الفساد الإداري

محمد بن فنخور العبدلي
@ALFANKOR

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين أما بعد
قال الرسول صلى الله عليه وسلم { إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه } ، والفساد الإداري المستشري بين بعض الموظفين يخالف روح ونص هذا الحديث ، الفساد الإداري آفة مجتمعية عرفتها المجتمعات الإنسانية وعانت منها منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة وحتى يومنا هذا ، وهي اليوم موجودة في كافة المجتمعات الغنية والفقيرة ، المتعلمة والأمية ، القوية والضعيفة ، فظهورها واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية يعتقد في قرارة نفسه أنه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى إليها ، ولذا فهو يلجأ إلى وسائل ممنوعة عرفا وشرعا كإقصاء من له أحقية فيها ، أو الحصول عليها عن طريق الرشوة ، أو عن طريق المحسوبية والواسطة ، أو عدم الرغبة في العمل والإنجاز ومساعدة المراجعين ، لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات قديمها وحديثها من مظاهر الفساد الإداري بما فيها المجتمع الإسلامي على الرغم من الطهر والعفاف والعفة والنقاء التي ميزت الفكر الإسلامي على مر العصور والأزمنة 0
إن الناظر لا تخطئ عينيه صور الخلل ، والمفارقات الكبيرة ، والمباينات الشاسعة بين واقع الأمة ومنهج الإسلام ، يرى صور الانحراف كثيرة وعميقة ، ومتعددة الأمثلة ، وبيّنة فيما تبديه من ممارسات ظاهرة أو مستترة ، حتى إن الإنسان إذا أمعن في جمع هذه المتفرقات ، وأكثر من حشد الأمثلة والصور ظهرت حينئذ صورة مفزعة ، تجعل اليأس يدب إلى النفوس ،ويوهن من عزائمها ، وبالتالي نجد أن هناك انفصام بين النظرية والتطبيق ، وبين التصور والسلوك ، وبين القناعات والأداء ، ومرد هذا إلى ضعف التدين وغلبة الهوى والسعي واللهث نحو تحقيق المصالح الشخصية ، إضافة لضعف الرقابة الداخلية ورقابة المجتمع 0
النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين استطاعوا معالجة هذا الأمر من خلال استخدام أسلوب الترغيب والترهيب ، ودولتنا تدرك كغيرها أبعاد مشكلة الفساد الإداري حيث أصدرت العديد من المراسيم الملكية لمحاربة الفساد وصنفتها على أنها الجريمة ويجب معالجتها والحد من انتشارها وتفشيها في المجتمع , وظلت الحاجة قائمة إلى تجريم هذا الفعل ، واستمرت مكافحة الفساد إلى أن أصدر خادم الحرمين الملك عبد الله أمره بإنشاء رئاسة مستقلة لمكافحة الفساد بشتى أنواعه 0
إن الحديث عن الفساد لا يخص مجتمعا بعينه ، أو دولة بذاتها , وإنما هو ظاهرة عالمية تشكو منها كل الدول , لما له من خطر على الأمن الاجتماعي ، والنمو الاقتصادي ، والأداء الإداري , ومن هنا حازت هذه الظاهرة على اهتمام كل المجتمعات وكل الدول ، وتعالت النداءات إلى إدانتها والحد من انتشارها ، ووضع الصيغ الملائمة لذلك 0
أنواع الفساد وأشكاله
للفساد الإداري أنواع وأشكال منها عدم احترام العمل كالتأخر في الحضور أو الخروج قبل نهاية الدوام ، ومنها عدم الإنتاجية ، أو قراءة الصحف والمجلات وتصفح الإنترنت والواتس ومواقع التواصل الاجتماعي ( الفيس وتويتر ) ، أو استقبال الزوار والضيوف ، أو التنقل من مكتب إلى آخر ، أو الخروج بشكل يومي من مقر العمل مما يتسبب بتعطيل العمل وتكدس المراجعين ، أو امتناع الموظف ورفضه أداء العمل المطلوب منه , أو عدم إتمام العمل على الوجه المطلوب شرعا ونظاما وعرفا ، أو التأخير في أداء العمل ، أو الكسل والتكاسل في الإنجاز والإنتاج ، ومن الفساد الإداري عدم الالتزام بالأوامر والتعليمات وطاعة ولاة الأمر بالمعروف واجبة ، واللامبالاة وعدم الميل إلى التجديد والتطوير والابتكار وعدم الرغبة في التعاون مع الرؤساء والزملاء والمراجعين ، ومن الفساد الإداري عدم تحمل المسؤولية ، أو إفشاء أسرار العمل ، ومن الفساد الإداري ارتكاب الموظف لفعل مخل بالحياء كاستعمال المخدرات أو التدخين داخل الإدارة أو أمام بواباتها الرئيسية ، أو التورط في جرائم أخلاقية أو سلوكية ، ومن أعظم الفساد الإداري سوء استعمال السلطة كتقديم الخدمات الشخصية وتسهيل الأمور وتجاوز اعتبارات العدالة الموضوعية في منح أقارب أو معارف المسئولين ما يطلب منهم ، ومن الفساد الإداري المحسوبية التي يترتب عليها شغل الوظائف العامة بأشخاص غير مؤهلين مما يؤثر على كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات وزيادة الإنتاج ، والواسطة أعظم الفساد ، ومن الفساد الإداري الاختلاسات والرشوات المالية واستخدام أملاك الدولة للمصالح الشخصية , والتزوير والقائمة تطول 0
تعريف الفساد الإداري
يعرّف الفساد الإداري بأنه الإخلال بشرف الوظيفة ومهنتها وبالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص ، ويعتبر الفساد الإداري مدخلاً ونواة للفساد المالي الذي ينتشر بسبب ضعف الرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية ، وقيل أنه استغلال السلطة لأغراض خاصة أو الابتزاز والمحاباة وإهدار المال العام ، وقيل هو وجود الخلل في الأداء نتيجة الخطأ والنسيان وإتباع الشهوات والزلل والانحراف عن الطريق المستقيم ، أو هو سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة ، إن الفساد الإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل الإداري المناط بالشخص 0
ضعف الوازع الديني
إن ضعف الوازع الديني هو السبب الرئيسي في انتشار الفساد بشكل عام والفساد الإداري بشكل خاص ، فمن خاف ربه أنتج وعمل وواظب ، ومن اختل لديه الوازع الديني اختل معه كل شي 0
العــــــــلاج
علاج الفساد سهل على من أحسن النية واتقى رب البرية فالخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل والاقتناع بالقليل يقضي على أعظم أنواع الفساد ، كما أن التركيز على الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والإداري والقانوني بعد الإصلاح الديني يقضي على الفساد بجميع أنواعه ، لابد أن نستشعر أن العمل أمانة قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ، وقال تعالى ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أد الأمانة إلى من أئتمنك ولا تخن من خانك ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ) , قال الأعرابي : كيف أضاعتها ؟ , قال ( إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) 0( 1)
كتبه
محمد فنخور العبدلي