صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خُطْبَةُ التَّقْوَى ([1])

 

محمد بن ابراهيم بن سعود السبر

  

الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، لَمْ يَزِلْ بِنُعُوتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَاَلِ مُتَصِفًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ أَهَّلُ الْحَمْدِ وَالوَفَا، وَأَشْهَدُ أَلَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مُقِراً بِهِ وَمُعْتَرِفاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَزَكَّى الْأُمَّةِ فَضْلًا وَأعْلَاَهَا شَرَفاً، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ الْأَطْهَارِ الْحُنَفَاءِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاِقْتَفَى.

أمَّا بَعْدُ: فَأَوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَهِيَ وَصِيَّتةُ للأولينَ وَالآخِرينَ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

التَّقْوَى خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ الْمُعَادِ، وَنَجَاةٌ يَوْمَ يَقُومُ الْأشْهَادُ ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

وَتَوَاصَوْا -رَحِمَكُمِ اللهُ- مِنَ التَّقْوَى، فَهِي خَيْرُ وَصِيَّةٍ، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَتَوَاصَوْنَ بِهَا، كَتَبَ عُمَرُ بْن عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ عِزَّ وَجَلَّ، الَّتِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا، وَلَا يَرْحَمُ إِلَّا أَهَّلَهَا، وَلَا يُثِيبُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ وَالْعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ، جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنَ المتقين.

التَّقْوَى أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ كَنْزٌ عَظِيمٌ، وَجَوْهَرٌ عَزِيزٌ، خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَجْمُوعٌ فِيهَا ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، وَالْقَبُولُ مُعَلِّقٌ بِهَا: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، وَالْغُفْرَانُ وَالثَّوَابُ مَوْعُودٌ عَلَيْهَا :﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾، وَأَهَّلُهَا هُمِ الأعْلونَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأوْلَى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

التَّقْوَى كَمَا يَقولُ عَليٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: هِيَ الْخَوْفُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَالْعَمَلُ بِالتنزيلِ، وَالْقَنَاعَةُ بِالْقَلِيلِ، وَالْاِسْتِعْدَادُ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ.

التَّقْوَى أَنْ يجعلَ العبدُ بينهُ وَبَيْنَ عَذَابِ اللهِ وِقَايَةً، قَالَ اِتَّقَوْا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ

التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ رَجَاءَ رَحْمَةِ اللهِ، وَأَنْ تَتَرُكُّ مَعَصِيةَ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ مَخَافَةَ عَذَابِ اللهِ.

أَهَّلَ التَّقْوَى هُمْ أهْلُ الْوَفَاءِ وَالْإِخْلَاَصِ، الَّذِينَ يُوفُونَ مَعَ اللهِ الْمَوَاثِيقَ، وَيُخَلِّصُونَ لَهُ فِي يَقِينٍ وَتَصْدِيقٍ، فِيَا وَيْحَ الْغَافِلِينَ، خَفَّ زَادُهُمْ، وَقْلَ مَزَادِهِمْ؛ فَطَالَ عَلَيْهُمِ الْأَمَدُ، وَضَلُّوا السَّبِيلَ، وَحَارَ فِيهُمِ الدَّليلُ، قِصَرُ أَجَلٍ مَعَ طُولِ أَمَلٍ وَتَقْصيرٌ فِي عَمَلِ؛ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةٌ إِلَّا بالله الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ.

الْعِزُّ وَالشَّرَفُ فِي التَّقْوَى، وَالسَّعَادَةَ وَالْعُلَا عِنْدَ أهْلِ التَّقْوَى، والمتقونَ تَقَرُّ أَعَيْنَهُمْ بِالطَّاعَاتِ فِي الدُّنْيَا، وَبِعُلَا الدَّرَجَاتِ فِي الْأُخْرَى.

وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ*** وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ

وَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْرًا *** وَعِنْدَ اللهِ لِلأَتقَى مَزِيدُ

فَاِتَّقَوْا اللهَ- رَحِمَكُمِ اللهُ- وَبَادَرُوا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَعَجِّلُوا التَّوْبَةَ ؛ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً، وَالْقَبْرُ صُنْدُوقُ الْعَمَلِ، فَكَيْفَ يَرْجُو حَسَنُ الْجَزَاءِ مَنْ فَرْطٍ فِي الْعَمَلِ، وَمَتَى يُبَادِرُ بِالتَّوْبَةِ مَنْ سَوْفَ فِي طُولِ الْأَمَلِ، فَاتَّقُوْا اللهَ وَقِفُوا وُقُوفَ الْمُنْكَسِرِينَ، وَتَبْتَلُوا تَبْتَلَّ الْعَابِدَيْنِ، وَاُسْكُبُوا دُموعَ الْخَائِفِينَ:﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

اللَّهُمُّ اكْتُبْنَا فِي دِيوَانِ السُّعَدَاءِ، وَأَعَذْنَا مِنْ حَالِ أهْلِ الشَّقَاءِ، وَاِجْعَلْ جَزَاءَنَا مَوْفُورًا، وَسَعَيْنَا مَشْكُورًا، وَذَنْبُنَا مَغْفُوراً..

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحمْدُ للَّهِ وَكَفَى، وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الذينَ اصْطَفى، وَبَعْدُ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ - رَحِمَكُمِ اللهُ- وَارْجُوَا رَحْمَتَهُ وَاِخْشَوْا عَذَابَهُ، فَلَمْ يَقْدُرِ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ فَعَصَاَهُ، وَقَدِ اِجْتَرَأَ عَلَى مَحَارِمِهِ فَاِرْتَكَبَهَا، وَفَرَّطَ فِي حُقوقِهِ فَضِيَعِهَا، وَآثَرَ هَوَاُهُ وَدُنْيَاُهُ عَلَى طَلَبَ رِضَا مَوْلَاِهِ!

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فِي كِتَابِهِ المُبينِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ.

الَّلهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلِمينَ، وَاجْعلْ هَذَا البلدَ آمنًا مُطمَئنًّا وَسَائرَ بِلادِ المُسْلِمينَ.

الَّلهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الحَرَمينِ الشَرِيفَينِ، وَولِيَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ.

عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.


 

([1]) للشيخ محمد السبر https://t.me/alsaberm

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • خطب دعوية
  • مقالات دعوية
  • تحقيقات وحوارات صحفية
  • الصفحة الرئيسية