اطبع هذه الصفحة


الوفاء لمبارك بن فالح

فهد بن محمد الهاجري

 
بسم الله الرحمن الرحيم


سأتكلم عن شخص عشت معه كالأخ من أيام الطفولة كأننا من أب وأم ، أكبر مني بشهور وأقل من سنة عاش حياته في ظل ابيه _رحمه الله_ وترعرع في خير أبيه من مواليد 1970ميلاديه وعاش في رأس تنوره حياته كلها والكل عرفه بالصفات الطيبة والأخلاق الحميدة منذ نعومة أظفاره وهو ثاني إخوانه الذكور من صفاته صوته المبحوح المميز عندما تسمعه دون أن تراه كانت الابتسامة لا تفارق محياه وكان خفيف النفس صاحب مزاح لا تمل مجالسته، درس في رأس تنوره مراحل التعليم كلها ثم أكمل دراسة كلية الشريعة وبعدها دخل مجال التدريس في مدينته وكان بالنسبة للتلاميذ كالأب والأخ الكبير والكل أحبه وأثنى عليه تزوج عام ١٩٩٣ ميلاديه وله سبعة من الأولاد خمس من البنات واثنان من الأبناء إنه الشيخ مبارك بن فالح بن مضحي القروف الهاجري _رحمه الله_ وهو ابن خالي وله من أعمال الخير الكثير أذكر منها إطعام الفقراء والمساكين ودروس عن الدين وأصوله وهو إمام وخطيب جمعة وله محاضرات في الدعوة والتوجيه وحث الناس على الخير وله كذلك رحلات دعوية داخل المنطقة وخارجها وكفالة المعتمرين وكان يرقي الناس _بلا مقابل_ وكانت أكثر من مجرد رقيه شرعية فكان يبث في نفوسهم الأمل، يُبَدد الأوهام التي بداخلهم (أنت طيب.. أنت بخير)، كما كانت تأتيه دعوات من قادة القطاعات العسكرية منها المرور و الشرطة و أمن المنشآت لإلقاء ندوات لمنسوبي القطاعات في مقر أعمالهم وكما كانت توجه له الدعوة من قطاع الحرس الوطني لألقاء الندوات الدينية وكذلك السجون .

وكان محبوباً لدى أهل منطقته ومعروف لدى الجميع ومتقبل المزح من جميع الأعمار، الكل شهد له بالطيبة والأخلاق العالية وكان عند أي مجلس لا يتركه إلا بعد أن يلقى خطبة خفيفة وفوائدها كثيرة وكان كثير النصح للشباب صغير السِّن عن الصلاة والتمسك بالدين، كان يعيش طموح "حث الناس على الخير " والسعي على ترابط الأسر من أهم أولوياته وكان من أبرز مواقفه جاءه في أحد الأيام أخوين وطلبوا منه الذهاب معهم إلى أبيهم والطلب منه مسامحتهم وبالفعل استجاب لطلبهم وعندما وصلوا للمنزل طلب منهم البقاء في السيارة فدخل على الأب وسلم عليه ومباشرة حدثه عن الأمر ولمقامه ولحب ذلك الشيخ له وافق على مسامحتهم نادى الأبناء من الخارج وضموا والدهم وقبَّلوا رأسه وكان موقفاً مؤثراً. ومن ضمن الموقف اشتكت له بنت كانت تعاني من العنف الأسري تقدم لها رجل ضعيف المادة فاستأجر لهما شقة وقام بتأثيثيها ووفر المهر مهد الطريق حتى يوافق الأب على زواجهما . توفاه الله فجر يوم الاحد 20/8/2017. وكان نبأ خبر وفاته علينا كالصاعقة والحمدالله على كل حال وخيم الحزن على رأس تنورة على ذلك الرجل الذي كان بمثابة الأب للجميع وقد صلوا عليه صلاة الجنازة عصراً وكانت جموع غفيره من المصلين داخل المسجد وخارجه وقد تحدث الشيخ هلال الهاجري نبذة عن الراحل وقال: لو أن الشيخ مبارك يعلم أن هذه الجموع الغفيرة ستصلي عليه لتمنى الوفاة منذ زمن وهذا من شدة حبهم له _رحمه الله_ وفي العزاء حضر عدد من المشايخ وقادة القطاعات العسكرية وغيرهم وقالوا عنه أشياء لا يعلمها أحد عنه إلا هم، بأنه كان يأتي في الليل
دون سابق علم إلى البيوت المحتاجة والفقيرة لا يعرفون من هو وكان وصفهم له بأنه كان يأتيهم رجل ملثم ولحيته تخرج من تحت غترته.. وقد أثنى عليه الشيخ رشيد بن هادي ال سوداء الكدادي الهاجري وعبَّر عن محبته له وأكَّد على ذكره الطيب وبأنه رجل عطاء ودين وقال الشيخ رشيد بأنه يعلم عنه الكثير من أعمال الخير التي كان يقوم بها الراحل وأجزم بان البيوت
الفقيرة سوف تفتقده وتفتقد اليد البيضاء التي كانت تسد حاجتهم وكانت مصدراً لسعادتهم وفرحتهم مع أنهم لا يعرفون ذلك الرجل الا بوصفه كما تم ذكره، وقد تكلم عنه فهد بن محمد الكدادي الهاجري فقال : بحكم القرابة العائلية التي بيننا كانت تربطني به علاقة محبة ومودة وكلما جاء ذكره يرف القلب ويرق فسيرته الطيبة تؤثر فيني كثيراً وأجمل صفة عرفتها عن مبارك أنه لم يكن يتكلم في أعراض الناس وكان شديد الحساسية في هذا الموضوع وكان يحث على عدم تعرض الناس بشيء، كان مشغولاً بالناس عن الناس، بالسعي على حاجاتهم وإدخال السرور على قلوبهم، كان لديه مشروع في الحياة .
الكثير منا يقرأ عن فضل الإحسان إلى الفقراء والمساكين لكن عندما تراه أمامك يكون أثره أقوى على النفس .
فيهمني تذكير إخواني المسلمين بالمحتاجين والمكروبين عن طريق شخصية مؤثرة مثله .
قال عنه أحد الإخوة: لما سمعت بسيرته _رحمه الله_ تأثرت تأثراً كبيراً لأن أكثر مايشدني في أي شخص حقيقة هو الجانب الإنساني الذي يتعاطف فيه مع الفقراء والمحتاجين وبصراحة ربما بأن هذا عمل لايستطيعه كل أحد بأن تسخر نفسك لخدمة الآخرين إلا من يسره الله لهذا العمل .
ويحضر في ذاكرتي قول مأثور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (من بورك له في شيء فليلزمه
رحمك الله يا أبا فالح رحمة واسعه وغفر لك وأسكنك فسيح جناته )
عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ: ((وَجَبَتْ)) ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ: ((وَجَبَتْ)) فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لِهَذِهِ وَجَبَتْ وَلِهَذِهِ وَجَبَتْ فَقَالَ: ((شَهَادَةُ الْقَوْمِ وَالْمُؤْمِنُونَ شُهُودُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ)) وفي رواية: ((هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار؛ إنكم شهودُ الله في الأرض ) .
 

بقلم :
محمد بن ناصر الهاجري
فهد بن محمد الهاجري



 

فهد الهاجري
  • مقالات
  • قصص قصيرة مع طلابي
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية