اطبع هذه الصفحة


توجيهات رمضانية (1)

كيف نستقبل شهر رمضان

خالد بن علي الجريش

 
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد
إن بلوغك شهر رمضان نعمة عظيمة منّ الله بها عليك فاقدر لهذه النعمة مقدارها واحرص على السعي إلى استثمارها فقد جاء الشهر ليقول للناس (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وجاء ليقول لنا: اغسلوا أدران الذنوب بماء التوبة والاستغفار، فهو شهر تكثُر فيه المغفرة والرحمة والعتق من النار، حيث يُقبل المسلم على ربه فيه أكثر من غيره من الشهور، ولعل من أسباب ذلك تصفيد الشياطين وفتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النار، فهذه لا شك أنها مُعينة على ذلك، وحول الاستعداد والاستثمار لهذا الشهر المبارك فهذه خمس عشرة وقفة لعلها أن تكون زادا لنا جميعا وهي على النحو التالي:

الوقفة الأولى:
اجلس مع نفسك جلسة متأنّية ومعك ورقتك وقلمك لتكتب أهدافك التي ستنجزها في هذا الموسم العظيم، أرأيت عندما تريد بناء معلم من المعالم، كيف تُخاطب المهندسين والحاذقين، وكيف يجتهد هؤلاء في التخطيط والتنفيذ، فوالله إن هذا الشهر المبارك أولى بالتخطيط والاستثمار، فاكتب أهدافك ووسائل التنفيذ هذه الأهداف واستشر من تراه مناسبًا لعلك تحضى بالتحقيق والنجاح.

الوقفة الثانية:
حدّث دائمًا أن هذا الشهر سلوة للنفوس وأنس للقلوب وبلسم الهموم ومفتاح للطاعة ومغلاق للشر، حتى تتهيأ نفسك وتنشرح لاستثمار هذا الشهر المبارك، فالأحاسيس الإيجابية لها أثر على عمل الجوارح.

الوقفة الثالثة:
تعرّف على أحكامه وحِكمه من خلال ما سطّره أهل العلم حتى تكون عبادتك على الوجه الصحيح، وحاول تقييد وتحرير الإشكالات الشرعية التي ترد على خاطرك أو تواجهك واسأل عنها أهل العلم، لتجمع بين صحة العمل وطلب العلم.

الوقفة الرابعة:
اعقد مع أولادك مجلساً أو أكثر لبيان أهمية هذا الشهر المبارك وحُثّهم وحفّزهم، فهم ينتظرون منك الكثير واجعل في متناولهم الكتيبات والمطويات التي سطّرها أهل العلم ليطلعوا عليها ويعرفوا شرع الله تعالى في الصيام، بل من المقترح أن يكون لك معهم مجلس في كل يوم من رمضان تعلمًا وتعليما فهم من كسبك وسعيك.

الوقفة الخامسة:
تذكر دائمًا الأجور العظيمة في شهر الصيام كقوله عليه الصلاة والسلام (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
وكقوله عليه الصلاة والسلام (إذا جاء رمضان فُتّحت أبواب الجنة وغُلّقت أبواب النار وصُفّدت الشياطين) رواه البخاري ومسلم.
فهذه وأمثالها تعطيك حافزًا قويًا لاستثمار لحظات هذا الشهر، فكل لحظة منه هي كنز عظيم وكبير.

الوقفة السادسة:
عند بلوغك لهذا الشهر عليك بالإكثار من الحمد والشكر كثيرًا مع استشعار ذلك فهذا يدفعك إلى استثماره ويكون سببًا لمزيد نعمة الله عليك بحيث يفتح عليك أبواب الخير قال الله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم).

الوقفة السابعة:
استقبل هذا الشهر بشراء المأكول والمشروب قبل دخوله ولكن إياك والإسراف، فإنه منقود، قال الله تعالى (ولا تُسرفوا إنه لايحب المسرفين) فإن كثرة المآكل والمشارب ربما أنست وأثقلت عن فعل الطاعات ففوضى الاستهلاك تبرز بوضوح عند بعض الناس في هذا الشهر، في حين أن الفقير قد لا يجد إلا القليل، فهل فكرت في ذلك عند شرائك واقتنائك.

الوقفة الثامنة:
إن تفكيرك في حُسن التصرف في المآكل والمشارب المتبقية من يومك وليلتك هو من الاستعداد الجيد فقد نرى البعض يجمعها مع غيرها من النفايات، وهذا ليس من الشكر والاعتراف بهذه النعمة، ومما يُقترح في ذلك، وضعها في حاويات بلاستيكية والصدقة بها على المحتاجين فهم ينتظرونها، فإنك بذلك تكسب الأجر العظيم، وإن ما لا يصلح للاستهلاك الآدمي فليوضع في مكان يناسبه كالصحاري والبراري لتأكله دواب الأرض وهذا يحتاج إلى توعية وثقافة عامة، فكم نرى في الحاويات مالا يسر في جمع تلك النعم مع غيرها فلنتق الله تعالى فإننا محاسبون عن ذلك.

الوقفة التاسعة:
لا تتصور أنك لن تجد عقبات في شهر رمضان من خلال تصفيد الشياطين، إنك قد تجدها، ولكن اعمل على تذليلها لتكسب الخير من أوسع أبوابه فتصفيد الشياطين لا يعني زوال تلك العقبات فهي موجودة ومتنوعة فاجعل لك وسائل لتفادي تلك العقبات.

الوقفة العاشرة:
اعتبر هذا الشهر المبارك دورة إيمانية وعبادية محاولًا أن تتفوق بنجاح من خلال صيامه وقيامه وسائر العبادات فيه فهو حقًا زمن يسير وينتهي فاستثمره الاستثمار الأمثل.

الوقفة الحادية عشرة:
احرص على اجتناب السلبيات المنتشرة لا تخالطها ولاتقارفها فهي قد تُنقص من صيامك وقيامك، كن حاذقًا في الهروب منها فإن ذلك من الإيمان الراسخ ومن الحكمة والرزانة .

الوقفة الثانية عشرة:
ما يمكن تأجيله من الأعمال فاجعله بعد شهر رمضان لتكون مستثمرًا لهذه الأيام المعدودات حق الاستثمار وهيّئ نفسك ووطّنها على أنك قد تجد شيئًا من التعب من خلال تحصيل الأجور والحسنات، فإن هذا التوطين والتهيئة يُسهّل عليك تلك الطاعات، ويذلل عليك تلك العقبات.

الوقفة الثالثة عشرة:
اقرأ عن سير الصالحين في السابق واللاحق لتعرف أين كان القوم ولتلحق بركابهم ولتعرف كيف كان استعدادهم واستثمارهم، فلعلك تقتبس من آثارهم، فإنهم هم القدوة والأسوة.

الوقفة الرابعة عشرة:
هي موقف حدث مع بعض ضيوف سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله حيث قال له أحد ضيوفه: يا شيخ، أنت رجلٌ كبير في السن وكفيف ولديك أعمال دعوية وعلمية كثيرة ألا تتعب وتسأم وتمل؟ فقال رحمه الله كلمة تكتب بماء الذهب وهي قاعدة في الأعمال الدعوية والتعبدية قال: (إذا كانت الروح تعمل فإن الجوارح لا تكل) ما أجملها وأعظمها من كلمة من هذا الإمام رحمه الله رحمة واسعة، فعلينا أخي الكريم تعويد أنفسنا على أن أرواحنا تعمل في عبادتنا وأعمالنا كلها، لا جوارحنا فقط حتى نتذوق طعم العبادة، فاجعل ذلك منهجًا لك في عبادتك في شهر رمضان وغيره.

الوقفة الخامسة عشرة:
تقابل محمد بن مسلمة وخالد بن صفوان فقال محمد لخالد: صف لي الأحنف بن قيس (وهو أحد التابعين) فقال خالد: إن شئت تحدثت عنه شهرا وإن شئت تحدثت عنه عشرا، وإن شئت حذفت لك حذفا، فقال: احذف لي حذفا، قال: (كان الأحنف أعظم الناس سلطانًا على نفسه)، ما أعظمها من قاعدة أن تجعل لك السلطان على نفسك وليس العكس فإذا ملكت السلطان على النفس سيّرتها حيث تريد أنت، فاحرص على ذلك فهذه خمس عشرة وقفة لعلها ونحوها تكون معينة لنا على الاستعداد لهذا الشهر المبارك لاستثماره فاحرص أخي الكريم وأختي الكريمة على تأملها وأمثالها ووضع البرامج التي فيها شحذ للهمم وأيضًا دلالة الآخرين على ذلك فالدال على الخير كفاعله وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وإلى حلقة أخرى، أسأل الله تبارك وتعالى لنا جميعًا حُسن الاستعداد وحسن الاستثمار والقبول والسداد والهدى والتقى وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 

خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية