اطبع هذه الصفحة


رد على محقق كتاب تفسير مشكلات أحاديث

أحمد بن مانع بن حماد الجهني
@abo_abdalmlk

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى أزواجه وذريته وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين.

أما بعد، فقد وفقني الله تعالى للوقوف على كتاب بعنوان "تفسير مشكلات أحاديث يشكل ظاهرها" للقاضي زين الدين ابن المنير المتوفى سنة 676ه. وحققه رياض منسي العيسى، وطبعة دار الفتح للدراسات والنشر، في سلسلة سموها من عقائد أهل الحديث رقم 3. فوجدته كتاب ملأ تأويلاً وتحريفاً وتعطيلاً لصفات الباري جلا وعلا، وحاول محقق الكتاب في مقدمته التأصيل لهذا التأويل ولكن هيهات فقد فندت جميع ما ذكر كما ستراه قريباً إن شاء الله تعالى.
فاستعنت بالله تعالى على كشف زيف ما ذكره المحقق في مقدمته من شبهات، كما سترى أخي القارئ في هذا الرد جواب شافياً إن شاء الله لكثير من الشبهات التي ذكرها المصنف.

فالله أسأل أن ينفع به الكاتب والقارئ، وأن يجعله حجة لي يوم القيامة.

يقول المحقق في مقدمته هداه الله للصواب: (وقد يضن بعض الناس أن التأويل مذهب مبتدع، ومنهج ضلال ..)

قال تعالى ذكره: (هو الذي أنزل عليك الكتب منه ءآيت محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله. وما يعلم تأويله إلا الله) ]آل عمران: 7[. فذم مبتغي تأويل المتشابه وقرنه بمبتغي الفتنة في الذم ثم أخبر أنه لا يعلم تأويله غير الله تعالى فإن الوقف الصحيح عند أكثر أهل العلم على قوله إلا الله. ولا يصح قول من زعم أن الراسخين يعلمون تأويله لوجهين:

أحدها: أن الله ذم مبتغي التأويل ولو كان معلوما للراسخين لكان مبتغيه ممدوحا غير مذموم

الثاني: أن النبي قال إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فهم الذين عنى الله فاحذروهم يعني كل من اتبع المتشابه فهو من الذين في قلوبهم زيغ فلو علمه الراسخون لكانوا باتباعه مذمومين زائغين والآية تدل على مدحهم والتفريق بينهم وبين الذين في قلوبهم زيغ وهذا تناقض[1].

وقد ذم سلفنا الصالح التأويل حتى إنهم كانوا إذا رأوا من يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه تارة بالقول العنيف وتارة بالضرب وتارة بالإعراض الدال على شدة الكراهة لمسألته.

ولذلك لما بلغ عمرا رضي الله عنه أن صبيغا يسأل عن المتشابه أعد له عراجين النخل فبينما عمر يخطب قام فسأله عن قوله تعالى: (والذاريات ذروا. فالحاملات وِقرا)]الذاريات: 1 – 2[ وما بعدها فنزل عمر فقال ما اسمك قال أنا عبد الله صبيغ قال عمر وأنا عبد الله عمر إكشف رأسك فكشفه فرأى عليه شعرا فقال له لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف ثم أمر فضرب ضربا شديدا وبعث به إلى البصرة وأمرهم أن لا يجالسوه فكان بها كالبعير الأجرب لا يأتي مجلسا إلا قالوا عزمة أمير المؤمنين فتفرقوا عنه حتى تاب وحلف بالله ما بقي يجد مما كان في نفسه شيئا فأذن عمر في مجالسته فلما خرجت الخوارج أتي فقيل له هذا وقتك فقال لا نفعتني موعظة العبد الصالح[2].

ويقول الموفق رحمه الله: فثبت بما ذكرناه أن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى وأن متبعه من أهل الزيغ وأنه محرم على كل أحد ويلزم من هذا أن يكون المتشابه هو ما يتعلق بصفات الله تعالى وما أشبهه دون ما قيل فيه أنه المجمل أو الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين أو الحروف المقطعة لأن بعض ذلك معلوم لبعض العلماء وبعضه قد تكلم ابن العباس وغيره في تأويله فلم يجز أن يحمل عليه والله أعلم[3].

ويقول هداه (والحق الذي لا يماري فيه منصف عاقل أن التأويل – بشروطه الكاملة – منهج سديد، لا بد منه لفهم الكتاب والسنة ..)

قلت: الذي يظهر لي أن المحقق هداه الله للصواب خلط بين التأويل المذموم والتأويل المحمود،
فالتأويل المذموم:هو أن تصرف دلالة اللفظ الظاهر على الصفات ، إلى معنى آخر يلزم منه نفي هذه الصفة أو تحريفها ..
أما التأويل المحمود: فهو مرادف للتفسير كما ذكر ذلك علماء التفسير، كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لحبر هذه الأمة "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل"، وعلى ذلك كان يقول شيخ أهل التفسير الإمام الطبري (القول في تأويل قوله تعالى ..)[4].

ثم نقل المحقق كلام النووي على أحاديث الصفات وآيات الصفات فقال: (اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين: أحدهما: وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم. والقول الثاني: وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة في العلم)[5.

قلت: أخطأ رحمه الله تعالى فيما ذهب إليه؛ فإن أسماء الله وصفاته الواردة في آياته وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم لا يصح فهمهما إلا كما فهمها سلفنا الصالح.
يقول الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى في رده على من ادعى التأويل[6]: (أن التأويل حكم على الله عز و جل بما لا يعلمه المتأول وتفسير مراده بما لا يعلم أنه أراده فإن أكثر ما عند المتأول أن هذه اللفظة تحتمل هذا المعنى في اللغة وليس يلزم من مجرد احتمال اللفظ للمعنى أن يكون مرادا به فإنه كما يحتمل هذا المعنى يحتمل غيره وقد يحتمل معاني أخر لا يعلمها، وليس له إحاطة بمقتضى اللغات لا سيما المتكلمين فإنهم بعداء من معرفة اللغات والعلوم النافعة.

وقد حرم الله تعالى عليه القول بغير علم فقال تعالى: ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون). الأعراف: 33:

أن التأويل حدث في الدين فإن الحدث كل قول في الدين ماتت الصحابة رضي الله عنهم على السكوت عنه والحدث في الدين هو البدعة التي حذرناها نبينا وأخبرنا أنها شر الأمور فقال عليه الصلاة و السلام شر الأمور محدثاتها، وقال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة والمتأول تارك لسنة رسول الله وسنة الخلفاء الراشدين وهو محدث مبتدع ضال بحكم الخبر المذكور.
أن التأويل قول في كتاب الله عز و جل وسنة رسوله بالرأي ومن قال في كتاب الله برأيه وإن أصاب فقد أخطأ. وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين سئل عن الأب فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم.
أن المتأول يجمع بين وصف الله تعالى بصفة ما وصف بها نفسه ولا أضافها إليها وبين نفي صفة أضافها الله تعالى إليه.
فإذا قال معنى استوى استولى فقد وصف الله تعالى بالاستيلاء والله تعالى لم يصف بذلك نفسه ونفى صفة الاستواء مع ذكر الله تبارك وتعالى لها في القرآن في سبعة مواضع.
أفما كان الله سبحانه وتعالى قادرا على أن يقول استولى حتى جاء المتكلف المتأول فتطرف وتحكم على الله سبحانه وعلى رسوله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
وإذا انسد باب التأويل من هذه الطرق كلها مع أن في واحد منها كفاية لم يبق إلا الطريق الواضح والقول السديد وسلوك سبيل الله تعالى التي دلت على استقامتها الآثار وسلكها الصحابة الأبرار والأئمة الأخيار ومضى عليها الصالحون واقتفاها المتقون وأوصى بلزومها الأئمة الناصحون الصادقون وهي الإيمان بالألفاظ والآيات والأخبار بالمعنى الذي أراده الله تعالى والسكوت عما لا نعلمه من معناها وترك البحث عما لم يكلفنا الله البحث عنه من تأويلها ولم يطلعنا على علمه واتباع طريق الراسخين الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين حين قالوا آمنا به كل من عند ربنا .
فهذا الطريق السليم الذي لا خطر على سالكه ولا وحشة على صاحبه ولا مخافة على مقتفيه ولا ضرر على السائر فيه من سلكه سلم ومن فارقه عطب وندم وهو سبيل المؤمنين الذي دلت عليه السنة وسلكه صالح الأمة (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) ]النساء: 115[) انتهى كلامه رحمه الله.
ثم نقل المحقق قول النووي رحمه الله ("أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف" إلى أن قال "وهو أسلم". والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول ..)[7]

قلت: ما ذكره رحمه الله أن التأويل محكي عن مالك والأوزاعي خطأ فاحش مخالف لما تواتر عنهما من إثبات أسماء الله وصفاته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تعليل ولا تأويل.
يقول ابن قدامة رحمه الله: (إن الأصل عدم تأويلهم فمن ادعى أنهم تأولوها فليأت ببرهان عل قوله وهذا لا سبيل إلى معرفته إلا بالنقل والرواية ..)[8]

أخرج الصابوني بسنده عن مالك بن أنس يقول: إياكم والبدع! قيل: يا أبا عبد الله. وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته، وكلامه وعلمه وقدرته لا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون[9]

وأخرج الآجري[10]
بسنده عن الأوزاعي إمام أهل الشام قوله (فاصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم .. إلى أن قال رحمه الله: لو كان هذا خيرا ما خصصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم ، وهم أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام ، والذين اختارهم الله عز وجل ، وبعثه فيهم ، ووصفه بهم فقال جل وعلا: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلاً من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود) الفتح: 29. انتهى.

قول النووي رحمه الله تعالى أن مذهب السلف أسلم فإنه يشير إلى أن مذهب الخلف أعلم وأحكم حتى وإن لم يصرح بذلك، وهذا قول مردود.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في رده على من قال بهذه المقوله ما نصه: (ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين، كما يقوله بعض الأغبياء، ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة، المأمور بها من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم.
فإن هؤلاء المبتدعة الذين يفضلون طريقة الخلف على طريقة السلف، إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث، من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ) ]البقرة: 78 .[وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات، وغرائب اللغات.
فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.
وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص للشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر ـ وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنًى ـ بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى ـ وهي التي يسمونها طريقة السلف ـ وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف ـ وهي التي يسمونها طريقة الخلف ـ فصار هذا الباطل مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه.
فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين كانت النتيجة: استجهال السابقين الأولين، واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قومًا أميين، بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله.
ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة. كيف يكون هؤلاء المتأخرون ـ لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين ـ الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول :
لعمري لقد طفتُ المعاهدَ كلَّها ... وسَيَّرتُ طَرْفي بين تلك المعالِمِ
فلم أرَ إلا واضعًا كفَّ حائرٍ ... على ذقَنٍ أو قارعًا سِنَّ نادمِ ) انتهى كلامه رحمه الله وقد أطال في الرد على هذه المقالة الفاسدة وللاستزادة أنظر الفتوى الحموية الكبرى صحيفة 192.
قال المحقق هداه الله للصواب بعد أن نقل جملة من كلام الخلف: (وهذه أقوالٌ صريحةً للعلماء، بإثبات مذهب التأويل للسلف الصالح.
وأفترض أنه لم يُنقل عن أحدٍ من السلف الصالح التصريح بتأويل شيء من ذلك، أيُّ حرج على من سلك سنن العرب في فهم الكلام العربي، وحمل هذه النصوص على ما تجيزه لغتهم..).
قلت: نقلت سابقاً عن شيخ الإسلام الرد الشافي لما أورده المحقق من شبهات بالذات ما ذكره عن تأويل الصفات بالكلام العربي، وإني هاهنا أنقل عن ابن تيمية باختصار وتصرف وزيادة على ما أورده المحقق. فقد قال ابن تيمية رحمه الله في "جواب الاعتراضات المصرية على الفُتيا الحموية":
الجواب من وجوهٍ:
أحدها: لم يتأول أحدٌ قط من الصحابة شيئاً من آيات القرآن التي ظاهرها أنها صفة تعالى. ولقد بحثت عن هذا الباب وكشفته، وطالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة نقلاً صحيحاً، فلم أجد عن أحدٍ من الصحابة أنه تأول آية واحدة من الآيات التي ظاهرها صفة على نفي الصفة، بل وجدت عنهم من الآثار التي تقرر النصوص وثُثبت الصفات وتُصرح بمنافاة قول المتأولين والمعطلين ... فهذه الشبهة التي أوردها قد انقلبت عليه، وهي من أعظم الحجج القطعية على صحة مذهب المثبتة للصفات المانعين عما يُضادها من التأويلات، إذ جميع الصحابة قد ثبت عنهم بأنواع الثابت من المنقولات إثباتُ صفة العلو وغيرها من الصفات، بالنصوص الصريحة التي لا تحتمل خلاف ذلك، ولم يُنقل عن أحد منهم تأويلٌ يخالف ذلك بما يخالف الظاهر. فالمتأول بما يخالف الظاهرَ مع أنه مبتدع لهذه التأويلات، فهي بدعةٌ مخالفةٌ لإجماع السلف، لا بدعةٌ مسكوت عنها.
وإن كان المراد بقوله "السلف" التابعين فلا أعلم أحداً من التابعين تأوّل شيئا من النصوص التي ظاهرها الصفة، بل القول فيهم كالقول في الصحابة.
الوجه الثاني: أن المنقول عن الصحابة والتابعين من إثبات الصفات وتقرير النصوص الدالة عليها لا يُحصيه إلا الله، فكيف يُترك المنقولُ بالتواتر ويُدَّعى ما لا حقيقة له أو يحتج بمورد النزاع؟
الوجه الثالث: أن نقله عن السلف أنهم تأولوا الأحاديث فهذا أغرب، هل يَقدِرُ أحدٌ قطٌ أن ينقل عن أحدٍ من الصحابة والتابعين أنه تأول شيئا من أحاديث الصفات؟ بل هم الذين كانوا يروونها ويحدثون بها من غير تحريف لمعناها ولا ذكر لتأويل فيها، وعنهم أخذها تابعو التابعين، ولما صار الناس في زمن تابعي التابعين يسألون عنها علماءَ ذلك الزمان من صغار التابعين مثل الزهري ومكحول، وتابعيهم مثل الأوزاعي ومالك وغيرهما، أمروها كما جاءت، ولم ينقلوا عن أحدٍ من التابعين تأويلاً لها أصلاً.
الوجه الرابع: أن هذه المسألة -أي تأويل صفات الله بالكلام العربي- تقدم من أن الصحابة والتابعين نقلوا معاني كلام الله وصفاته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا حاجة إلى أخذ معانيه من أحد.
الوجه الخامس: أن قول الصحابي في التفسير حجةً فعن الصحابة من التفسير المُثبت للصفات المبطل لتأويلات الجهمية والأشاعرة ما لا يعلمه إلا الله.

هذا ما تيسر إعداده وأعان الله عليه، والحمد لله رب العالمين.

----------------------------------------
[1]ذم التأويل (1 / 35).
[2]المصدر السابق (1/10)
[3]ذم التأويل (1 / 37).
[4]أم البراهين في الرد التفصيلي على مذهب الأشعرية والماتردية (1 / 43).
[5]شرح النووي على مسلم (3 / 19).
[6]تحريم النظر في كتب الكلام (1 / 51).
[7]شرح النووي على مسلم (6 / 36).
[8]تحريم النظر في كتب الكلام (1 / 36).
[9]عقيدة السلف أصحاب الحديث (1 / 21).
[10]الشريعة .


 

أحمد مانع الجهني
  • بحوث علمية
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية