معاناة زوجة فقير

خالد بن سعود البليهد

 
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد أرجو أن تسامحونني على إطالة الموضوع فأنا لم أستطع أن أحذف منه المهم ولا أختصر الأهم .أعمل في مجال هندسة الإعلام ولي ولدان.
تزوجت منذ عشرين سنة من الرجل الذي فضلته على سائر الناس لما كان يتسم من رجولة وحب الخير وحب المساكين ثم تقدم إلى خطبتي بعد سنوات من محاولة إقناع أهله بي ثم تزوجني وكلن يوم الزفاف يوم مرعب ولا يمكنني أن أنساه أبدا ما حييت لأنني عانيت من جهتين إهانة أهل زوجي لي ولأمي ووقوف زوجي إلى جانبهم من دون أن يحميني أو يدافع عني وقد التهمت جراحي في نفسي وتابعت مشواري الحياتي معه لعلي أبني صرحا جديدا أقنع من خلاله عائلة زوجي بي وكان أن عاملتهم بالحسنات رغم الضرر الكبير الذي لامسته من قبلهم من كل الجوانب لم يخرج من فمي كلمة شكوى أو تنديد لكنني فضلت المكوث إلى جنب زوجي لأنني لاحظت أنه يرضي أهل زوجه رضا كبير ولو كان على حساب حياتي ولكنني لم أبال حينها وكان هذا يحفزني لأن أثق به...وراعيته رغم الجراح وكان العائق الوحيد الذي بدأ يظهر حينها هو حالتي النفسية التي بدأت تتدهور يوما بعد يوم فأصبت بانهيار عصبي بعد مرور سنوات من زواجنا ولا أنكر أنني أحسست براحة جسدية خلالها لأنني كنت أتصرف بحرية مطلقة لا يحاسبني فيها أحد وخاصة زوجي الذي كنت أرضيه بكل الطرق قبلها ولا أعصي له قولا فصرت أقول كلمة لا في وقتها وأرفض ما يرفضه العقل وصارت حياتي التي من المفروض أن تكون ولكن على حساب انهياري العصبي ...والتزمت الحكماء وألفت الدواء وصرت أهرب من العودة إلى الطبيعة التي كنت أخفي داخلها جراحاتي ....ولما صرت على وشك الإدمان تغيرت نفسيتي ولم أتقبل على هذا الوضع الخفي وقررت أن أعالج نفسي بالتقرب إلى الله هو من يشفيني فدخلت بيته أطلب منه الرجاء وأن يكشف عني الضر ويحررني من قيودي ...فتعلمت أحكام التلاوة وبدأت أحفظ القرآن لأعلمه للأمهات من هم بحاجة إلينا .ولم أقف إلى هذا الحد بل حاولت التقدم أكثر نحو المبتغى فلجأت إلى جمعية المكفوفين لأقدم أي شيء لهم مساعدتهم في دروسهم..الإملاء عليهم ...مرافقتهم للجامعة...تدعيمهم ..كمتطوعة وأحسست فعلا أنني محظوظة لأني صرت أقدم شيئا لمن هم أحوج منا وبات المرض يصغر حجمه وتوقفت تماما عن أخذي الدواء وبعد سنوات تحسنت صحتي وفي خلال هذه المدة قرر زوجي التوقف عن العمل حيث كان يعمل لدى أحد الخواص كانت حياتنا المادية مكتملة وكنا نقطن بيتا به حجرة واحدة ليس به حمام ولا نافذة لمدة سنوات هذا البيت استأجرناه من صاحب العمل وكنا قد اشترينا قطعة أرض وبدأ زوجي حكم عمله في بنايتها وكنا نحلم باكتمالها ...وصدفة وعند توقفه من العمل طردنا صاحب البيت الذي هو صاحب العمل من البيت فاضطر زوجي بيع الأرض التي ناشدته بالله أن لا يبيعها وأن يتصرف من دون اللجوء إلى بيعها بثمن بخس ...وذهب الحلم وصرنا بلا مأوى ولا مدخول ..ووجدت زوجي مستسلم لا يقوى على فعل أي شيء ، وصار المركب بنهار علينا فانتفضت واستلفت مبلغا من المال وفتحت مدرسة صغيرة كنت مشرفة على إعطاء الدروس في الإعلام الآلي وصيانة الكمبيوتر فكان العمل يتقدم وينشط بنجاح .كما قدمت ملفا لطلب بيت عن طريق الإيجار واستلفت أيضا مبلغا من أهلي لتقديمه فقوبل طلبي بالوجوب وفتح الله علينا باب رحمته الواسعة وصار لدينا بيت بنوافذ وحمام ومطبخ وشرفات الحمد لله ...فانتقلنا إليه ولكن كان علي أن أختار أن أدفع إيجار البيت أو إيجار المحل فاخترت البيت وأهملت المدرسة وما فيها ولكن لم أتوقف عن هذا الحد بل تقدمت إلى بعض المدارس الخصوصية والمراكز بطلب ترشحي كأستاذة إعلام آلي وفعلا صرت أمتهن التدريس للكبار والصغار والرجال وحتى الخواص وكان المدخول ضعيف جدا ولكن الحمد لله يفي الغرض وكل هذا وزوجي في البيت مستسلم لظروفه المادية ينام النهار إلى العصر وستفرج على الشاشة ليلا لا يهمه من أمر الدنيا سوى النوم وإذا استيقظ لا يفلت من ملاحظاتها المقرفة أحد فيحاول أن يحط بمقام ابنه ويقهر ابنته بكثرة الملاحظات التي لا مكان لها وهو بهذا الحال ...وعندما غالبني الأمر وتعبت كثيرا وصرت أعاني من نوبات تشبه الصرع حالة إغماء كلية أأخذ من خلالها إلى المستشفى أمكث يوما ثم أعود تضاعفت حالتي الصحية وطلب مني إجراء فحوصات واتضح أنني مصابة من مرض بالجهة اليسرى وأنه يجب أن أراعي صحتي الاهتمام اللازم....كل هذا وزوجي في البيت ينام إلى العصر وعندما تحدث إليه أن يقوم للبحث عن العمل يقول أنه يحاول ولا يجد ...وجدت له عمل واقترحت عليه الذهاب كموظف فرفض وقال أنه لا يعمل إلى كصاحب مؤسسة وبأجر كبير وإلا لا يعمل ...تدخلت في إيجاد عمل بالمواصفات التي طلبها ...فلما كان اللقاء مع صاحب المؤسسة قال بأنه يشم رائحة الرشوة ولا يحب أن يدخل في الشكوك ....كل حل أضعه أمامه يرفضه يحب النوم وفقط استسلم لكل شيء ...صار لا يحدث أولاده ولا يتابعهم في حياتهم الدراسية صار حتى في رمضان يفطر مع ديار الإحسان مع الفقراء ولا يفطر معنا لأنني أنا من يعمل وليس هو وأشهد الله على أنني لا ولن ولم ألمح مهما بلغ بي الزمن من معاناة أنني أننا من يعيل البيت علنا كنت دوما أقدم الأشياء صورة على أساس أنه هو من أتى بها حتى لا أخدش شعوره ...ولكنه متعصب من كل الأوجه ...وحينما أرادت والدتي منذ سنوات أن ترمم بيتها وتعيد بناؤه من جديد اقترحت عليه العمل عوض أن يأتي مقاول آخر للعمل يكون هو أولى وتكون فرصة له للظهور من جديد على الساحة العملية يتعرف عليه الناس ويعيد هبته من جديد وكان أن وافق ووافقت أمي كذلك من باب إعطائه فرصة العمل والإحساس برجولته في البيت ...وقيم لها العمل كله بمبلغ كبير جدا فلم تتأخر أمي وأعطته المال كله بزيادة معه وجاءت لتمكث معنا بي البيت حتى يكتمل بيتها ....وبعد أسبوع بدأ العمل وبدأ يهد كل شيء في بيتها ليعاوده وهي تحلم بالبيت الجديد الذي من المفروض أن يكتمل في شهر ولكن شهر يمر ويجلب شهرا آخر وآخر وآخر إلى أن بلغ ثلاث سنوات والعمل متوقفا فبعد شهر من الهدم توقف العمل وعاد إلى النوم من جديد أكلنا أموال أمي كنت أرى الخير يدخل الثلاجة ويكتسي أولادي من مالها وكنت أحذره دوما أن يقع في إفلاس إن لم يفكر جيدا ولكنه كان دوما يقول أنا على دراية وأصيبت أمي بنوبات السكر جراء هلعها ولم تتجرأ على محادثه في الأمر حتى لا تجرح مشاعره ....وكنت أنا من يسمع تلميحاتها ومعاتبتها لي ومن فكرتي الخائبة التي أفلسته وسلبت منها مالها ودارها ....وصرت عاقة على كبر سني وعاصية لزوجي عند ربي في آن واحد وأحمل في دماغي قنبلة تتفجر في أي وقت .....ضاقت بي الدنيا من كل أبوابها صرت أسمع تأنيب أمي لي في كل لحظة أراها تبكي بيتها وحاجياتها التي أكلتها الجرذان وأمور أخرى يعجز اللسان عن ذكرها صار البيت مكهرب زوجي في حجرة ينام لوحده ولا يجرأ حتى على النظر إلى وجهي يجتنبني ...صرت لا أقوى على النظر إليه كلما أبصرت أمي تحقن بالأنسولين ....وأولادي كل واحد في حجرته ينتظر إما خروج أبيه أو جدته ....من المنزل لأجل الإحساس بحرية التعبير ...لا أحد يقوى على الكلام إذا اشتكت أمي من زوجي تدافع ابنتي عن والدها تغضب أمي أغضب أنا وأصرخ في وجه ابنتي ...وهي الأمور كذلك حتى صممت على إتمام بيت أمي بمساعدة من زميلة لي في المجال وأنا الآن أشرف على نهاية ما هدمه زوجي ولكن بالمقابل طلبت الطلاق من زوجي لأريح الجميع من رؤيته في ركن القاعة ينام الصبح ويصلي الليل ..عاتبني أولادي على السماح له بالعيش معهم وصاروا يرونه كعاجز لا يقوى على فعل أي شيء....أذلني مع كل الناس استلف مبالغ كبيرة من عند معارف لي من دون إخباري وصرت أحرج عندما لا أجد ما أقول حتى الطبيب النفسي الذي كنت ألجأ إليه في حالة انهياري كان يعرف ظروفي المادية استلف منه فأحرجت ولم أعد أذهب إليه ....صرت لا أتابع جلساتي لدى أخصائي الأعصاب لأجل المال الذي يجب أن أدفعه مستلزمات الأولاد في الدراسة والبيت ومتطلبات الحياة كلها صارت حمل ثقيل علي لا أطيق العيش وسط كل هذا وهو جالس في البيت لا يقوى على شيء ساعة يتهيأ له أن ذراعه توقفت فيقبل على شرب المسكنات وساعة يتقيأ وساعة أخرى رجله ورأسه كل ساعة يدعي فيها بشيء ما يصيبه .....كرهت هذا الضعف وأنا التي عشت أبحث عمن يحميني ويقوي شخصيتي الضعيفة صرت أحمي رجلا ورائي .....لا أريد أن أنهي حياتي مع إنسان مستسلم لا يريد أن يصلح نفسه .....عندما طلبت منه الطلاق ...رغبة مني في أن أضعه أمام مشكل كبير ربما يزحزحه ويعود إلى أمر رشده قابله بالقبول وقال على قول لسانه :" كل ما ترغبين فيه أفعله لأجل لا تصابين بإغماء أو مرض فيبقى الأولاد من دونك يتامى لا يقوى هو على فعل أي شيء لهم " تعبت وأود أن أتفرغ لأجل متابعة أولادي ورعايتهم نفسيا لأنهم منهارين كليا كما أريد أن أنال بركة والدتي ولا أود أن تموت وهي بعيدة عن بيتها فهي لن تسامحني كما قالت ....أود أن تردوا على مشكلتي هذه في أقرب الآجال قراري قد اتخذته ولكن أريد من يكشف عني ما لا أره وشكرا.

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قرأت معاناتك ومأساتك وكم والله تألمت كثيرا وحزنت وتأثرت ....
وأنت والله في كبد وجهاد عظيم وسعي مبارك وعمل مبرور.
لقد ابتلاك الله لحكمة بليغة يعلمها هو وقد تجهلينها.
ابتلاك ليرفع قدرك ويمح سيئاتك ويكفر خطاياك ويدخلك الجنة. كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
سؤال كبير مهم لك جدا: لماذا خلقك الله ولماذا كلفك الله بالعبادة.
أليس ليرضى عنك ويدخلك الجنة.
إذن الجنة هي الغاية العظمى والهدف الرئيس من سعيك ونصبك في هذه الدنيا.
إذن رضا الله ومحبته هي ثمرة عطائك وصبرك ومصابرتك.
مادام هذا هو الهدف وهذه هي الثمرة فاعلمي أن الله هيأ لك سبب ذلك ويسره لك وأشغلك به.
امتحنك بهذه المصيبة وابتلاك بهذا البلاء ليفتح لك بابا من الجنة.
اعلمي أنه لكل مخلوق باب من العبادة وعمل من الأعمال سخر له ليوصله إلى الجنة
وأنت عملك وعبادتك هي الصبر على كسل الزوج والفقر وكثرة الدين وجفاء الأم ومطالبة الأقارب والمعارف وصبرك على المرض والضراء.
لقد أبليت بلاء حسنا فيما مضى فاحتسبي الثواب والأجر فيما يأتي من الرحمن الذي يعطي عطاء واسعا في الآخرة.
وحذار حذار أن تشكي لمخلوق وتظهري الجزع له فلا حيلة لمخلوق فيما أنت فيه ولا يستطيع أحد أن يرفع البلاء عنك إلا بإذن الله وتوفيقه.
وحذار أن تظهري السخط والتبرم على قضاء الله وقدره فيحبط عملك وتخسري جهادك وتنقضي إيمانك.
واصلي عطاءك وتضحيتك وبذلك ولا تملي ولا تكلي عن المواصلة في البر.
استهدي بنور الله واستعيني به واطلبي التسديد والتوفيق والهداية في عملك.
تذكري أن نعيم الدنيا زائل ونعيم الآخرة باق؟ كما قال ربك: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
تذكري أن من الزوجات من تملك المال الكثير واليسار والغنى ولكنها تفقد نعمة الإيمان والصحة والعافية فالله يعطي ويمنع وله الحكمة في ذلك فتناسي ما فقدتيه في ذكر وتعداد ما ملكتيه من المنح والنعم.
أما زوجك فيحق لك طلب الطلاق لإعساره عن النفقة وعدم النفقة على الزوجة ليس من الإمساك بالمعروف وقضى الخليفة عمر رضي الله عنه بطلاق الزوج الذي لا ينفق على امرأته وروي في الدارقطني: (إذا أعسر ‏الرجل بنفقة امرأته يفرق بينهما). فلا حرج عليك شرعا في طلب الطلاق منه. ولكني أنصحك بعدم طلب الطلاق منه لأن صبرك عليه من عمل أهل الجنة وعمل الصالحات من نساء الصحابة وقد كانت زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما تنفق على زوجها وعلى أيتام في حجرها ثم سألت فأذن أن تنفق عليهم من الصدقة كما في الصحيحين. ولأن بقائك تحت عصمته فيه جمع لشتات الأسرة وحفاظ على الصغار ومراعاة لحياتهم النفسية الكريمة. فلا أنصحك للسعي في الطلاق منه إلا إذا كان يلحق بك أذى في دينك أو في نفسك وصحتك أذى عظيما لا تطيقينه أو يترتب في بقائه معك مفسدة ظاهرة ترجح على مصلحة الاجتماع فتريثي وفكري كثيرا وشاوري في اتخاذ هذا القرار المصيري حتى تكوني على بصيرة ولا تشعري بالندم.
أما أمك فاصبري عليها وأقنعيها بأن هذا قدر كتبه الله عليكم لا مفر لكم منه فلا تنفع الشكوى وكثرة الملامة ولاطفيها وتحملي ما يصدر عنها ولا تلومي نفسك لأنك لست السبب في ضياع مالها ولم ترضي بذلك.
وفي الختام أسأل الله أن يفرج همك وينفس كربك ويصلح حالك وأوصيك بالمواصلة في العطاء والصبر حتى تلقي ربك وهو راض عنك وتكوني من أهل الجنة.

خالد بن سعود البليهد
binbulihed@gmail.com
1433/2/5