اطبع هذه الصفحة


رحلتي لدولة مملكة إسواتيني التي تعرف سابقًا باسم مملكة سوازيلاند
10 محرم 1445هـ

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد،
لقد بعث الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام ليكون رسالة للعالمين والدين الخاتم الذي يظهر على ما سبقه من الأديان، ومنذ فجر الإسلام قد انتشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أقطار الأرض ليبلغوا الناس بدين الله الخاتم ويدعوهم إلى عبادة الله وحده على منهج الإسلام القويم، وبفضل الله فقد وصل الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها، حيث ساهم الدعاة على مر العصور في نشر الإسلام بين شعوب العالم بمختلف الوسائل الممكنة، إلا أن هناك الكثير من الدول، وخاصة الفقيرة منها التي لا تزال الدعوة فيها إلى يومنا هذا ضعيفة نتيجةً لضعف الموارد وعدم قدرة الدعاة على ممارسة أنشطتهم الدعوية من خلال مؤسسات قوية قادرة على توفير الدعم المناسب للدعوة.

ولذلك فقد دأب الدعاة والعلماء على التنقل بين الدول الفقيرة والتي تضم تجمعات قليلة للمسلمين للوقوف على احتياجاتهم ومحاولة تقديم الدعم المناسب لتنشيط الدعوة وتوفير الاحتياجات الأساسية للمسلمين في هذه الدول، وخاصةً في ظل تنامي الحركات التنصيرية التي تستغل فقر وجهل الشعوب للحيلولة دون غير المسلمين من الدخول في الإسلام، ولتحويل المسلمين عن دينهم ليرتدوا عنه.

وقد قمنا بجولة إلى مجموعة من الدول الأفريقية للتعرف على المجتمعات المسلمة فيها وتحديد احتياجاتها والمقومات الأساسية التي تحتاجها الدعوة فيها لممارسة أنشطتها بصورة مناسبة، فالدعوة تحتاج إلى الكثير من المقومات مثل المساجد والمدارس ومراكز تحفيظ القرآن بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية التي تتمثل في حفر آبار المياه والمساعدات الغذائية.

ومن الدول التي شملتها جولتنا مملكة إسواتيني التي تعرف سابقًا باسم مملكة سوازيلاند، وقد قامت هذه المملكة على يد شعب البانتو في القرن الثامن عشر وهو من الشعوب الموزمبيقية، وقد نالت المملكة استقلالها عام 1968 بعد أن كانت تحت الاستعمار البريطاني منذ عام 1903.


وتقع مملكة إسواتيني في منطقة مغلقة بين جنوب أفريقيا وموزمبيق،
وتبلغ مساحتها 17,363 كم مربع، وتتضمن مسطحات مائية بمساحة 160 كم مربع، ومن الجدير بالذكر أن مملكة إسواتيني ليس لها أي حدود بحرية، ويتميز مناخ مملكة إسواتيني بالتنوع المميز، بالإضافة إلى التضاريس المميزة التي تضم مجموعة من السهول والتلال والجبال، وتتمثل الموارد الطبيعية لمملكة إسواتيني في الفحم والاسبستوس والقصدير والطين، بالإضافة إلى الغابات والطاقة المائية، وحجم قليل من احتياطي الماس والذهب الخام.

وتتصف الحياة الاقتصادية في مملكة إسواتيني بالبساطة،
حيث يعتمد معظم السكان بدرجة كبيرة على الزراعة وتربية المواشي، كما أن بعض السكان بدأوا بالانتقال للحياة في المدن للعمل في المصانع والمتاجر، ويعمل بعض المواطنين في المناجم، وعلى الرغم من وجود بعض المصانع والحياة التجارية إلا أن المواطنين لا يزالون مرتبطين بالماشية، فللأبقار عندهم مكانة عالية، ويحظى من يمتلك قطعانا كثيرة منها بالاحترام على المستوى الاجتماعي، ولا يتم ذبح الأبقار من أجل الغذاء، وإنما يتجر بها للحصول على المال ويتم دفعها كمهر عند الزواج، وبشكل عام فإن سكان المملكة يعانون من الفقر الشديد، حيث بلغت نسبة السكان تحت خط الفقر تقريبًا 70%، إضافةً إلى غلاء الأسعار وقلة الموارد الطبيعية وفرص العمل.

ويعيش المواطنون في مملكة إسواتيني في أسر قد يكون فيها للزوج أكثر من زوجة واحدة،
ويعيش تحت مظلة الأسرة كل من الرجل وزوجاته وأبنائه المتزوجين وغير المتزوجين، ويكون للأسرة بيت واحد يضم جميع أفرادها، ولسنوات عديدة كان منزل الأسرة عبارة عن أكواخ مستديرة يتم بناؤها حول حظيرة الأبقار الخاصة بالأسرة، أما اليوم فإن الأغنياء من مواطني مملكة إسواتيني يعيشون في منازل مصممة وفقًا للنمط الغربي ،ويضم حديقة يتم زراعة العديد من المحاصيل فيها.
المواطنون في مملكة إسواتيني يستطيعون القراءة والكتابة، وقد بلغت نسبة من يستطيع الكتابة والقراءة من كبار السن حوالي 50%، ويتلقى أكثر من 110 آلاف طفل التعليم الابتدائي سنويًا.

وتعتبر مملكة إسواتيني من الدول الفقيرة،
كما أنه ينتشر فيها العديد من الأمراض ومنها مرض نقص المناعة البشرية المكتسبة وذلك نتيجةً للفقر والجهل.

وكغيرها من الدول الإفريقية فإن مملكة إسواتيني تضم العديد من الديانات الرئيسة والمعتقدات التقليدية التي يعتنقها بعض السكان المحليين،
وبصورة عامة فإن غالبية سكان مملكة إسواتيني يدينون بالنصرانية، حيث تبلغ نسبة النصارى فيها 82.7%، ويوجد في مملكة إسواتيني كنائس بروتستانتية، وكذلك الصهيونية الأفريقية ويتبعها نسبة كبيرة من النصارى بلغت 40%، وتقوم هذه الكنيسة على الخلط بين تعاليم الديانة النصرانية والتقاليد الأفريقية القديمة، ويلي هذه الكنيسة في الانتشار الكنيسة الكاثوليكية الرومانية حيث يتبعها 20% من السكان، أما الإسلام والديانات والمعتقدات الأخرى فنسبة أتباعهم في مملكة إسواتيني قليلة، حيث إن نسبة المسلمين لا تتجاوز 1% والبهائية نسبتهم 0,5% والهندوس 0,15%.

ومما سبق يتضح أن المسلمين في مملكة إسواتيني يشكلون أقلية،
وغالبيتهم من التجار الهنود القادمين من جنوب أفريقيا، ويشكل المسلمون من السكان الأصليين نسبة ضئيلة جدًا؛ حيث إن أكثر المواطنين في مملكة إسواتيني لا يعرفون شيئا عن الإسلام، أما عن المساجد فهي قليلة جدًا وتكاد تكون غير موجودة، فيحتاج البلد إلى الكثير من الجهود وتقديم الدعم المادي المناسب لإنشاء المساجد لتكون محط اجتماع للمسلمين في الصلوات ونقطة قوية للانطلاق في الدعوة ونشر العلوم الإسلامية، كما يظهر أن الكثير من المواطنين لديهم أفكار مغلوطة عن الإسلام والمسلمين، مما يجعل مملكة إسواتيني أرضًا خصبة لنشر الدعوة إلى الله وتعريف المواطنين بالإسلام والعبادات والشرائع الخاصة به.

وبعد الاطلاع على المساجد الموجودة في مملكة إسواتيني تبين أن هناك 8 مساجد رئيسية فقط يقوم المسلمون الهنود من جماعة الدعوة والتبليغ على إدارتها،
كما أن هناك 4 مساجد بمساحات صغيرة ومسجدين تابعين للفرقة القدرية أو الأحمدية ومسجد واحد للبهائية.

كما يظهر غياب المؤسسات العربية في مملكة إسواتيني حيث لا يوجد إلا سفارة واحدة فقط وهي السفارة القطرية ومع ذلك فإن نشاط هذه السفارة ضعيف جدًا،
وفي ظل هذا الغياب فإنه من المهم أن تحرص الدول العربية والإسلامية على الاهتمام بإقامة روابط واتصالات مع مملكة إسواتيني من أجل تعزيز العلاقات وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان عامة والمسلمين خاصة.

ويوجد العديد من الطرق التي يمكن من خلالها نشر الدعوة في مملكة إسواتيني،
خاصةً وأن المملكة تعاني من ضعف في المصادر المائية الصالحة للشرب، حيث يوجد شركة للمياه الصالحة للشرب في المدن ولكن القرى عادة ما تعتمد على مياه الأمطار في فصل الصيف من خلال مستنقع كبير يخزن المياه ويستخدمه السكان والحيوانات أيضًا مما يسبب انتشار الأمراض المزمنة، ويلجأ بعض السكان إلى الاعتماد على خزانات مياه على أسطح المنازل، وقد يلجأ المقتدرون إلى شراء الماء أو حفر آبار خاصة بهم، وعلاوة على ذلك فقد تعرضت مملكة إسواتيني لجفاف قبل خمس سنوات أدى إلى أضرار اقتصادية.

وخلال زيارتنا لمملكة إسواتيني قمنا بالمشاركة في ورشة عمل مع الدعاة والداعيات في مملكة إسواتيني حول فقه الخلاف وأهمية الدعوة الإلكترونية،
كما تم العمل على إطلاق قروب خاص بالدعاة وكذلك قروب خاص بالداعيات للتواصل معهم وتزويدهم بالدورات الإلكترونية والتوجيهات التربوية والدعم المعنوي وشحذ هممهم في هذا الباب وتزويدهم بالكتب الإلكترونية الدعوية باللغة الإنجليزية.

وفي الختام،
فإننا نتقدم برسالة إلى المؤسسات والجمعيات الخيرية للانتباه لمثل هذه الدول الفقيرة التي يعاني المسلمون والسكان فيها من الفقر والجهل وانتشار الأمراض، وذلك ليتمكنوا من مساعدتهم بالمشاريع والمبادرات الخيرية التي يمكن من خلالها مساعدتهم في التغلب على الظروف الصعبة التي يعانون منها، وكذلك المساهمة في تعزيز الدعوة ومد القائمين عليها بالوسائل والإمكانيات التي تساعدهم في ممارسة أنشطتهم الدعوية وتطويرها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 
  • المقالات
  • العمل الخيري
  • الكتب
  • الصفحة الرئيسية