اطبع هذه الصفحة


إقامة الحجة وإبراء الذمة في الدعوة إلى الله تعالى

ناصر بن سعيد السيف
dr_nasseralsaif@


من نعم الله تعالى على عباده أن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم لإقامة الحجة عليهم وإبراء الذمة من العهد والأمانة الملقاة على عاتقه عليه الصلاة والسلام من ربه جلّ وعلا، كما قال سبحانه: ﱣﭐ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﱢ [النساء: ١٦٥] وذلك بدعوة قومه إلى الحق بإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن هنا يتضح لنا أن من أسس المنهج الدعوي الصحيح هو إقامة الحجة وإبراء الذمة ببيان النبي ﷺ رسالته لأمته وإبراء ذمته بدعوتهم إلى الحق.

مفهوم إقامة الحجة وإبراء الذمة:

تعريف الحجة لغةً: الدليل والبرهان.([1])
تعريف الحجة اصطلاحاً: ما دُلّ بها على صحة الدعوة في إقامة الأدلة والبراهين القطعية بالضوابط الشرعية على المكلف.([2])
تعريف الذمة لغةً: العهد والأمان والكفالة.([3])
تعريف الذمة اصطلاحاً: الوصف الذي يجعل المكلف به أهلاً للقيام بواجباته وأداء ما عليه من حقوق.([4])

مشروعية إقامة الحجة وإبراء الذمة:

1.     القرآن الكريم: قال تعالى: ﱣﭐ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﱢ [الإسراء: ١٥]، أي أن من كمال عدل الله تعالى ورحمته على العبد أنه لا يعذبه حتى تصله الرسالة التي يقدرها الله عز وجل لهدايته بشتى الوسائل والأساليب الدعوية لتقوم عليه الحجة ثم يعاند ويكابر، وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه فإن الله تعالى لا يعذبه. ([5])
2.     السنة النبوية: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ)([6])، أي أن الله تعالى يحب الإعذار ولا يؤاخذ العبد إلى بعد إقامة الحجة عليه ثم يعاند.([7])
3.     من أهم أهداف منهج الدعوة الذي سار عليه الأنبياء والرسل في دعوتهم كما في القرآن الكريم والسنة النبوية هو إقامة الحجة على الناس وذلك بإيصال الداعية عقيدة الإسلام وبتعريفها للمدعوين، فإن الحجة تقوم عليهم بذلك وهذا واجب الدعاة وبها يعذرون.

    وينبغي على الداعية عند قيامه بالدعوة إلى الله تعالى أن يراعي الأمور التالية:

1.      الإخلاص في إقامة الحجة لقول الله تعالى: ﱣﭐ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﱢ [الكهف: ١١٠]، بمعنى ألا يكون همه في الدعوة الرياء أو السمعة لقول النبي ﷺ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ).([8])
2.      أن يستخدم الوسائل والأساليب المشروعة لإقامة الحجة لقول الله تعالى: ﱣ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﱢ  [النحل: ١٢٥].
3.      أن الداعية مهمته البلاغ والتذكير، وليس عليه الصيطرة على الخلق، لقول الله تعالى: ﱣﭐ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﱢ [الغاشية: ٢١-٢٢].
4.      أن يكون بصيراً فيما يدعو وبكيفية الدعوة وبحال المدعو، لقول الله تعالى: ﱣﭐ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﱢ [يوسف: ١٠٨].
5.
      مراعات الأولويات، أي بالبدء بالأهم فالمهم في إقامة الحجة، لقول النبي ﷺ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حينما بعثه إلى اليمن قَالَ: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ).([9])

 *****

 
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد، وأن يجعلنا جميعاً من المقبولين،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير
ناصر بن سعيد السيف
 27 جمادى الأخرة 1438 هـ


--------------------------------------
([1]) انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، أخرجه إبراهيم مصطفى وآخرون، ص157.
([2]) انظر: التعريفات، علي الجرجاني، ص86.
([3]) انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، أخرجه إبراهيم مصطفى وآخرون، ص315.
([4]) انظر: التعريفات، علي الجرجاني، ص112.
([5]) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي، ص455.
([6]) رواه البخاري، كتاب: التوحيد، باب: قول النبي ﷺ لا شخص أغير من الله، رقم الحديث: 7416.
([7]) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، 13/338.
([8]) أخرجه الإمام أحمد، رقم الحديث: 23630، وحسنه الألباني في السلسة الصحيحة.
([9]) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب: بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، رقم الحديث: 4347.


 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية