اللعن في حياتنا

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد
فعندما تجلس في البيت تتابع برنامجا أو نشرة الأخبار أو غير ذلك ، فيدخل عليك أحد الأبناء الصغار فيسبب لك إزعاجا يشوش عليك متابعة البرنامج فتقول له ( اطلع برا الله يلعنك ) ، وأنت في غمرة نومك وتدغدغك أحلامك الوردية فيأتيك أبنك هائجا وصارخا ولاعبا فيفسد عليه نومتك فتنهض فزعا غاضبا ( الله يلعنك اطلع برا ) ، يخرج أحدنا من منزله للعمل أو لقضاء مشوار أو حاجة له وبينما هو يقود سيارته يتعدى على أفضليته سائق آخر ، فيغضب ويخرج يده من نافذة السيارة شاتما وسابا قائلا ( وقف يا ملعون الوالدين ) ، شاب كروي يتجمد أمام شاشة التلفاز إذا لعب فريقه المبجل ، ومع كل هجمة ضائعة أو مرتدة اللعنة الأولى للحكم واللعنة الثانية للاعب واللعنة الثالثة للفريق بأسره ، واللعنة الرابعة للمدرب ، واللعنة الخامسة لمدير الفريق والأخيرة لرئيس النادي ، وتنتهي المباراة وقد سجل هذا الشاب المسكين رقماً قياسياً في عدد اللعنات ، كلها تكتب في صحيفة سيئاته ، وهكذا أسباب اللعن في حياتنا بلا سبب ولا مبرر ولا حول ولا قوة إلا بالله 0
اللعن خطير جدا ، لأنه طرد وإبعاد عن رحمة الله ، النبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من اللعن فيقول ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) ، وقال صلى الله عليه وسلم ( إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة ) ، ويخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن فشو اللعن من أساب الهلاك ، حيث قال ( إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار ، إذا ظهر التلاعن ، وشربوا الخمور ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القينات أي المغنيات ، واكتفى الرجالُ بالرجال والنساءُ بالنساء ) حسنه الألباني 0
فمن اللعن المحرم لعن الدهر والأيام ، فبعضنا يقول جهلا بدين ( الله يلعن اليوم الذي ولد فيه ) ، أو ( الله يلعن الساعة التي عرفت فيها فلان ) ، ونحو ذلك ، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الْأَمْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) ، ومن اللعن المحرم لعن المرض ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( وأما من يلعن المرض وما أصابه من فعل الله عز وجل فهذا من أعظم القبائح والعياذ بالله ، لأن لعنه للمرض الذي هو من تقدير الله تعالى ، بمنزلة سب الله سبحانه وتعالى ) ، ومن اللعن المحرم لعن الدواب وغيرها ، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ) 0
لأهل العلم كلام طويل في أنواع اللعن ، وخلاصته ما يلي :
1- لا يجوز لعن المسلم المعين إجماعا 0
2- لا يجوز اللعن بالأوصاف العامة : كلعنة الله على الكافرين أو اليهود والنصارى أو الظالمين أو الكاذبين وغير ذلك من أوصاف العموم إجماعا 0
3- لعن الكافر المعين وفيه ثلاث حالات :
الحالة الأولى : لعن من عرف أنه مات على الكفر مثل فرعون وأبو جهل وغيرهما فهذا جائز لعنه ولا خلاف فيه
الحالة الثانية : لعن من عاش كافراً وجهل موته هل كان على الكفر أم لا ، فهذا يجوز لعنه ولكن الأفضل أن نقول : لعنة الله عليه إن كان مات على الكفر 0
الحالة الثالثة : لعن الكافر المعين الحي ، لقد اختلف العلماء في لعنه على قولين : والأقرب جوازه عند الحاجة ، وهو من باب الدعاء وليس من باب الإخبار عن حكم الله ومآل العبد ، فهذا الكافر مستحق الآن للعن والبغض والمقاتلة وغيرها من الأحكام ، فإن أسلم بعد ذلك لم يضره اللعن ، ومع جواز ذلك ، نقول : إننا لسنا متعبدين باللعن ، وليس هو من صفة المؤمن ، فليس المؤمن بالطعان ، وقد لا يكون وراءه مصلحة ، إلا من كان له نكاية بالمسلمين وتسلط عليهم ، كرؤوس الكفر وأعداء الدين ، فإنه يشرع لعنهم بأعيانهم ، لأنهم جمعوا بين الكفر بالله والتسلط على عباد الله 0
4- لعن المسلم العاصي المعين أو من ارتكب فعلاً ورد لعن صاحبه : فالراجح والله أعلم أنه لا يجوز لعنه بعينه 0
اللعن في القرآن الكريم :
أولا : إبليس عليه لعنة الله ، قال تعالى ( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) ، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعنه في صلاته الكسوف ، فقال : ( أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ ) ، ونحن نلعنه ونتعوذ من شره وكيده 0
ثانيا : اليهود لعنة الله عليهم ، قال تعالى ( مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ) 0
ثالثا : المنافقون لعنهم الله ، قال تعالى ( مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ) 0
رابعا : الذين يؤذون الله ورسوله ، قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) 0
خامسا : قاتل النفس بغير الحق ، قال تعالى ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) 0
سادسا : قاطع الرحم ، قال تعالى ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) 0
اللعن في السنة النبوية
أولا : لعن الذين أتحذو القبور مساجد ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد 0
ثانيا : من سب الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فهو ملعون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله من يسب أصحابي 0
ثالثا : من ذبح لغير الله كمن ذبح لقبر أو ساحر ونحوه فهو ملعون ومن لعن والديه فهو ملعون ومن آوى محدثا فهو ملعون ومن غير حدود الأرض وعلاماتها فهو ملعون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأرض يعني حدودها ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَشْتُمُ أَبَاهُ ، وَيَشْتُمُ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ 0
رابعا : من الملعونين الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ، لحديث أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لعن الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ 0
خامسا : من النساء الملعونات ما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ 0
سادسا : من الملعونين أكلة الربا ، والسارق والراشي والمرتشي ، وشارب الخمر ومثلها المخدرات ، ومن وقع على بهيمة ، ومن عمل عمل قوم لوط ، ومن حلل المرأة المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول ، والنائحة على الميت ، وَمَن وسم البهيمة أو ضربها في وجهها ، ومن يقضي حاجته في طرق الناس وأماكن انتفاعهم ، وكل من لعن شيئاً لا يستحق اللعن فقد لعن نفسه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا ) 0
وأخيرا : قال العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله لولده : يا بني إذا لم تسبَّ فرعون في يوم من الأيام ، لن يسألك الله لماذا لم تسبَّه ، ولكن إذا خضت في أعراض الناس سيسألك 0

للفائدة راجع أصل الخطبة للشيخ سامى بن خالد الحمود مع التصرف فيها بما يناسب المقام كمقال وخطبة