عندما يُراد معرفة شخص ما .. فإنه يُسأل عن :
عملـه !
أو عن مالِـه !
أو عن وضعه الاجتماعي !
أو عن قبيلته وعشيرته !
وهذه الموازين لم يحفل بها الإسلام ، ولم يولِها عناية كما يوليها الناس
اليوم .
فـ " كم من أشعث أغبر ذي طمرين . لا يؤبه له . لو أقسم على الله لأبرّه "
و " رب أشعث مدفوع بالأبواب . لو أقسم على الله لأبرّه "
ثيابه بالية ... غير ذي شأن ... لا يؤذن له . بل يحجب ويُطرد لحقارته عند
الناس .
ولكنه عند الله ليس بمحتقر .
بل هو عند الله عظيم .
يُساوي الآلاف ممن أُوتي الدنيا !
مـرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ما تقولون في هذا ؟
قالوا : حريٌّ إن خَطَب أن يُنكح ، وإن شَفَع أن يُشفع ، وإن قال أن يُستمع .
قال : ثم سكت .
فمـرّ رجل من فقراء المسلمين . فقال : ما تقولون في هذا ؟
قالوا : حَريٌّ إن خطب أن لا يُنكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا
يستمع .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا . رواه
البخاري .
هذا في المقاييس الشرعية
أما في مقاييس الناس فبحسب ما يملك ... وبقدر ما يرفعه الدينار والدرهم !
أو بِمَا له من مكانةٍ ومنصب !
وما هذه – بموازين الشرع – إلا أقل من بعض جناح بعوضة !
وليست بِعلامة على رضا الله عن العبد ؛ لأن الله يُعطي الدنيا من يُحبّ ومن
لا يُحب لهوانها عنده .
وما هذه الأشياء بدليل كرامة العبد على ربِّـه .
وإلا لما اختار نبي الله – صلى الله عليه وسلم – أن يكون عبداً رسولا .
ولقد مات مصعب بن عمير ولم يترك إلا ثوباً ، كانوا إذا غطوا به رأسه خرجت
رجلاه ، وإذا غُطي بها رجلاه خرج رأسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
غطوا رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر .
لقد كان كريماً مُكرّماً عند الله ، ولكن المظاهر لا تُسمن ولا تُغني من جوع
!
وهذا سيّد من سادات التابعين ... يُخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
أوانه .
بل ويوصي فاروق الأمة بأن يطلب منه الدعاء !
فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمدادُ أهل اليمن سألهم :
أفيكم أويسُ بن عامر ؟
حتى أتى على أويس . فقال : أنت أويسُ بن عامر ؟
قال : نعم .
قال : من مراد ، ثم من قَرَن ؟
قال : نعم .
قال : فكان بك برص ، فَبَرأت منه إلا موضع درهم ؟
قال : نعم .
قال : لك والدة .
قال : نعم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم أويس
بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلا
موضع درهم ، له والدةٌ هو بـها برٌّ . لو أقسم على الله لأبرَّه ، فإن استطعت
أن يستغفر لك فافعل . فاستَغفِرْ لي . فاستغفر له .
فقال له عمر : أين تريد ؟
قال : الكوفة .
قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟
قال : أكون في غبراء الناس أحبُّ إليّ !
قال : فلما كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم فوافق عمر ، فسأله عن
أويس .
قال : تركته رثَّ البيت ، قليل المتاع .
قال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر
مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبَرأ منه إلا موضعَ درهم
، له والدةٌ هو بـها بـرٌّ ، لو أقسم على الله لأبره ، فإن استطعت أن يستغفر
لك فافعل .
فأتى أويسا فقال : استغفر لي .
قال أنت أحدث عهدا بسفر صالح ، فاستغفر لي .
قال : استغفر لي .
قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح ، فاستغفر لي .
قال : لقيتَ عمر ؟
قال : نعم .
فاستغفر لـه ، ففطن لـه الناس ، فانطلق على وجهه . رواه مسلم .
هذه صفته : رثَّ البيت ، قليل المتاع !
وما ضـرّه ذلك .
أليس الإمام الفـذ ، والعالم النحرير ، والرجل الشريف جبل العِلم محمد بن
إدريس . الإمام الشافعي هو الذي يقول :
عليّ ثـيابٌ لـو تُـباع جميعهـا *** بفلس لكان الفلـس منهن أكـثرا
وما ضرّ نصل السيف إخلاق غِمده *** إذا كان عضباً حيث وجّهته بَرَى
فـإن تكـن الأيام أزرت ببـزّتي *** فكم من حسام في غلاف تكسّـرا
وما ضـرّه ذلك .
بل هو حيٌّ يعيش بيننا
وهو القائل :
كم مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ !
وهو من الصنف الثاني :
الناسُ صنفان : موتى في حياتهمُ *** وآخرون ببطن الأرض أحياء
فليست قيمة الإنسان بما يلبس من ثياب ، ولا بما يركب من مراكب ، ولا بما
يتبوأ من مناصب .
وقد دخل رجل على الرشيد فازدراه الرشيد ، فأنشده :
ترى الرجل الخفيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور
ويعجبك الطرير فتبتليه فيخلف ظنك الرجل الطرير
لقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير
يصرفه الصبي بغير وجه ويحبسه على الخسف الجرير
وتضربه الوليدة بالهراوي فلا عار عليه ولا نكير
فإن أكُ في شراركمو قليلا فإني في خياركمو كثير
أيها الكرام :
لقد أدركت من أدركت من علمائنا وليس
لهم قصور فاخرة ... ولا سيارات فارهة ، بل – والله – إن بعضهم لو جُمعت
ملابسه وبيعت في السوق لربما ما وجدت من يشتريها ! لزهادتها .
وما ضـرّهم ذلك .
بقي ذِكرهم ... وعِلمهم ... وطلابهم بلغوا الآفاق .
وهذا الذي ينفع عند الله .
كم تأخذ عقولنا - قبل أبصارنا - المظاهر الجوفاء ، فنحتقر بسببها – أحياناً –
بعض عباد الله .
إما لجنس أو لِلون أو لجنسية أو لانتماء إلى بلد ونحو ذلك .
وربما كان ذلك المحتقر في أعيننا يساوي ملء الأرض من مثلنا
ربما كان عاملاً فقيرا
أو خادمة ذليلة
أو ...
ولكنه عند الله عظيم القَـدْر ، رفيع الشأن .
فكم هي الموازين التي بحاجة إلى تعديل
وكم هي الأمور التي بحاجة إلى ضوابط شرعية لا ضوابط أرضية
جال هذا في خاطري وأنا أرى رجلاً قوي الساعد مفتول العضلات يُهدد عاملاً
يفترش الأرض ويبيع السِّواك ، ويقول له : إن لم تقُم عن هذا المكان ركلتك
وبضاعتك !!!
ماذا لو كان هذا البائع خليجياً ؟؟؟!!!
لا شك أن النظرة سوف تختلف !!!
أليس كذلك ؟؟؟
بـلـى !!!
وأستودعكم الله .