اطبع هذه الصفحة


فقرحتى في الخيال

فهد بن محمد الهاجري

 
بسم الله الرحمن الرحيم


جلست أختي البارحة تتخيل لو أنها حصلت على ( 150،000000) مليون ريال ماذا كانت ستفعل بها..؟ ومن هم الناس الذين على رأس القائمة عندها ، كانت تفكر بصوت عال ، وكنا حولها نحتسي القهوة ونستمع لذلك الصوت الذي كان يتحدث عن المال والثروة ، وبأننا الآن أصبحنا من العائلات الأرستقراطية في المنطقة وجرى
الحديث في هذا السياق ( أمي وأنا وشقيقاي ) وهي بطلة القصة !
حلقت أختي في الخيال الجميل، وأخذت توزع الأحلام والطموحات على الحضور فابتدأت بأمي ، فقالت : سأبني لها قصراً فارهاً ، سأخصص لها من يخدمها، سأجعل لها جليسة خاصة تخبرها بالقصص والحكايات والقصيد ، الذهب والمجوهرات وكل ما تتمناه أمي
لا أكتمكم سراً عشت معها ذلك الخيال ، أنظر إليها ، أبادلها تلك الروح حتى أنها شعرت بذلك. كانت تتحدث بروح عجيبة وصوت حقيقي ، ثم التفت إلي قائلة : وأنت يا فهد سأشتري لك قصراً ملاصقاً لقصر أمي فيه حديقة كبيرة ونافورة ، وسيارتك الفارهة تقف أمام بوابة القصر بسائقها الخاص ولعلمي _والكلام لها_ بأنك تحب الكتب ؛ سأبني لك مكتبة كبيرة مليئة بالكتب، مُلْكية خاصة لك تكون فيها متى تشاء. حتى هذه اللحظة كنا نعيش نشوة الخيال وروعته ، حتى التفت إلى شقيقي الأول وأعطته مثلي وزيادة وقالت له : اعلم بأنك رزقت حب الإبل ؛ سأشتري لك منها ما تشاء وكل ما تحتاجه بما يوفر لها الرعاية والاهتمام : المكان ، والإمكانيات. فصرخ في هذه اللحظة لن أقبل بهذا ماذا سيقول
عني الناس ...؟ أخته تقدم له المال! وكيف تستطيعين أصلاً شراء كل هذا العدد من الإبل ...؟ هل تظنين بأن هذا الكلام سهلاً.؟ وكان يتحدث بجدية فأخذ يتهكم بها. صرخ كذلك شقيقي الثاني حتى قبل أن ينال حظه من الخيال مؤيداً ومؤكداً بأنه لن يقبل كذلك بهذا الوضع. أخذنا الضحك أنا وأختي على كلامهما.
بل إن أخي استدعى الموروث الشعبي فأخذ يستشهد بأناس قُدِّم لهم المال فأصبح يعيرهم الرجال به. في هذه الأثناء كنت متكئاً وممسكاً بفنجان قهوتي ، وأمامي طبق اللقيمات اللذيذ ، مستمتعاً بحالة الخيال الجميلة التي بثتها أختي في المكان ؛ لولا أنهم قطعوها ، فعدلت جلستي ، وهيأت حبالي الصوتية، وحددت نبرتي التي سأشاكسهم بها ، وكنت قد قرأت كتاباً للتو لرينيه وليامز ويحمل عنوان : "قوة الصوت" تتحدث فيه عن كفاءة الصوت ، وبأن لكل موقف نبرته المحددة ؛ فكانت
فرصة مواتية لإظهار مهاراتي واسماعهم نبرتي الجديدة، فرفعت مستوى صوتي عالياً وأنا أردد
يا اناس.. خيال.. خيال!
ثم وجهت الكلام لأختي وأنا أهزُّ رأسي
مبتسماً بغرابة : فقر حتى في الخيال!
في ظل هذا الصَّخب توقفت أختي عن الحُلم
صدقوني.. قتلوا فكرة الخيال .
هذا الموقف على عفويته وتلقائيته؛ لم يفارق مخيلتي منذ ليلة البارحة، وجعلني أتشارك معكم هذا التساؤل :
هل لدينا أزمة خيال ...؟
هل لدينا أزمة أحلام وطموحات ...؟
بصراحة لا أعتقد بأن لدينا أزمة بقدر ما لدينا ضعف لتنشيط الخيال في هذا الجزء من الذاكرة .
وأتذكر جيداً تلك اللحظات، وأنا أقرأ رواية مئة عام من العزلة لغابرييل ماركيز، كانت رواية مكتنزة بالوصف إلى حد أنني قد تخيلت عروق يده وهو يصف أحد شخصيات الرواية عندما كان غاضباً. برأيي أن القراءة هي المحفز الأول على الخيال .
كتاب قوة الخيال لجان سارتر هل سمعت عنه...؟ هل قرأت عنه ...؟ فرصة أن تتصفحه الآن .
القراءة ستضيف لك الكثير في عالم الخيال .
ولو أن تخرج بفكرة واحدة.. فكرة واحدة .
مقاطع يوتيوب.. حوارات الخيال.. شاهدها الآنهذا الحدث العابر ذكرني بموقف جميل مع أحد الأصدقاء ذهبت لزيارته بعد خروجه من المستشفى، فسلمت عليه وأخذت أدعو له وأواسيه؛ ذكرت له: أن الحالة المعنوية عامل مهم في الشفاء فواساني بهذه الآية :
(الشيطان يعدكم الفقر)
فقال: فقر الأمل والتفاؤل وربما الخيال أيضا .ً
فصَمَت أمام هذا المعنى الجميل .
الاقتباس إما أن يمنح فكرتك القوة ويساندها وإما أن يقول ما تود أن تقوله للقارئ تلقيت هذه الفكرة من أحد الكُتّاب، ليصبح الاقتباس جزءا مهماً من نصوصي التي أكتبها .
 * الإنسان الذي ليس لديه خيال ليست لديه أجنحة. الملاكم الشهير :( محمد علي كلاي)
 * إن علامة الذكاء الحقيقي ليست هي المعرفة لكنها الخيال (آينشتاين)
الصديق عبد الله الأحمدي أضاف معنى جميل حول فكرة الخيال فأكَّد على أنه عطاء ونعمة وبأن الخيال المدعوم بصدق المشاعر والإيمان بالله والعمل على ذلك سيصبح واقع لا محالة بتوفيق الله .
وأخيراً
أعظم خيال تعيشه أن تكون في الجنة

 

فهد الهاجري
  • مقالات
  • قصص قصيرة مع طلابي
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية