لا تبولن في الماء ثم تشرب منه
(joma740) 18/6/1438هـ )

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العزيز القهار،الملك المتصرف الجبار،أحمده جل شأنه وأشكره أن شرع شريعة الطهر للأبرار،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له شهادة أرجو بها النجاة من النار،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المصطفى المختار صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبة البررة الأطهار.أما بعد: فهذا ربكم يوصيكم ياعباد الله فاستمعوا لوصية ربكم إذ يقول: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدً}(النساء:131).أمة الطهر والنقاء تعالوا نتأمل حديث من أحاديث خير البشر صلى الله عليه وسلم إذ يقول:((لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ))(البخاري،البول في الماء الدائم،ح(232)). لماذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من الاغتسال من الماء الذي تم البول فيه؟.الإجابة لأنه تلوث بنجاسة،فهذا الذي بال في الماء أفسد هذا الماء وجعله غير صالح للغسل الشرعي، أريد أن أقف هنا وأسأل سؤالاً ما رأيكم فيمن يبول في مسبح من الماء وهو يعلم أنه سيشرب منه؟.الإجابة بكل تأكيد أنه لا يوجد عاقل يبول في ماء ثم يشرب منه.لماذا؟.لأنه بكل بساطة أفسد هذا الماء بالبول فيه فلم يعد من المستساغ الشرب منه.ما موقفك إذا رأيت من يبول في الماء الذي تشرب منه أنت وأسرتك وأولادك؟. هل تتركه أم تنهره؟.بالتأكيد أنك ستسعى لمنعه.إذا اتفقنا على ذلك تعالوا معي لنسقط هذا على واقع المجتمع،أريدكم أن تتخيلوا معي أن المجتمع هو الإناء الكبير الذي نشرب منه جميعاً،وأن كل من يفسد في هذا المجتمع كمن يبول في هذا الإناء؛ فالشاب المنحرف الذي يسعى لإقامة علاقات آثمة مع أكبر قدر من بنات المسلمين ويحتال على الإيقاع بهن نقول له لا تبولن في الماء ثم تشرب منه،لأنك إذا اردت الزواج فلن تتزوج إلا من بنات هذا المجتمع الذي سعيت لإفسادهن،وكذلك الفتاة التي تسعى لإقامة أكبر قدر من العلاقات الآثمة مع الشباب نقول لها لا تبولين في الماء الذي ستشربين منه فإنك غداً ستتزوجين واحداً من أولئك الشباب الذين أدمنوا طريق الانحراف،الذي يسعى لترويج المخدرات في المجتمع نقول له لا تبولن في الماء الذي يشرب منه أبناؤك وبناتك،فغداً ستجدهم بين المتعاطين لهذه السموم، وكذلك الأب الذي يدخن في بيته أو يدخل قنوات الإفساد نقول له لا تبولن في الماء الذي تشرب منه أسرتك فغداً سيصبحون مدخنين أو يتأثروا بانحراف تلك القنوات،التاجر الذي يبيع على بنات ونساء المسلمين العباءات غير الشرعية والملابس الفاضحة نقول له لا تبولن في الماء الذي تشرب منه بناتك وزوجتك، فغداً سيتبرجون ويلبسون ما تروجه على نساء المسلمين،الذين يسعون لزعزعة أمن بلادنا الحبيبة ويمتهنون الإرهاب والتكفير والتفجير نقول لهم لا تبولوا في الماء الذي سيشرب منه أبناؤكم من بعدكم،فإذا اختل الأمن لا قدر الله،فإن أسركم وأبناؤكم سيعيشون في بيئة خوف واضطراب وقلق،والقائمة أحبتي تطول،افساد حياة الناس جريمة نهى الله عنها بقوله:{..وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(الأعراف:85).وتعظم المصيبة حينما تنطمس البصيرة فتأتي لتمنع شخصاً من البول في الماء الذي يشرب منه الناس فيقول لك أنا لا أفسده بل أضع له نكهات محسنة لإصلاحه،تأملوا معي ذلك الرد في ضوء قول الله تعالى عن المنافقين:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ () أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ }(البقرة:11-12).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أمابعد:فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا رحمني الله وإياكم أنه كل ما حرصنا على نقاء المجتمع وطهره شربنا وأبناؤنا ماء طهوراً والعكس تماماً صحيح،والله سبحانه لا يريد للمجتمع المسلم إلا أن يكون طاهراً نقياً،فشرع للمجتمع شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمحافظة على طهره،ومن لم يرتدع بتلك الشعيرة كانت الحدود الشرعية هي التي تمنعه أو تطهره إذا وقع في المحذور، كما حرَّم سبحانه أن يلتقي الإيمان والطهر مع الفساد والنجس ولو في علاقة شرعية كما أن النور والظلمة لا يجتمعان في مكان واحد تعالوا أحبتي وتأملوا معي قول ربي جل في علاه أذ يقول: { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(النور:3). الفساد والنجس لا يطهره الحسب ولا النسب ولا المال ولا الجاه ولا الملابس الفاخرة ولا القصور العالية، بينما طهر القلب وعفة اللسان والسلوك ترتقي بصاحبها لأعلى الدرجات اسمعوا معي أحبتي لربنا إذ يقول :{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (البقرة:2212).هل تأملتم الفرق بين من يدعو إلى الفجور والفسوق والعهر وطريق النيران،وبين من يدعو للطهر والعفاف وطريق الجنان؟