وصفه
ربُّـه
بذلك
فقال : (
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ
أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
)
هذا من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن .
(
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
) يشق عليه ما يشقّ عليكم ، وما يُسبب
لكم العَـنت ، وهو الحرج والمشقـّـة .
(
حَرِيصٌ عَلَيْكُم
)
وسبب ذلك الحرص رحمته بالمؤمنين ورأفته بهم .
وقد جاء في وصفه صلى الله عليه وسلم :
(
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ
)
ولعلي أستعرض شيئا من حرصه عليه الصلاة والسلام على أمته .
فمن صور حرصه صلى الله عليه وسلم :
حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته يوم
القيامة :
قال عليه الصلاة والسلام : إذا كان
يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض – ثم ذكر مجيئهم إلى الأنبياء – فقال :
فيأتونني فأقول أنا لها ، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها
لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ارفع
رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول : يا رب أمتي أمتي ... الحديث .
رواه البخاري ومسلم .
ودعوى الأنبياء يومئذٍ : اللهم سلـّـم سلـّـم .
قال أبو عبدالرحمن السلمي – في قوله تعالى (
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ
أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )
قال – رحمه الله – :
انظر هل وصف الله عز وجل أحدا من عباده بهذا الوصف من الشفقة والرحمة التي
وصف بها حبيبه صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تراه في القيامة إذا اشتغل الناس
بأنفسهم كيف يدع نفسه ويقول : أمتي أمتي . يرجع إلى الشفقة عليهم . اهـ .
حرصه على هداية أمته :
قال عليه الصلاة والسلام لما تلا قول الله عز وجل في إبراهيم (
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا
مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي
) وقول عيسى عليه السلام (
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
) فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب
إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم ،
فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله :
يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك . رواه مسلم .
حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية
الناس أجمع :
كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله
عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه ، فقال
له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من
النار . رواه البخاري .
مع أنه غلام يهودي ، ولم يعد خادما للنبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه الحرص
على هداية الخلق .
حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم المشقـّة
عليهم في التكاليف :
في الصلاة :
لما فـُرضت الصلاة على أمته خمسين
صلاة ، استشار موسى عليه الصلاة والسلام ، فقال موسى : ارجع إلى ربك فاسأله
التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم .
فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يُراجع ربّه حتى خفف الله عن هذه الأمة
فصارت خمس صلوات .
ولما أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام
أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي . رواه مسلم
ولما صلى في رمضان ، وصلى رجال بصلاته ، ترك القيام في الليلة الثالثة أو
الرابعة ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف
علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها . متفق عليه .
في الحج :
لما قال عليه الصلاة والسلام : أيها
الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟
فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قلت نعم لوجبت
، ولما استطعتم ثم قال : ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة
سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا
نهيتكم عن شيء فدعوه . رواه مسلم .
في السنن :
لولا أن أشق على أمتي أو على الناس
لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة .
وفي رواية : لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة .
رواه البخاري ومسلم .
شفقته بنساء
أمته :
قال عليه الصلاة والسلام : إني لأقوم
إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي ، فأتجوّز في صلاتي
كراهية أن أشق على أمـِّـه . رواه البخاري .
حرصه على مراعاة نفسيات أصحابه :
قال عليه الصلاة والسلام : لولا أن
أشق على المؤمنين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله ، ولكن لا أجد سعة
فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي . رواه
البخاري ومسلم .
حرصه صلى الله عليه وسلم على شباب
أمته :
حدّث مالك بن الحويرث رضي الله عنه
فقال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون ، فأقمنا عنده
عشرين ليلة ، - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا - فظن أنا قد
اشتقنا أهلنا ، فسألنا عن من تركنا من أهلنا ، فأخبرناه ، فقال : ارجعوا إلى
أهليكم ، فأقيموا فيهم ، وعلموهم ، ومروهم . متفق عليه .
فاللهم صلِّ وسلّم وزد وأنعم على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم .
اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبيّـاً عن أمته .
اللهم احشرنا في زمرته ، وأوردنا حوضه ، واسقنا من يده الشريفة .