في احد الأيام الخوالي ....
الغالية ذكراها على قلبي ونفسي ....
انطلقنا إلى احد الجبهات الأمامية مع الصرب ....
كان طريقنا يمر عبر قرية صغيره بها عدة منازل.....
مسافة الطريق مشيا على الأقدام حتى الجبهة ما يقارب الساعة والنصف.....
لا نستطيع ركوب السيارات لانكشاف المنطقه ولصوت المحركات.....
كنا تسعة أشخاص عرب......
كنت في ساقة المسيره .....
ومن عادتنا ان نشتري لبان وحلويات للأطفال ...
كل مانرى طفلا نمد له لبان او قطعة حلويات......
حتى اذا مررنا على القريه خرج اطفالها كلهم لاستقبالنا.....
كان مرورنا على القرية بعد الفجر بساعة تقريبا .....
خرج علينا من احد المنازل طفلة كأنها الشمس والله .....
عمرها اربع سنوات مثل الوردة المتفتحه......
وقفت بجانبها قبلتها حملتها لاعبتها ...
والاخوة المجاهدون يستقون الماء من صنبور قريب.......
اتاني اخوها البالغ من العمر سبع سنوات ....
قالت لي الطفلة بكل براءه (دايمي بمبونه)...
أي اعطني علكة لبان......
أخرجت لها اللبان والحلويات لها ولأخيها.......
مكثت معهم ما يقارب الربع ساعة وامهم ترقبني وهي تغسل الثياب....
وتدعو لنا وهي فرحة بملاعبتي لأبنائها.....
ودعتهم ورمقتني البنت الصغيرة بنظرات غريبة.....
كاد ان يختلع قلبي لها وكأن شيئا غريبا بدا منها .....
ابتعدنا عن المنزل قليلا وانا اودعهم ويودعونني بصوت مرتفع.....
واذا يقذيفة قريناي تسقط بالقرب منا ...
وقعنا جميعنا على الأرض ولم يصب منا احد ....
ثم سقطت قذيفة اخرى قريناي وتعالى الغبار وارتفع.....
وانا اسمع أصوات صراخ واستغاثات......
نهضت مسرعا نحو المنزل الذي به الصغيرة حبيبتي....
واذ بي ارى منظرا لازالت ذكراه محفورة في ذاكرتي.....
أصابت رقبتها الطريه شظية ورجلها وبطنها .....
وهي ترمقني وتبكي من الالم .....
قبلتها واحتضنتها وحملتها مسرعا نحو مكان آمن.....
والله لقد غسلت دمها بدموعي المسكوبة عليها بحرارة المنظر....
فارقت الحياة وخمد صوتها العذب ......
انكببت عليها باكيا والله كأنها ابنتي الصغيرة.......
ولما رفعني عنها الاخوه تحركت جثتها الصغيره......
وسقط منها علكة اللبان التي اعطيتها لها وقطعة الحلويات......
رجعت مسرعا صوب منزل اهلها .....
واذ بالأم قد أصيبت إصابة بالغة ولكنها لم تقتل.....
وكذا ابنها الصغير إصابة بالغة....
احتملناها على نقالة كانت معنا ....
نزلنا بهما سريعا نحو القريه تبعد نصف ساعه جريا ...
اعطيناها الدكتور صلاح السوري ......
فعالجها وضمد جراحها وجراح ابنها......
ومازالت ذكراها في ذاكرتي ....
دايمي بمبونه......
م. حمد القطري