اطبع هذه الصفحة


سلسلة التقارير الدعوية عن الدول الإفريقية (4)

أنغولا وواقع الإسلام فيها كما رأيت
 

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فاستكمالا للسلسلة المباركة من التقارير الدعوية عن البلدان الإفريقية، والتي سبقت منها أربع تقارير منها تقرير عن كل من: راوندا، وناميبيا، وجنوب أفريقيا، وكانت هذه التقارير شبه ميدانية لأن الجانب الدعوي فيها نقل لمشاهدتي خلال زياراتي لهذه الدول.

والهدف من هذه التقارير المشاركة في القيام بـواجب الدعوة إلى الله تعالى ونـشر الإسلام والخير والهدى الذي بعث الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، واستشعارًا لحاجة الأقليات الإسلامية عموما وفي أفريقيا على وجه الخصوص ـ إلى الدعم المادي والمعنوي، وإلى العناية والاهتمام بهم علميا ودعويا، ولأعطي من خلالها تصورا واضحا عن بلدان هذه الأقليات، وعن الاحتياجات الدعوية لها، مما يسهل طريق الدعوة فيها، ويمهد سبيل دعمها ليتنامى فيها المسلمون مع البصيرة في دينهم، والاستيعاب لقيم الإسلام ومبادئه السمحة التي تتقبلها الفطر السليمة.

وهذا التقرير عن جمهورية أنغولا، يسلط الضوء عن الأقلية الإسلامية فيها، وعن المناشط الدعوية فيها، وعن وضع الدعوة الإسلامية في هذه الدولة بصفة عامة.

الموقع الجعرافي والمناخ:

«أنغولا» -أو جمهورية أنغولا- وعاصمتها «لواندة». تقع في جنوب غرب القارة الإفريقية على الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلسي.

ويحدها من الشمال الشرقي: جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن الـشرق: زامبيا، ومن الجنوب: ناميبيا، كما أنَّ لها حدودًا مع جيب «كابيندة» الذي يحاول الانفصال عن جمهورية «الكونغو».

وتبلغ مساحة «أنغولا» قرابة المليون وربع المليون (1.25 مليون) كيلومتر مربع، وبالتحديد (1.246.700 كيلومتر)؛ ما يجعلها إحدى أوسع دول القارة الإفريقية مساحة.

ويسود «أنغولا» مناخٌ شبه قاحل، وبخاصة في جنوب البلاد وعلى ساحل المحيط، ثم يصير باردًا في الشمال، وتهطل الأمطار عليها خلال موسمٍ يمتدُّ من تشرين الثاني إلى نيسان من كل عام.

النظام السياسي:

نظامها السياسي جمهوري، ولغتها الرسمية البرتغالية؛ كإرث استعماري نتج عن أكثر من 400 عام من سيطرة البرتغال عليها، إلى جانب البانتو، ولغات إفريقية غيرها، وعملتها: «الكوانزة».

السكان:

على الرغم من سعة مساحة «أنغولا» فقد قدر عدد سكانها بنحو خمسة وثلاثين (35) مليون نسمة هذا العام 2024م، وكان قدِّر بقرابة التسعة عـشر مليون (19.088.106) نسمة، بحسب تقديرات تموز من العام 2014م، وتصل نسبة النمو السكاني إلى (2.78%).

والأنغوليون يتألفون من مجموعات عرقية متنوعة، تتوزَّع بنسبة (37%) أوفمبوندو، و(25%) كمبوندو، و(13%) باكونغو، و(1 إلى 2%) قاطنون أوروبيين من بقايا الاستعمار، و(22%) آخرون.

الديانات:

أما أهم الديانات في «أنغولا» فنسبة (47%) معتقدات إفريقية محلية، و(38%) كاثوليك، و(15%) بروتستانت.

وتعد الثقافة في «أنغولا» انعكاسًا للتنوعين العرقي واللغوي في البلاد، وتحتل موسيقى الكودورو والسامبا مكانًا متقدِّما في المجتمع الأنغولي، وبها تأثر بعادات برتغالية تسربت طوال فترة الاستعمار، إلى جانب تقاليد إفريقية باقية إلى اليوم.

الموارد الاقتصادية:

تعد «أنغولا» واحدةً من أكبر الدول الإفريقية مساحةً، وأغناها من حيث الموارد الطبيعية والإنتاج الزراعي؛ فيتوفر في «أنغولا» كثيرٌ من الموارد الطبيعية؛ كمواد النفط، والألماس، والحديد، والفوسفات، والنحاس، والذهب، واليورانيوم، وغيرها من المعادن.

كما يكثر فيها من المواد الزراعية: الموز، وقصب السكر، والبن، والذرة، والقطن، والتبغ.

وبرغم التحديات الكثيرة التي عصفت بالبلاد؛ فقد نجحت في استعادة الاستقرار، وبدأت تعمل على التنمية الاقتصادية المستدامة، ويعتمد اقتصادها على إنتاج وتصدير النفط؛ فيمثل وحده ما نسبته (90%) من صادرات البلاد، ونحوًا من (70%) من الإيرادات. والبلاد غنية -كما سبق وأشرنا- بالألماس ومعدن النحاس وخام الحديد.

وبرغم هذا الغنى والتنوع الاقتصادي، وبرغم كبر مساحة البلاد إلى جانب قلة السكان قياسًا على تلك المساحة- فإن الفقر والبطالة هما أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد أنغولا.

ويمثل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نحوًا من (124) مليار دولار، والدخل الفردي السنوي نحو (6300) دولار، بنسبة نمو: (5.6%).

وتصل نسبة التضخم إلى (8.9%)، ونسبة البطالة إلى (6.8%)، ويصل الدين الخارجي إلى (22.71) مليار دولار.

ومع ذلك فقد بدأت أنغولا، فور انتهاء الحرب الأهلية، في استعادة البنية التحتية المدمرة، وعملت الحكومة على تحسين شبكات الطرق، والمرافئ، والمطارات، وقد نال التركيز على التنمية الريفية نصيبًا من الجهود.. تمثلت في مجالي التعليم والصحة، ولا يزال مطلوبًا كثير من العمل لتحسين جودة حياة المجتمع الأنغولي.

الاستعمار البرتغالي لأنغولا:

تتمتع «أنغولا» بتاريخ حافل من النضال ضد الاستعمار، فقد رزحت البلاد تحت نير الاستعمار البرتغالي منذ القرن السادس عشر الميلادي حتى حصلت على استقلالها فقط في عام 1975م، وبالتحديد يوم الحادي عشر (11) من تشـرين الثاني منه، وبعد معاناة وحروب تحرير طويلة، أثرت كثيرًا على تطور البلاد من النواحي السياسية والاقتصادية، وكذلك على نمو السكان.

وكانت «أنغولا» قد منيت بالحرب الأهلية إثر الاستقلال عن البرتغال.. تلك التي نشبت بين حركة التحرير الشعبية لأنغولا المعروفة اختصارا بـ(MPLA) من جهةٍ، والاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا (يونيتا) من جهةٍ أخرى. وقد استمرت تلك الحرب سبعة وعشرين عامًا أي حتى عام 2002م. وكانت أثرت -بدورها- على البنية التحتية وعلى اقتصاد البلاد، كما أدت إلى خسائر بشرية كبيرة وقتل فيها خلقٌ كثير.

وكان حزب الحركة الشعبية لتحرير أنقولا (MPLA) قد تسلم حكم البلاد، وصارت جمهورية، بنظامٍ رئاسي يتمتع فيه الرئيس بسلطات واسعة، ويهيمن الرئيس الحالي «جواو لورينسو» على هذا المنصب منذ العام 2017م، وقد ركز بدوره على مكافحة الفساد، وعلى الإصلاح الاقتصادي المتعثِّر في البلاد.

وصول الإسلام إلى أنغولا:

يعتبر الإسلام إحدى الديانات الرئيسة في العالم، وله في إفريقيا وضع خاص قديمًا وحديثًا؛ فهو -بفضل الله- ينتشر عالميًّا وفي إفريقيا خاصة، وباعتبار «أنغولا» دولة إفريقية فالإسلام ينتشر فيها، برغم أن المسيحية هي الدين السائد، كأحد أخطر ما تركه الاستعمار البرتغالي من آثار على البلاد.

ووفقًا للتقديرات يشكل المسلمون في «أنغولا» أقلية صغيرة، وتُقدَّر نسبتهم فيها بحوالي (2%) من السكان.

وبدأ الإسلام يجد طريقه إلى «أنغولا» من خلال الهجرة والتجارة، وبرغم أنه يجد في طريقه بعض التحديات والصعوبات إلا أنه ينمو ويتوسع.

فقد وصل الإسلام إلى «أنغولا» عن طريق التجار والمهاجرين من غرب إفريقيا ودول الساحل الإفريقي، وبخاصة من يبحثون عن فرص عمل؛ فبدءوا بتأسيس مجتمعات صغيرة في مناطق حضرية؛ كالعاصمة «لواندة».

الدعوة الإسلامية في أنغولا:

الإسلام غير معترف به رسميًّا في أنغولا، وتواجه الدعوة بعض التحديات هناك، خاصة على الصعيدين السياسي والثقافي.

فعدم اعتراف الحكومة الأنغولية رسميا بالإسلام يحد من قدرة المسلمين على بناء المساجد والمراكز الإسلامية بشكل قانوني، بل تعرض بعض المساجد للهدم أو للإغلاق بسبب عدم وجود تصاريح قانونية للبناء.

ونظرًا لأن «أنغولا» ذات أغلبية مسيحية، تواجه الدعوة الإسلامية بعض المقاومة من قبل المجتمع المحلي ممن يجهلون الإسلام أو من يستقون المعلومات عنه من خلال الجهات غير المحايدة، أو التي تتعمد تشويه الإسلام؛ ما قد يؤدي إلى سوء الفهم أو التحامل على الإسلام، وبخاصة مع نقص المؤسسات التعليمية والدعوية التي تعرف بالإسلام بشكل رسمي.

ومع ذلك ففرص الدعوة الإسلامية في «أنغولا» متعددة وواعدة؛ فإن التجارة والهجرة المستمرتين من الدول الإسلامية في غرب إفريقيا خاصة؛ مثل السنغال ومالي، تساعدان على تعزيز الوجود الإسلامي.

وبرغم كون المسلمين أقلية صغيرة في «أنغولا» فإن المجتمع الإسلامي نشط ويعمل بدأبٍ على نشر الإسلام.

وخلال العقود الثلاثة الماضية، حققت الدعوة الإسلامية -والحمد لله- تواجدًا وانتشارا ملحوظا في أنغولا.

فمنذ نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الميلادي الماضي، شهدت الدعوة الإسلامية تقدمًا بفضل الله؛ فأسهم المسلمون القادمون من غرب إفريقيا في نـشر الإسلام، وبناء المساجد والمراكز الإسلامية.

والدعوة الإسلامية انطلقت في «أنغولا» متأخرة بعض الشـيء، ومع ذلك فقد حققت نتائج جيدة؛ من حيث اعتناق الأنغوليين للإسلام، على رغم صعوبات الأوضاع في البلاد في تلك الفترة، في ظل الحرب الأهلية (1975-2002م).


وكان للتجار والعلماء المسلمين دور هام؛ فتم بناء أول مسجد مكتمل في عام 1994م في حي «مينغا» بالعاصمة «لواندة»؛ الذي كان نواةً لتأسيس مجتمع إسلامي في أنغولا، وشكل نقطة انطلاق لبناء مساجد ومراكز إسلامية أخرى كان للمملكة العربية السعودية سبق في ذلك، كعادتها في ميادين الدعوة. ولله الحمد والفضل والمنة.

وقد أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي وللإعلام الرقمي دور فعال في نـشر الإسلام في أنغولا، والإنترنت يتيح لمن يريد التعرف على الإسلام وللمسلمين الجُدُد الوصول بيسر إلى المصادر والمراجع ووسائل التعرف على الإسلام، فضلا عن المشاركة في النقاشات حول الأديان، ويشارك فيه بقوة الشباب المسلم في أنحاء العالم وبلغاتٍ عديدة.

المساجد والمدارس الإسلامية في أنغولا:

ويبلغ عدد المساجد في «أنغولا» قرابة المائة وتغطي تقريبا جميع الأراضي الأنغولية, وفي العاصمة ما بين ستين إلى سبعين مسجدًا، أما عن المدارس الإسلامية فتكاد لا توجد؛ حيث يدرس أبناء المسلمين في المساجد وفي المدارس الحكومية.

وتحترم الحكومة الأنغولية، على رغم كون الدولة ذات أغلبية مسيحية، حقوق أهل الأديان، وحقوق المسلمين، مع وجود تسامح ديني ودعم لحرية العبادة في أنغولا؛ فنما الإسلام في «أنغولا» تدريجيًا.ويقوم المسلمون بتنظيم لقاءات دينية، ويوفرون التعليم الإسلامي لأطفال المسلمين، ويعملون على تعزيز الروابط بين الجاليات الإسلامية.

وتعمل بعض المبادرات في زيادة عدد المسلمين وانتشار الدعوة، كذهاب الوفود من المسلمين وخاصة من المملكة العربية السعودية، ومن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة للتسجيل وقبول الطلاب ووفد الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ووفد لجنة الدعوة الإسلامية، وغيرها من الوفود.

خاتمة:

على الرغم من عدم وجود إحصاءات موثوقة بها، فإن التقديرات تؤشر إلى أن أكثر من نصف سكان «أنغولا» من النصارى الكاثوليك، وتبلغ نسبة المسلمين حوالي (2% تقريبا) من المحتمل زيادتهم مع الوقت بشكل تدريجي وسلمي.

ومع استمرار الهجرة في ظل النشاطين التجاري والدعوي، وقد يتم الاعتراف الرسمي بالإسلام في المستقبل فيؤدي هذا إلى توفير مساحة أكبر للمسلمين لممارسة الشعائر وبناء المؤسسات الدينية والتعليمية.

وعلى المدى الطويل، قد تسهم المبادرات الإسلامية في تحسين العلاقات بين الأديان، وزيادة الوعي بالإسلام كدين يحمل رسالة التسامح والتعايش السلمي؛ ما سيعزز فرص الدعوة الإسلامية في البلاد -إن شاء الله-.


 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية