حكم زواج الأقارب

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :
ياشيخ وردت أحاديث تذم الزواج من الأقارب فهل صحيح أن الزواج من الأقارب مكروه شرعا ويترتب عليه مفاسد وهل الأفضل تجنب ذلك.

الجواب :
الحمد لله. فقد وردت أحاديث تنهى عن الزواج من الأقارب وتذم ذلك كحديث: (لا تنكحوا في القرابة القريبة فإنه يورث ضآلة في الولد). ذكره فقهاء الشافعية. وحديث: (الناكح في قومه كالمعشب في داره). رواه الطبراني في المعجم الكبير. ولكن هذه الأحاديث منكرة ليس لها أصل في السنة كما قرره علماء الحديث ولا يثبت شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم بل لا يصح حديث مطلقا في هذا الباب وكل ما يروى فباطل لا يلتفت إليه. وعلى هذا فلا يصح النهي عن ذلك ولا يحكم بكراهة الزواج من الأقارب شرعا بل قد دل الشرع على إباحة ذلك كما جاء صريحا في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ). وورد ما يدل على إباحة ذلك واستحسانه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد تزوج ابنة عمته زينب بنت جحش وزوج ابنته فاطمة من ابن عمها القريب علي بن أبي طالب. وقد كان الزواج من الأقارب معروفا زمن الصحابة من غير نكير. وقد أجمع الفقهاء على إباحة زواج الأقارب فهو من أحل الحلال لكن استحب بعض الفقهاء نكاح البعيدة وعللوا بتعليلات وعند التأمل يظهر أن هذا القول مرجوح لا ينصره دليل معتبر شرعا فلا يظهر القول بأن الأولى اجتناب القريبة ولا اعتبار لذلك في اختيار الزوجة وإنما العبرة في الشرع بتوفر الكفاءة والصفات الحسنة في الزوجة دون النظر إلى مسألة القرابة.

وقد تكلم بعض الأطباء وذكروا أن الزواج من الأقارب يترتب عليه أمراض جينية في الجنين فيسبب ذلك ضعف الخلقة للأبناء ووجود مشاكل صحية ونفسية فيهم مما جعلهم لا ينصحون بذلك طبيا ويحذرون منه وقد خالفهم أطباء معتبرون وقرروا أنه أمر لا محذور فيه ولا يسوغ منعه وليس في ذلك قاعدة عامة وخلصوا إلى أن زواج الأقارب ليس ضارا غالبا وما يذكر من نسبة الإصابة للولد فضئيلة جدا لا تقضي بمنع زواج الأقارب ولا التحذير منه. وكذلك هذا غير مسلم به على سبيل الإطلاق لأن كثيرا من زواجات الأقارب كانت ناجحة وتناسل منهم ذرية سليمة خالية من الأمراض والمشاكل والواقع يشهد بهذا ويمكن تلافي هذه المخاوف اليوم عن طريق الفحص المبكر قبل الزواج والحمد لله. ومما يبين فساد هذا القول أن الشارع الحكيم لا يمكن أن يرخص في شيء ويكون فيه الضرر خالصا أو راجحا متحققا بل نجزم يقينا أنه طيب لا ضرر فيه وما يطرأ عليه من علة فأمر طبيعي كما يطرأ على زواج الأباعد.

وبعض الناس اعتادوا على تجنب الزواج من الأقارب لأن ذلك يسبب في نظرهم كثرة النزاع والقطيعة والتجافي بين الأقارب بسبب اختلاف الزوجين مما يؤدي إلى تعصب كل أسرة لابنها أو ابنتها وتوجيه التهم للطرف الآخر وتراشق السبائب والنقائص فيما بينهم فقالوا تجنبا للوقوع في هذه المشاكل نمنع منه ونجعل الزواج خارجا عن الأسرة ليتحقق نجاحه ويخلو من المشاكل واشتهر عندهم قول: (الأقارب عقارب). ولكن هذا المفهوم خاطئ واعتقاد هذه النتيجة في كل زواج من الأقارب مخالف للعقل والواقع ولا يلزم من حصوله وجود مشاكل وقطيعة بل الواقع يشهد أن الزواج من القريبة في كثير من حالاته يكون ناجحا لتقارب الفهم بين الزوجين وتوافق العادات والتقاليد ومكونات البيئة ووجود الاحترام والتقدير مراعاة للصلة وقد تتحمل المرأة شظف العيش من ابن عمها أكثر من الغريب ولهذا قالت العرب: (ابنة العم أصبر وابنة الغريب أنجب). وحتى لو وجدت مشاكل بين الزوجين فإن النتيجة والآثار تختلف من بيئة لأخرى حسب ترابط الأسرتين فيما بينهما ووجود العقل والحكمة ومستوى التدين الثقافة في تعاطي المشاكل الزوجية وطريقة معالجتها.

والحاصل أن الزواج من الأقارب أمر مباح لا كراهة فيه شرعا ولا يذم على سبيل الإطلاق ولا يترتب عليه مفاسد على العلاقة الزوجية أو الأبناء في المستقبل من حيث الأصل وتارة يكون فعله هو الأصلح وتارة يكون تركه هو الأصلح ويختلف ذلك على حسب عرف الناس وكفاءة الزوجين وثقافة الأسرة ووجود الخيارات أو عدمها وغير ذلك من العوامل المؤثرة في الحكم بنجاح الزواج من الأقارب أو عدمه فينبغي على الزوج والولي النظر في تحقيق المصلحة ودرء المفسدة وكفاءة الزوجين والاستشارة والاستخارة فإذا ظهر لهما المصلحة في زواج القريب توكلا على الله واستعاذا من الشيطان ولم يلتفتا إلى كلام الناس وطلبا التوفيق والبركة من الرحمن.
والله الموفق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
1433/2/15