الكرزمة والهجوري

محمد المهنا
@almohannam

 
قضيتُ مع كتاب "لحن القول" في اللغة للعلامة الدكتور عبدالعزيز الحربي أستاذ التفسير بجامعة أم القرى "حفظه الله" وقتاً ماتعاً مليئاً بالفوائد التأصيلية والتفصيلية، وخلصتُ "فيما خلصتُ إليه" إلى أن الكتاب ومؤلفه لم يأخذا موضعهما الصحيح من الانتشار والاشتهار، ولم أعْزُ ذلك إلا إلى محض تقدير العزيز العليم فحسب، وإلا فلو كانت شهرة الكتب بجودتها لظننتُ هذا الكتاب يُذكر على كل لسان

ولا عيب في الكتاب -فيما أحسب- إلا أن قارئه لاينفك عن تركه كل حين لصيدِ شاردةٍ وتقييدِ فائدةٍ، وتفكُّرٍ في حسن بيانٍ وبراعةِ لفظٍ وجمالِ عبارةٍ

وقد اخترت لأحبتي فصلاً عَقَدَهُ المؤلف ليس أمثل الفصول، وإنما هو حبةٌ من حبات ذلك العقد الفريد الذي ضم الحسن المفيد وجمع الأصالة الى التجديد،

فدونكم منه هذه الفائدة:

الكرزمة والهجوري

اشتهر على الألسنة تسمية الأكلة التي تكون بعد الظهر "الغداء" وليس كذلك، بل الغداء طعام الغدوّ، وهو الصباح

وفي صحيح البخاري أن أبا موسى الأشعري تغدى دجاجاً، وفي القوم رجلٌ جالس عندَه، فدعاه إلى الغداء

وورد في الحديث: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في السحور: (هلمّوا إلى الغداء المبارك) ورد ذلك في أحاديث كثيرة، وفي سنن أبي داود: باب من سمى السحور الغداء

وطعام الغداء في أوّل النهار في مقابل العشاءِ في آخر النهار، وهما أكلتان رئيستان لدى العرب، يقال في تصريفها: تغدّى وتعشّى ورجل غدْيان وعشْيان، وغدّيتة وعشّيتة

وأما الفطور "بفتح الفاء" فهو للصائم في أيِّ وقتٍ، سواءً كان صوماً شرعياً أم غير شرعيٍّ، وإطلاقُ الفطور على طعام أول النهار خطأ، إنما هو الغداء، وقال سبحانه مخبراً عن موسى في قصته مع الخضر ﴿ءَاتِنَا غَدَآءنَا﴾

وقد نبّه العلامة المعاصر الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي المتوفى عام ١٤٠٧هـ رحمه الله في كتابه "تقويم اللسانين" على هذه المسألة بتفصيل آخر، وقد أحسن فيما قال، ألا أنه لم يُصِب في قوله: (العرب لم يكونوا يأكلون في وقت الظهر، وليس في لغتهم اسم لطعام يؤكل وقت الظهر) والصواب أنهم كانوا يأكلون فيه أكلاً خفيفاً، ويسمون الطعام في ذلك الوقت وهو نصف النهار يسمونه "الهجوري" ويسمونه "الكرزمة" أيضاً

كتاب لحن القول ص 168

* فائدة زائدة:
كبار السن عندنا "في نجد" يسمون أكل التمر بعد الظهر: يسمونه الهَجور