وصايا للخطيب (13) : الصبر

د.أمير بن محمد المدري

بسم الله الرحمن الرحيم

الوقوف مع الصبر والكلام عنه يطول جداً كما قال الإمام أحمد-رحمه لله - : «إن الله ما عظَّم شيئاً في كتابه كما عظَّم الصبر، فقد ذكره في أكثر من تسعين موضعا».
فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
فلا يتم للإنسان حقيقة اليقين والإيمان إلا بالصبر، هذا في حق كل مسلم، وفي حق كل مؤمن، ولكن عندما نتحدث عن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يكون الكلام أخص من ذلك، وتكون الحاجة إلى الصبر أعظم من ذلك.
«وإذا كان الصبر ضرورياً لأي إنسان، لا سيما للمسلم، فإن الصبر للداعي المسلم أشد ضرورة له من غيره، لأنه يعمل في ميدانين ميدان نفسه، يجاهدها ويحملها على الطاعة ويمنعها من المعصية وميدان خارج نفسه، وهو ميدان الدعوة إلى الله، ومخاطبة الناس في موضوعها، فيحتاج إلى قدر كبير من الصبر في المجالين. مجال النفس ومجال الدعوة، حتى يستطيع تجاوز العقبات وتحمل الأذى، فان فقد الصبر قعد أو انسحب من الميدان وحق عليه الحساب وفاته الثواب»[«أصول الدعوة» أخلاق الداعي (ص 258)] .
والناس أصحاب أمزجة شتى وعيوب شتى وطباع شتى وحاجات ومصالح شتى. . والناس مشاكلهم كثيرة وهمومهم كبيرة يحتاجون إلى من يتسع لهم. .
والهداية لا يمكن أن تأخذ طريقها إلى نفوس الناس وقلوبهم دفعة واحدة ولا بد لذلك من زمن ومتابعة وجهود تبذل لتؤتى أكلها بإذن ربها. . وهذا يحتاج كذلك إلى صبر. ولذلك قال الله تعالى لنبيه –صلى الله عليه وسلم-: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60].
وقال جل شأنه: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ﴾ [المزمل: 10].
فالعجلة في قطف ثمار الدعوة ونتائجها لا تتناسب مع الصبر الذي يجب أن يتحلى به الداعية.

وصايا للخطيب (14) : السحر العجيب