول ﷺ فحينما سمع أبا ذر بالنبي ﷺ قدم إلى مكة، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه الليل فاضطجع فرآه علي فعرفه أنه غريب، فاستضافه ولم يسأل عن شيء، ثم غادر صباحاً إلى المسجد الحرام فمكث حتى أمسى فرآه علي فاستضافه لليلة ثانية وحدث مثل ذلك الليلة الثالثة ثم سأله عن سبب قدومه. فلما استوثق منه أبو ذر أخبره بأنه يريد مقابلة الرسول ﷺ، فقال له علي: فإنه حق، وهو رسول الله فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإذا مضيت فاتبعني فتبعه وقابل الرسول ﷺ واستمع إلى قوله فأسلم: فقال له النبي ﷺ: (ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري).

    تاريخ الدعوة في العهد الأموي:
([26])
    يبتدئ العهد الأموي من عام (40) للهجرة عندما تولى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الحكم إلى عام (132) للهجرة عندما قتل مروان بن محمد آخر حكام بني أمية. ([27])
    وتأسّست الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عام (40) للهجرة ويسمى عام الجماعة، حيث كان قبل ذلك والياً على الشام منذ العام الثامن عشر للهجرة، وبعد حادثة قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه اضطربت الأمور وحصلت الفتن فيها حينما تولّى الخلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بدون أن يبايعه والي الشّام معاوية، وكانت حجّة معاوية أنّ الخليفة يجب عليه أن يقتص من قتلة عثمان قبل مبايعته، وقد اعتبر معاوية نفسه ولي دم عثمان بسبب أنّهما من بني أمية, وقد حصلت مواجهات بين معسكر علي ومعاوية ولم تنته إلا عند قتل الخليفة علي وتولّي ابنه الحسن الخلافة، حيث قرّر الحسن التنازل لمعاوية عن الخلافة، فأصبح معاوية خليفة للمسلمين ليكون بذلك أوّل خليفة من خلفاء الدولة الأموية، واستمر حكم معاوية عشرين سنة توسعت فيها الدولة الأموية، وقد سنّ معاوية ولاية العهد كمبدأ للتعيين من بعده حينما أمر الناس بمبايعة ابنه يزيد للخلافة قبل عشر سنوات من وفاته وذلك في عام (50) للهجرة, وينتسب الأمويون إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وفي عبد مناف يلتقي بنو أمية مع بني هاشم، وكان بنو عبد مناف يتمتعون بمركز الزعامة في مكة، لايناهضهم فيه أحد من بطون، وقد اتخذت الدولة الإسلامية من دمشق عاصمة لها. ([28])

    من عوامل نجاح قيام الدولة الأموية:

1.   صبر وحلم الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وحسن سياسته وعدله.
2.   وجود نخبة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
3.   حسن اختيار مبعوثيها إلى الدول المجاورة، ومدى أهليتهم علماً وديانةً وخلقاً.
4.   قيام الخلفاء بدورهم بتبليغ دعوة الله في أرضه بشتى الوسائل والطرق ومن بينها (الرسائل الدعوية).

     من أساليب ووسائل الدعوة في الدولة الأموية:

1.   أساليب الدعوة في العصر الأموي كانت تنطلق من خلال المعالم التي رسمتها لها المناهج الدعوية، فقد اهتدت بهداها، حيث كان الكتاب والسنة هما الأساس الذي من خلاله استخلصت تلك الأساليب الدعوية: على مستوى العلماء: فإن أبرز الأساليب الدعوية التي استخدموها هي أساليب ثلاثة: (الحكمة، الموعظة الحسنة، المجادلة بالتي هي أحسن)، وعلى مستوى الخلفاء: فإن أبرز أساليب الدعوة التي سلكوها في سياستهم لرعيتهم هي أسلوبا: (الترغيب والترهيب).
2.   وسائل الدعوة في العصر الأموي كانت متعددة ومتنوعة وقد أجاد المشتغلون بالدعوة استخدامها، ووظفوها لخدمة الدعوة بما يتناسب مع متطلبات عصرهم، حيث بلغت الدعوة الإسلامية في تلك الفترة الزمنية أقصى انتشار لها، وأشرقت شمس الهداية على أمم لم تكن تعرف الإسلام أو تدين به، ومن أبرز الوسائل الدعوية في العصر الأموي هي: الفتوحات الإسلامية وتبليغ الدعوة.
3.   الحركات العلمية في التفسير والحديث، الفقه، الوعظ، التاريخ، الشعر، والخطب والنصائح، والحوار والمناقشات والمناظرات.

     من مشكلات الدعوة في العصر الأموي:

     تتلخص مشكلات ومعوقات الدعوة في العصر الأموي ما يلي:
1.   ظهور المبتدعة في الدين سواءً كان في جانب العقيدة أو في جانب الأحكام.
2.   ظهور العصبية القبلية والعنصرية الشعوبية.
3.   ظهور الحركات السياسية متمثلة في الشيعة والخوارج.
4.   وقوف بعض الأمراء في طريق العلماء ودعوتهم.
5.   مظاهر البذخ والترف عند بعض العلماء والأمراء.

     تاريخ الدعوة في العهد العباسي:
([29])
     يبتدئ العهد العباسي من عام (132) للهجرة بولاية أبي العباس عبدالله السفَّاح الحكم إلى عام (656) للهجرة عندما قتل الخليفة المستعصم بالله آخر حكام بني العباس. ([30])
     ويتضح من التسمية أن هذه الدولة تنسب إلى شخص بعينه هو العباس عم النبي ﷺ؛ ذلك أن علي بن عبدالله بن عباس – جد الخلفاء من بني العباس والذي كان من أهل العلم والديانة – خرج من دمشق عاصمة الدولة الأموية، واستقر في ضاحية الحميمة، وكان موقع هذه البلدة ذا بعد استراتيجي وله تأثير في تكوين الدعوة إلى الدولة وتأسيسها، نظراً لبعدها عن أعين الأموين وموقعها الجيد بين دمشق وفلسطين والحجاز، وكان استقراره فيها بعد بداية تكوين الدولة وتأسيسها الحقيقي ثم كانت هناك مرحلة أخرى أكثر تقدماً ونشاطاً في مسيرة التأسيس وهي المرحلة التي تولى فيها إمامة الدعوة محمد بن علي وراثة عن أبيه، مواكباً فيها نشاط بعض العلويين في الكوفة، ومتحداً معهم في شعار جامع، وهو (الرضا من آل محمد)، والذي جمع به قلوب الناس عليه. ([31])
     ولم تكن حركة العباسيين خبط عشواء، بل استطاعت في برنامجها أن تضع أمام عينها الخريطة الجغرافية والسكانية، فتأكد تميزها بالمنهج العلمي، ولا أدل على ذلك اختيارها للحميمة عاصمة ونواة للدعوة السرية في قيام الدولة، ثم تكثيف عملها في خرسان أقصى الشرق الفارسي، نظراً لأن الكوفة والبصرة ودمشق لا تتحد معها في الولاء. ([32])

     من عوامل نجاح قيام الدولة العباسية:

     لاشك أن الله تعالى إذا أراد أمراً يسّر أسبابه، وأن انتقال الحكم من اليد الأموية إلى اليد العباسية كان في ظروف سخرها الله لدولة بني العباس، وأهم وأبرز الأسباب على سبيل المثال لا الحصر:
1.   وفِّقت الدعوة في بدايتها بتوحيد صفها الداخلي فجعلت الشعار هاشمياً، حتى يتحد الصف العباسي مع العلوي.
2.   رفعت شعارات براقة استمالت قلوب الناس إليهم مثل: المساواة، في الوقت الذي بلغت الشعوبية فيه والعصبية القبلية ذروتها.
3.   أن الله سخر لهم قادة فكر وعلم وحرب، نصحوا لهم غاية النصح، مثل ميسرة العبدي، وبكر بن ماهان، وأبي سلمة الخلال، وأكبر من ذلك أبو مسلم الخرساني الذي حمل لبني العباس لواء الحرب.
4.   اختيار خرسان مكاناً لإشعال الثورة بسبب الصراع القبلي والطبقي، وقل مثله في الطبقية التي كان يكتوي العنصر الفارسي بنارها، فكانت الدعوة العباسية تتبادل النفع مع هذه المشكلة.
5.   طول الفترة التي قطعها بنو العباس في بناء الدولة حيث استغرق تأسيسهم وعملهم للدولة ما بين ثلاثين إلى خمسين عاماً.

     من أساليب ووسائل الدعوة في الدولة العباسية:

     يعتبر العصر العباسي من العصور الزاهرة بالعلم والدعوة في التاريخ الإسلامي، ومن أهم وسائل الدعوة التي كانت تتماشى مع خط العلم سواء بسواء:
1.   مجالس المحدثين: نال حديث رسول الله ﷺ في العصر العباسي رواجاً عاماً وتقديراً بالغاً من الجمهور، وقيض الله سبحانه وتعالى لخدمة علم الحديث أفواجاً من العلماء كانوا يمتازون بعلو همتهم وطموحهم وبشدة نشاطهم وقوة احتمالهم وصبرهم وحدّة ذاكرتهم وقوة حفظهم، وأصبح العالم الإسلامي آنذاك مجالاً فسيحاً لتجول طلبة العلم من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب, ومن أجل ذلك لم تزل مجالس علم الحديث زاخرة بأفواج من المستمعين للحديث والمصغين إليه، فما حكاه الذهبي: (أن مجلس يزيد بن هارون ببغداد كان يحضره سبعون ألفاً، وقُدِّر المستمعون في مجلس سليمان بن حرب فكانوا أربعين ألفاً) ([33])، وهذا الإقبال العظيم على مجالس علم الحديث في العصر العباسي الأول، أثبت بكل صراحة ووضوح أن الجمهور رفضوا أفكار الفرق الباطلة، ولم يقبلوا أي تأويل أو تحريف لكتاب الله مهما كان ذلك التأويل يتجاوب مع العقل البشري غير المهتدي بهدي الكتاب والسنة التي هي بيان رسول الله ﷺ كتاب ربه. ([34])
2.   مجالس الفقهاء: إن ما يواجهه المجتمع الإسلامي في ذلك العصر من المسائل الحديثة والوقائع المستجدة بسبب اتساع رقعة الدولة الإسلامية استنفر لهذه المهمة رجالاً عباقرة يتصفون بالثقة والكفاءة والإخلاص وهم فقهاء الأمة الإسلامية. فكان مجتمع العراق ومجتمع ما وراء النهر ينعمان بفقه الإمام العظيم أبي حنيفة؛ إذ حاز صاحبه القاضي أبو يوسف منصب قاضي القضاة في عهد الرشيد، كما كان مجتمع الحجاز ينعم بفقه الإمام مالك بن أنس، وكانت حلقات درسه قائمة في المسجد النبوي الشريف، وانتشر فقهه في مصر وشمال إفريقية والأندلس بفضل الله ثم بفضل جهود تلاميذه، كما كانت الديار المصرية تتمتع بنتاج الفقيهين العظيمين الإمام ليث بن سعد والإمام محمد بن إدريس الشافعي، وكانت الشام تستنير من فقه الإمام الأوزاعي وسفيان الثوري، كما كانت بغداد تستفيد من فقه الإمام أحمد بن حنبل. وهكذا هيأت الدعوة الإسلامية بواسطة هؤلاء العباقرة جواً تسهم من خلاله في المحافظة ما أمكن على حياة الأمة الإسلامية في اجتماعها ومعاملاتها واقتصادها كي لا تضيع ذاتها في خضم العصر العباسي الأول من بعض الانحرافات التي ظهرت. ([35])
3.   حلقات الزهاد والنساك: انبثقت في محيط الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الأول جهة ثالثة لمقاومة تيارات الفساد الطاغية، وحازت على هذه الجبهة جماعة الزهاد والنساك، الذين كان لهم دور رائد في توعية الناس ونصحهم بأعمالهم قبل أقوالهم. ([36])
4.   الرسائل: يقصد بها تلك الرسائل التي يوجهها العلماء والدعاة إلى من يسألهم، ومن أمثلة ذلك: (رسالة الإمام أحمد بن حنبل إلى الخليفة المتوكل يجيبه عن سؤاله حول أمّ القرآن حينما كتب عبيد الله بن يحيى إلى الإمام أحمد بن حنبل رسالة يخبره فيها أن أمير المؤمنين المتوكل أمره أن يكتب إليه يسأله عن أمّ القرآن لا مسألة امتحان ولكن مسألة معرفة وبصيرة). ([37])

     من مشكلات الدعوة في العصر العباسي:

     من الطبيعي أن يفتر العمل في العصر العباسي وأن تعتريه عوائق وأحوال ومشكلات، منها:
1.   انحراف الدولة عن جادتها الدعوية فهذه هي المشكلة الكبرى التي واجهتها الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الأول وتسببت في الانحراف في النواحي الاجتماعية والقضائية والمالية والسياسية.
2.   وجود مذاهب مختلفة فكرية وكلامية نشأ بعضها من دسّ أعداء الإسلام كالسبيئة والشيعة، ونشأ بعضها من أجل الاعوجاج الفكري كالخوارج، كما حدث بعضها من جراء الاحتكاك بالأمم الأخرى وترجمة ثقافتها وعلومها ترجمةً لم تنظم كما كان من الواجب أن تنظم؛ كالمعتزلة والمرجئة والجهمية وغيرها، وقد تضاعفت قوة اثنين منها خلال العصر العباسي الأول، وهما: (الشيعة، والمعتزلة). ([38])
3.   عدم تبني الدولة الدعوة في الخارج ويعود السبب إلى نواحي الضعف التي حدثت في الكيان الإسلامي، والدولة العباسية اشتغلت في بداية أمرها بتدعيم سطوتها وتوجيه قوتها إلى إخماد الثورات الداخلية، وبعدما استقر أمرها نجد الصوائف والشواتي نحو الروم والهجمات عليها، ويقود تلك الصوائف والشواتي في غالب الأحيان بعض القادة، وقد يقودها الخلفاء، كما قاد المهدي بنفسه قبل أن يلي الخلافة وبعدها وهو الأمر الذي ضمر في آخر عصورها.

     تاريخ الدعوة في العهد العثماني: ([39])

     يبتدئ العهد العثماني من عام (698) للهجرة بتأسيس عثمان الأول بن أرطغرل الدولة العثمانية وانتهت بإسقاطها عام (1343) للهجرة حيث بقيت الدولة ما يقارب (645) عاماً. ([40])
     وبلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاثة: (أوروبا وآسيا وأفريقيا)، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا وشمالي أفريقيا، وكان للدولة سيادة اسمية على عدد من الدول والإمارات المجاورة في أوروبا، التي أضحى بعضها يُشكل جزءًا فعليًا من الدولة مع مرور الزمن، بينما حصل بعضها الآخر على نوع من الاستقلال الذاتي, وأضحت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان الأول (القانوني) (حكم منذ عام 941هـ حتى عام 987هـ) قوّة عظمى من الناحيتين السياسية والعسكرية، وأصبحت عاصمتها القسطنطينية تلعب دور صلة الوصل بين العالمين الأوروبي النصراني والشرقي الإسلامي، وبعد انتهاء عهد السلطان سليمان الأول (القانوني) الذي يُعتبر عصر الدولة العثمانية الذهبي، أصيبت الدولة بالضعف وأخذت تفقد ممتلكاتها شيئا فشيئًا، على الرغم من أنها عرفت فترات من الانتعاش والإصلاح إلا أنها لم تكن كافية لإعادتها إلى وضعها السابق, وانتهت الدولة العثمانية بصفتها السياسية سنة (1343هـ)، وأزيلت بوصفها دولة قائمة بحكم القانون سنة (1344هـ)، بعد توقيعها على معاهدة لوزان، وزالت نهائيًا عند قيام الجمهورية التركية التي تعتبر الوريث الشرعي للدولة العثمانية.

    من عوامل نجاح قيام الدولة العثمانية:

1.     أهم دولتين في آسيا الصغرى هما الدولة البيزنطية ممثلة في إماراتها في آسيا، ودولةُ سلاجقة الروم، وكانتا قد وصلتا إلى حالة من الضعف والانهيار نتيجة الصراع الطويل بينهما، وتعرض البيزنطيين الأرثوذكس للغزو الكاثوليكي، وتعرُّض دولة السلاجقة لغزو المغول؛ مما جعل منطقة الأناضول تعيش فراغًا سياسيًّا، ساعد الدولةَ العثمانية في بداية تكوينها على أنقاض هاتين الدولتين المتداعيتين.
2.     ساهم سقوط القسطنطينية بتمكين العثمانيين من بناء قوة بحرية هائلة وتكوين أسطول بحري كبير كما أصبح العثمانيون أكثر استقراراً بعد الحياة البدوية.
3.     بروز الطابع الديني المتَّقد حماسة لدى العثمانيين منذ عهد الأمير عثمان؛ إذ على الرغم من أن الأتراك قد بدؤوا الدخول في الإسلام في وقت مبكر، إلا أنه في عهد هذا الأمير زاد انتشار الإسلام فيهم، ويبدو أنهم قبل ذلك كانوا يعيشون حالة من الانتقال من الوثنية إلى الإسلام.
4.     الاهتمام ببناء جيش قوي ومدرب ولذا تم تكوين الجيش الانكشاري وتهيئته بجميع أدوات القتال مما جعله يسهم في مد نفوذ الدولة وتوسعها الكبير.

    من أساليب ووسائل الدعوة في الدولة العثمانية:

1.   اهتم سلاطين بني عثمان بالشعائر الدينية فبنوا المساجد وعمّروها وأوقفوا عليها الأوقاف وبنوا المدارس الدينية ورتبوا لها مصادر أنفاق دائمة.
2.   اعتنوا بالحج وصيانة البلاد المقدسة (مكة والمدينة والقدس) مما كان يصيبها من خراب وتهدم.
3.   قامت الدولة العثمانية بدور هام في نشر الإسلام في أصقاع شتى من الأقاليم الأوروبية، وكانت روح الجهاد الديني غالبة في إسلام العثمانيين، وازدادت قوةً وصلابةً عندما استقروا في الأناضول على حدود أو على مقربة من الكيانات المسيحية المتناثرة.
4.   حافظت الدولة العثمانية على إسلام وعروبة سكان شمالي إفريقيا من أخطار الغزو الصليبي الاستعماري الأوروبي، الذي حملت لواءه البرتغال وإسبانيا، والمنظمة الصليبية المعروفة باسم فرسان القديس يوحنا، والتي اتخذت من جزيرة مالطة مستقرًّا ومقامًا.

     من مشكلات الدعوة في العصر العثماني:

1.   إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، وهما المصدر الرئيس للتشريع، وكان يجب الاهتمام بها وتعلمها كونها لغة الإسلام، بالرغم من أن بعض السلاطين قد عمل على اهتمام المدارس باللغة العربية، وكان على الخلفاء أن يتعلموا هم العربية، ويشجعوا عليها.
2.   عدم الوعي الإسلامي إذ كان كثير من الناس لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات، لذا كانوا يحرصون عليها وعلى تأديتها، وهذا أدى إلى انتشار الطرق الصوفية، وضعف فكرة الجهاد.
3.   ضعف عقيدة الولاء والبراء لدى سلاطين الدولة المتأخرين وموالاة الكافرين وإتباعهم واتخاذهم أولياء من دون المؤمنين وهذا الأمر انعكس على المجتمع.
4.   إقرار المذهب الحنفي في كافة البلاد والتعصب له وتجاهل مختلف المذاهب وحتى آراء المجتهدين.
5.   انتشار الجهل والبدع بين الناس وتبني الدولة لها مثل المولد النبوي وانتشار الخرافات ودعمها أحياناً.
6.   نشرت الدولة العثمانية الشرك بنشرها للتصوف القائم على عبادة القبور والأولياء والاستغاثة والاستعانة بأصحاب الأضرحة والقبور والذبح والنذر لها.
7.   الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة (البكداشية) وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيون ذاتهم (ولذا انتشر الشرك والكفر واندرس التوحيد في البلاد التي يحكمونها)، يقول الإمام سعود بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (ت 1229 هـ) في رسالة له إلى والي العراق العثماني واصفاً حال دولتهم: (فشعائر الكفر بالله والشرك هي الظاهرة عندكم مثل بناء القباب على القبور وإيقاد السرج عليها وتعليق الستور عليها وزيارتها بما لم يشرعه الله ورسوله واتخاذها عيداً وسؤال أصحابها قضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات، هذا مع تضييع فرائض الدين التي أمر الله بإقامتها من الصلوات الخمس وغيرها فمن أراد الصلاة صلى وحده ومن تركها لم ينكر عليه وكذلك الزكاة وهذا أمر قد شاع وذاع وملأ الأسماع في كثير من بلاد الشام والعراق ومصر وغير ذلك من البلدان).
8.   حرب العثمانيون للتوحيد فقد حاربوا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى كما هو معروف وأرسلوا الحملات تلو الحملات لمحاربة أهل التوحيد حتى هدموا الدرعية عاصمة الدعوة السلفية عام (1233هـ)، وقد كان العثمانيون في حربهم للتوحيد يطلبون المعونة من النصارى، فقد عثر بعض الدارسين في (أوروبا) على وثائق كانت متبادلة بين (نابليون بونابرت) زعيم (فرنسا) و (الباب العالي) كبير العثمانيين بخصوص دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ووجوب عمل اللازم تجاهها كخطر على مصالحهم في الشرق.

      تاريخ الدعوة في المملكة العربية السعودية:

      تأسست الدولة السعودية الأولى بمبايعة تاريخية بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله تعالى عام (1157هـ)، وكان أساسها تصحيح العقيدة وتطبيق الشريعة الإسلامية، ثم سقطت بعد هزيمتها من قوات ابراهيم باشا عام (1233هـ).([41])
      ثم تأسست الدولة السعودية الثانية على يد الأمير تركي بن عبدالله عام (1240هـ)، امتداداً للأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى، ثم سقطت بعد الهزيمة التي لحقتها من ابن رشيد عام (1309هـ).([42])
     وأما الدولة السعودية الثالثة فقد تأسست في اليوم الخامس من شهر شوال عام (1319هـ)، فقد تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود من استرداد الرياض، وكان لهذا الحدث التاريخي أثره في قيام الدولة السعودية وتوحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية، منها: توحيد جنوب نجد وسدير والوشم عام (1320هـ)، والقصيم عام (1322هـ)، والأحساء عام (1331هـ)، وعسير عام (1338هـ)، وحائل عام (1340هـ)، إلى أن تمكن من ضم بقية الأجزاء والإعلان عن قيام الدولة السعودية بتاريخ 21 جمادي الأولى عام (1351هـ).([43])
      وكان لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الأثر الواضح في قيام هذه الدولة، امتداداً للدولة السعودية الأولى والثانية، حيث تأسست على الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة، والدعوة إلى التوحيد والبراءة من الشرك وأهله، ومحاربة البدع والخرافات، ونشر العلم الشرعي والعناية به وبأهله. ([44])

     من أساليب ووسائل الدعوة في الدولة السعودية:

     لا شك أن كثيرًا من الوسائل والأساليب في العهد السعودي كانت موجودة فيما مضى من العصور كمجالس العلم والوعظ وتأليف الكتب وغير ذلك مما سبق التطرق إليه في العصور السابقة، إلا أن ثمة وسائل ملحوظة في العهد السعودي الثالث، ويمكن التنبيه عليها في النقاط التالية:
1.   الدعوة من خلال منظمات وهيئات متخصصة: سواء كان عبر المؤسسات الرسمية للدولة كوزارة الشؤون الإسلامية حيث تعمل على تنظيم الدروس والمحاضرات وبعث الدعاة وطباعة الكتب والمصاحف وترجمة الكتب النافعة وتعيين الأئمة والخطباء وبناء المساجد والمراكز الإسلامية في الدول الأخرى وغير ذلك، أو كان عبر منظمات محلية أو عالمية كمنظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والجمعيات الخيرية، ونحو ذلك، ولكل جهة مما ذكر جهود دعوية مختلفة، إما علمية أو إغاثية أو معنوية وغير ذلك.
2.   الوسائل الحديثة في الدعوة: كوسائل الإعلام المعاصرة من البرامج المرئية والإذاعية ومواقع الإنترنت والصحف والمجلات، والحاسوب وما يتصل به من البرمجيات التي تفيد الدعوة، ولا شك أن الوسائل الحديثة لا يخلو بعضها من سلبيات.
3.   تنظيم التعليم وافتتاح المدارس الحكومية، وإدخال تعليم البنات مع إشراف المشايخ وأهل العلم والفضل على وضع المناهج، ومن ذلك إنشاء الجامعات في أغلب مدن المملكة واحتوائها على التخصصات الخادمة للعلم والدعوة.
4.   المسابقات القرآنية المحلية كمسابقة الملك سلمان أو عالمية كمسابقة الملك عبدالعزيز بالإضافة إلى الدورات العلمية المكثفة، والدورات القرآنية المكثفة، ودورات حفظ السنة النبوية.

     من مشكلات الدعوة في العصر السعودي:

     يحتاج الداعية في إنهاء المشكلات إلى التعامل معها إلى علم وحكمة وصبر وثبات، وحلها بالطرق الصحيحة، والمشكلات والعوائق لا بد من معرفتها والتعامل معها ليكون العمل الدعوي مثمرًا، منها:
1.   مشكلات وعوائق داخلية، منها: قلة الدعاة بسبب قلة الدروس والتعليم، وضعفت هذه المشكلة بعد تنظيم التعليم وافتتاح المعاهد والجامعات فتخرَّج بذلك ألوف الدعاة وطلاب العلم الشرعي.
2.   مشكلات وعوائق خارجية، منها: علماء الضلال الذين يحاربون الدعوة السلفية، وغالبهم إما روافض أو متصوفة، والدعوات الهدامة كالقومية والاشتراكية والعلمانية وغيرها.
 
! ! !
 
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد، وأن يجعلنا جميعاً من المقبولين،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
ناصر بن سعيد السيف
13 ربيع الأول 1438 هـ


---------------------------
([1]) انظر: الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج، عاطف الفيومي، ص2.
([2]) انظر: تاريخ الدعوة والدعاة، حياة صديق الأنصاري، ص4.
([3]) انظر: مجلة البحوث الإسلامية، تاريخ الدعوة إلى الله تعالى، 58/226.
([4]) انظر: الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص85.
([5]) انظر: الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص193.
([6]) المرجع السابق، ص197.
([7]) انظر: نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، محمد الخضري، ص266.
([8]) انظر: محمد رسول الله ﷺ، محمد الصادق عرجون، 3/51 وما بعدها.
([9]) انظر: تاريخ الدعوة، جمعه الخولي 2/47.
([10]) انظر: حسبة النبي ﷺ، عبدالرحمن عيسى السليم، ص19 وما بعدها.
([11]) انظر: إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين، للإمام محمد بن طولون الدمشقي، ص47.
([12]) انظر: نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، محمد الخضري، ص86.
([13]) انظر: الجهاد في سبيل الله، عبدالله بن أحمد القادري، 1/51 وما بعدها.
([14]) انظر: الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، ص455.
([15]) انظر: أسباب نجاح الدعوة الإسلامية في العهد النبوي، عبدالله محمد آل موسى، ص456.
([16]) انظر: أساليب الدعوة والتربية في السنة النبوية، زياد محمود العلي، ص15.
([17]) انظر: الدعوة إلى الإسلام، محمد أبو زهرة، ص77.
([18]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص161.
([19]) انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، 6/313.
([20]) رواه البخاري، كتاب التفسير، 6 /89.
([21]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص162.
([22]) انظر: الخلافة الراشدة، يحيى اليحيى، ص300.
([23]) انظر: الإدارة العسكرية في الدولة الإسلامية، سليمان بن صالح آل كمال، 2/721.
([24]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص163.
([25]) المرجع السابق، ص167.
([26]) المرجع السابق، ص169.
([27]) انظر: تاريخ الأمم والملوك، الإمام الطبري 3/166.
([28]) انظر: تاريخ الرسل والملوك، الإمام الطبري، 6/448.
([29]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص171.
([30]) انظر: تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن، 2/14.
([31]) انظر: تاريخ الرسل والملوك، الإمام الطبري، 6/448.
([32]) انظر: الدولة العباسية والمشرق الإسلامي، فتحي أبو سيف، ص 20.
([33]) انظر: تذكرة الحفاظ، الإمام الذهبي، 1/318.
([34]) انظر: الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الأول دروس لإصلاح الواقع الدعوي، عبد الحميد مظاهري ندوي، ص 228.
([35]) المرجع السابق ص 235.
([36]) انظر: الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الأول دروس لإصلاح الواقع الدعوي، عبد الحميد مظاهري ندوي، ص 291.
([37]) انظر: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الإمام الذهبي، 18/93.
([38]) انظر: الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الأول دروس لإصلاح الواقع الدعوي، عبد الحميد مظاهري ندوي، ص 278.
([39]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص175.
([40]) انظر: تاريخ الدعوة، جمعة الخولي، 2/153.
(41) انظر: الدولة السعودية الأولى من خلال كتابات الرحالة والمستشرقين، أحلام أبو قايد، ص37.
(42) انظر: نشأة المملكة العربية السعودية، عبدالله العثيمين، ص3.
(43) المرجع السابق، ص4.
(44) انظر: الشيخ محمد بن عبدالوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه، أحمد بن حجر آل أبو طامي، ص53.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية