اطبع هذه الصفحة


مع القرآن العظيم

ناصر بن سعيد السيف
dr_nasseralsaif@


لم يكن في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم - منبرٌ يخطب عليه بل كان يخطب الناس على جذع عند مصلاه في مسجده الشريف فلما اتخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - منبراً من ثلاث درجات وعَدَلَ عن الجذع بكى وحنَّ حنين النوق العشار وارتج المسجد لخواره وبكاءه حتى وضع النبي – صلى الله عليه وسلم - يده عليه وضمه فسكت , وسبب بكاء الجذع حزناً على فراق النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن سمع الآيات والمواعظ , وإن لم يفعل ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم - لكان بكاؤه إلى قيام الساعة ثم أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - بالجذع فدفن تحت المنبر , قال الحسن البصري - رحمه الله تعالى - : (يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - شوقاً إليه أوليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه).

الوحي الإلهي له تأثير على الموجودات فهذا الجذع يحن للآيات والمواعظ , وذاك الجبل الراسخ يخشع ويتصدع من خشية الله تعالى : ((لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) , والمضغة في صدر الإنسان إذا صدَّت عن ذكر الله تعالى كانت في قساوتها كالحجارة أو أشد مع أن في الحجارة مايهبط من خشية الله تعالى : ((ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) , ولهذا دعا الرحمن الرحيم عباده المؤمنين بمعاهدة كتابه الكريم ولايكونوا كأهل الكتاب من قبلهم بتركهم ما أنزل الله – تعالى - عليهم وكانت عقوبتهم الموت الحقيقي بقسوة القلب : ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)).

من أراد الهداية في الدنيا والأخرة والفوز فيهما فعليه بكتاب الله تعالى : ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)) , ومن أراد الهُدى والرحمة والشفاء والموعظة للقلوب ليس بينه وبين ذلك إلا أن يرتل ويستمع الآيات من كتاب الله العزيز الحميد : ((ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) , وتنزل السكينة على النفوس , والسكون في المكان عندما يتهادى صوت القرآن بتدبر وإخلاص : ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ)) , وحال المؤمنين مع القرآن العظيم : ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)).

إن هذا الكتاب المبارك يعتبر الميزان الحقيقي بين البشرية على الأرض , ومن أسباب الترقي بالدرجات العُلى في الجنان , قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)) , والخيرية بين الخليقة لاتحددها الأنساب والأحساب والأموال والمناصب وإنما التحديد بقول المصطفى – صلى الله عليه وسلم – : ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) , وفي يوم القيامة يبحث العبد عن شفيع له ويجد القرآن الكريم يتأهب لذلك لمعرفته الصادقة به , قال الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – : ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِصَاحِبِهِ)) , والموفق في الحقيقة من قرأ القرآن العظيم قي آناء الليل وأطراف النهار ليغنم الأجور العظيمة والمكاسب الكثيرة , قال نبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم – : ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)).

نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا , ونور صدورنا , وجلاء أحزاننا , وذهاب غمومنا وهمومنا , وسائقنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم يارب العالمين.
 

أبوخلاد ناصر بن سعيد السيف
20 رمضان 1435 هـ
https://twitter.com/Nabukhallad


 

ناصر  السيف
  • كتب
  • مقالات
  • تغريدات
  • فيديوهات
  • الصفحة الرئيسية