تأثر المسلمين الأوربيين بالطرق
الصوفية وأسباب ذلك.
وأكثر المسلمين الأوربيين متأثرون
بالطرق الصوفية، والسبب في ذلك يعود إلى الأمور الآتية:
الأمر الأول:
قوة نشاط الطرق الصوفية في أوروبا، عن طريق أصحاب تلك الطرق مباشرة، أو عن
طريق الكتب المترجمة إلى اللغات الأوربية.
الأمر الثاني:
أن عند الأوربيين قلقا نفسيا وخواء روحيا وقسوة قلبية، بسبب الضغوط المادية
التي تحيط بهم في كل مكان، ولم يجدوا ما يملأ فراغ قلوبهم ويلينها في الطقوس
المسيحية، قبل إسلامهم ولا في الأديان الوثنية، وعندما يلتقون مشايخ الصوفية
أو مر يديهم الذين غالبا ما يفدون من مصر والسودان والمغرب وتركيا، بعد أن
تعمل لهم دعاية في المناطق التي سيزورونها، فيجتمعون حول الشيخ أو المريد،
فيما يسمى بالحضرة، ويأخذ في تلقينهم بعض الإذكار والأوراد المعدة عنده،
ويمكثون فترات طويلة وهم يرددونها، ويحضر مع المسلمين غير المسلمين، فيتأثرون
بالذكر والمنظر، ويشاركون في ذلك دون أن يطلب منهم الدخول في الإسلام، ثم بعد
عدد من الجلسات يزداد تأثرهم، ويدخل بعضهم في الإسلام، لأنهم يشعرون بالراحة
والطمأنينة بكثرة الذكر والعبادة، ويتناقلون ذلك فيما بينهم، ويحسون بسهولته
مع ترقيقه لقلوبهم، فيبقى كثير منهم على ذلك، ويتخلل تعليمهم بعض البدع
والخرافات، وهم يظنون أن ذلك كله من الإسلام، ويتعلقون بالشيخ تعلقا شديدا،
ويطرونه إطراء مبالغا فيه، في حياته وبعد موته، وينقلبون من ملحدين أو مثقفين
لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، إلى مؤمنين بالخرافات وما ينسب إلى الشيخ من كرا
مات، ويلقنون أسماء بعض علماء السنة كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ويسمونهم
لهم بالوهابية، ويحذرون من قراءة كتبهم وأفكارهم.
وقد زرت بعضهم في منازلهم ودكاكينهم ووجدت عند بعضهم استعدادا للحوار
والمناقشة والاقتناع.
الأمر الثالث:
أنهم قد قرؤوا في كتب المستشرقين الثناء على الطرق الصوفية والإشادة بها، قبل
أن يدخلوا في الإسلام، كما يجدون كثيرا من كتب غلاة الصوفية مترجمة إلى
لغاتهم، مطبوعة منشورة، في المكتبات التجارية، لأن المستشرقين يرغبون أن يفهم
الناس الإسلام فهما صوفيا سلبيا، يعمقون في نفوسهم المعنى الروحاني الخرافي
فقط، وليس فهما سليما إيجابيا، كما هو الحال في الكنيسة: صلة بين الفرد وربه،
لا علاقة له بتنظيم حياة البشر، لأنهم يخشون أن يفهم الداخلون في الإسلام من
الأوربيين الإسلام فهما شاملا، فيقضي ذلك على أفكارهم التي درجوا عليها من
زمن بعيد في تشويه حقائق الإسلام،ويكثر الداخلون في الإسلام، وذلك يغيظهم،
أما إذا فهموه فهما صوفيا مشابها لما هو معروف في الكنيسة، فلا عليهم أن
يدخلوا في الإسلام إن كان ولا بد من الدخول فيه، وهذا ما يرغب فيه رجال
السياسة أيضا، لأن فهم الإسلام على حقيقته يصطدم مع الفكر العلماني في أوروبا
والغرب كله.
الأمر الرابع:
أن القائمين بالدعوة الإسلامية، لا يوجد عندهم متفرغون يحاولون كسب هؤلاء
المسلمين ويعلمونهم مبادئ الإسلام من مصادره، كما أنه لا يوجد علماء كبار
يملئون عيونهم كمشايخ الصوفية الذين ينالون من الإطراء والتفخيم والدعاية
المبالغ فيها، ما لا يناله غيرهم.
الأمر الخامس:
التقصير الذي يقع فيه كثير من الدعاة، وهو أن
الرجل- وكذا المرأة-إذا دخل في الإسلام، أخذوا يشرحون له مبادئ الإسلام
العامة، كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وقد يدخلونه في أفكار سياسية واقتصادية،
وبعض المسلمين يبدءون في تحذيره من الحزب الفلاني أو الجماعة العلانية،
والمتعصبون للمذاهب يحثونه على التمسك بمذهب الإمام فلان دون مذهب الإمام
علان، كل ذلك وهو لم يذق حلاوة الإيمان والعبادة بعد، ثم يتركونه ولا
يتابعونه بتقوية إيمانه بالمحافظة على الفرائض، والقيام ببعض النوافل،
وتعليمه بعض الإذكار الواردة الصحيحة، مطلقة كانت أو مقيدة، ولهذا يصطاد هم
الصوفية ويوقعونهم في شباكهم، ويجعلونهم ينصبون العداء لمن يخالفهم.
بل إن بعضهم يتأثرون بالقاديانية، إما بحسن نية وظن أن ذلك من الإسلام كما
يقولون لهم، وإما لمشايعتهم وإعانتهم-مع علمهم بضلالهم-من أجل نشر أفكارهم،
لمحاربة الدعوة الإسلامية الحقة، وليس بخاف دعم الدول الأوربية للقاديانية
وغيرها من مذاهب الكفر والضلال ماديا ومعنويا.
وبعضهم يتأثرون بالفكر الشيعي، بسبب اختلاطهم بالشيعة وأخذهم الإسلام عن
طريقهم.
وبعضهم قد يكون من كبار المفكرين الأوربيين ويقرأ بنفسه عن الإسلام، وبخاصة
كتب الصوفية التي تكثر فيها الشطحات والأخطاء التي يمكن تأويلها وتخريجها على
معان سليمة إذا قرئت باللغة العربية، كما يفعل ابن القيم رحمه الله مع الإمام
الهروي، رحمه الله، ولكنها إذا ترجمت إلى لغة أخرى تأكد ذلك الخطأ، وأصبح عند
قارئه هو المعنى المتعين، وبخاصة إذا كان القارئ قد سبق له اعتقاد ذلك المعنى
قبل إعلانه إسلامه، فيؤيد اعتقاده السابق بما فهم من الخطأ اللاحق الذي ظنه
من الإسلام، كما وقع لرجاء جارودي في قضية الإيمان باليوم الآخر، حيث نفاه
نفيا قاطعا كما كان ينفيه يوم كان ملحدا قبل أن يعلن إسلامه، حيث قرأ في كتاب
إحياء علوم الدين-وهو مترجم-للإمام الغزالي رحمه الله قول رابعة العدوية: ما
عبدت الله طمعا في جنته ولا خوفا من عذابه.. فهذه الجملة مع مخالفتها لنصوص
الكتاب والسنة ولمنهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهمها علماء الإسلام على
معنى المبالغة في الإخلاص لله تعالى، فهي لشدة إخلاصها-في زعمها-تعبد الله
حبا لذاته، بصرف النظر عن الثواب والعقاب، ولكن جارودي أصر أن مرادها نفي
الإيمان باليوم الآخر وما فيه من جزاء وحساب وجنة ونار، وغير ذلك وقد ناقشته
في ذلك مناقشة طويلة في باريس، فأصر على نفي الإيمان باليوم الآخر، كما اتضح
أنه قد ناقشه بعض كبار العلماء، منهم الشيخ محمد الغزالي، وشيخ الجامع الأزهر
وغيرهم في ملتقى الفكر الإسلامي بالجزائر، ولكنه استمر على إنكاره ويرى أنه
على حق، وأن علماء الإسلام على باطل، مع أن الموضوع الذي أنكره هو ركن من
أركان الإيمان المعلومة من الدين بالضرورة، وقد حشدت أدلته في القرآن والسنة
حشدا لا يدع مجالا للشك فيه، وأجمعت عليه الأمة.
والسبب في ذلك أنه عندما دخل في الإسلام مع شهرته في العالم، أطر ته أجهزة
الإعلام واستدعته بعض المؤسسات الإعلامية والإسلامية في أوروبا وفي بعض بلاد
المسلمين، ليلقي محاضرات عن الإسلام، فشعر بأنه شيخ الإسلام عند المسلمين،
وأنه لا حاجة له إلى أحد يعلمه الإسلام، ويصحح له مفاهيمه الخاطئة، وكان
ينبغي أن يهتم به علماء الإسلام والمؤسسات الإسلامية، فيستضيفوه ليصحبهم في
ديار الإسلام ويستفيد منهم العلم والعمل، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم
يرشد من دخل في الإسلام من أعيان القبائل، أن يبقوا عنده فترة يتعلمون منه
مبادئ الإسلام ثم يعودون إلى قومهم يعلمونهم ما تعلموه منه، صلى الله عليه
وسلم، دون إطراء ولا مبالغة في الثناء عليه وإشعاره بأنه أصبح من علماء
الإسلام ( راجع قصة الحوار مع جارودي: حوارات مع مسلمين أوربيين: ص 195وقد
بسطت القول في الرد على هذه الشبهة في كتابي (الإيمان هو الأساس) وهو الجزء
الأول من كتاب: سلسلة (أثر تطبيق الشريعة الإسلامية في صلاح الأمة)، عند
الكلام على الإيمان باليوم الآخر، وقد أعد هذا الجزء للطبع (قد طبع والحمد
لله).
وعلى النقيض من ذلك وجدت المسلم الصالح-ولا أزكي على الله أحدا-يوسف إسلام
الذي كان من كبار الموسيقيين المشهورين في الغرب، فقد قيض الله له أن اطلع
على ترجمة معاني القرآن الكريم-ولذلك سبب مسجل عندي عندما قابلته-فهداه الله
للإسلام، فقام بإنشاء مدرسة لأبناء المسلمين، وأحاط نفسه بفئة من العلماء
المسلمين الذين يستفيد منهم
والخلاصة أن المسلمين الأوربيين يكون إسلامهم بحسب ما يسر الله لهم من
الوسائل التي دخلوا في الإسلام عن طريقها، فإن تيسر لهم من يفهمهم الإسلام
على حقيقته تمسكوا بما فهموا، وإن اتفق لهم من يفهمهم إياه على عوج أخذوا به.