محتويات الكتاب
وقد احتوى الكتاب ما
يأتي
1- تمهيد
2- ثلاثة أبواب
3- كل باب اشتمل على فصول ومباحث ومطالب
4- قد تشتمل بعض المطالب على فروع
أكتفي هنا بذكر الأبواب والخاتمة، أما الفصول والمباحث والمطالب، فسيأتي ذكرها
في مكانها، وستفصل في محتويات الكتاب.
الباب الأول: في تربية الفرد
الباب الثاني: في تربية الأسرة
الباب الثالث: في تربية المجتمع
الخاتمة وتشتمل على ثمرات التربية الإسلامية.
التمهيد:
وفيه بيان معنى الأمن، وأقسامه، وأصول الحياة الطيبة التي لا أمن للبشرية
بفقدها، ولا تستقيم حياتها إلا بها.
وفي هذا التمهيد مطالب:
المطلب الأول: معنى الأمن
المطلب الثاني:أقسام الأمن
المطلب الثالث: أصول الحياة الطيب.
المطلب الأول:
معنى الأمن
أصل الأمن طمأنينة النفس وعدم خوفها، يقال: أمن، كسلم وزناً ومعنىً.
وأمن البلد: اطمأن به أهله. [تراجع مادة: أ م ن في كتب اللغة، كلسان العرب،
ومفردات الأصفهاني، والمصباح المنير]
والمراد بالأمن هنا اطمئنان الفرد والأسرة والمجتمع على، أن يحيوا حياة طيبة في
الدنيا، لا يخافون على أنفسهم وأموالهم وعقولهم ونسلهم، من الاعتداء عليها، أو
على ما يصونها ويكملها.
وكذلك الإطمئنان على سعيهم إلى كل ما يرضي ربهم، لينالوا الأمن في الآخرة
بإحلال رضوانه عليهم، وينعموا بجزيل فضله وثوابه، والنجاة من عقابه.
هذا هو الأمن بمعناه الإجمالي: الأمن على الحياة الطيبة في الدنيا، والأمن على
نيل رضا الله وثوابه، والنجاة من عقابه في الآخرة.
(5)
المطلب الثاني:
أقسام الأمن
يتضح مما تقدم أن الأمن ينقسم قسمين:
القسم الأول: الأمن في الدنيا، وهو الاطمئنان على ضرورات الحياة، وحاجياتها
وتكميلاتها، بحيث لا يعتدي أحد على تلك الضرورات وما يتبعها، فإذا هم أحد
بالاعتداء على شيء منها وجد ما يزجره عنها من الزواجر التي وضعها الله تعالى،
من العقاب الأخروي، أو العقاب الشرعي في الدنيا.
وهذا القسم من الأمن يحرص على تحقيقه جميع الأحياء من العقلاء، لأنه محسوس
عاجل، والنفس مولعة بحب العاجل، فلا يقدم أحد على فعل يكون سببا في فقد أمنه،
إلا لسببين:
السبب الأول:
عدم علمه بأن ما يقدم عليه، قد يكون سببا في فقد أمنه، كمن يقدم على قتل نفس
محرمة فيزهقها –خفية في ظنه-ثم يُكشف أمره، فينال جزاءه وهو القصاص.
السبب الثاني:
أن يترجح عنده الإقدام
ولا يقف مكتوف الأيدي في الدفاع عن أمنه إذا أراد أحد أن يعتدي عل نفسه أو عرضه
أو ماله، فيدافع عن ذلك، حتى يقتل، سواء كان قتله في ميدان المدافعة ضد
المعتدي، أم تحت تجبر طاغية استغل قوته في قتله، لأنه يرى أن دفاعه والمحافظة
على شرفه وعزته خير من المحافظة على حياة لا يتوافر لها الأمن الحق والحياة
الحرة الطيبة.
والأمن الدنيوي
الذي يرزقه الله الأمم ، لا يدوم مع الكفر، بل يبدلها الله به الخوف والجوع
والحياة النكدة والضنك، كما قال تعالى: )وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة،
يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، فكفرت بأنعم الله، فأذاقها الله لباس الجوع
والخوف بما كانوا يصنعون( [سورة النحل: 112]
ومن الأمم التي أعطاها الله الأمن، ثم بدلها به الخوف لكفرانها، مشركو قريش،
الذين قال تعالى فيهم: )فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من
خوف ( [سورة قريش:3،4]
وعندما أصروا على كفرهم بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته لهم، أبدلهم
الله بالأمن خوفا، وبالغنى فقرا، وبالشبع جوعا، وسلط الله عليهم نبيه محمدا صلى
الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين، فأخافوهم في بدر والأحزاب، ثم دخلوا مكة
فاتحين آمنين منتصرين، وأهلها خائفون، وأيقنوا أنه لا أمن ولا طمأنينة لهم إلا
بالدخول في دين الله، ولهذا دخلوا في دين الله أفواجا، فنالوا الأمن، وأصبحوا
بدخولهم في دين الله سادة الدنيا وقادة أهلها.
هذا هو القسم الأول من أقسام الأمن في الحياة الدنيا.
(6)
القسم الثاني من
أقسام الأمن:
الأمن الأخروي:
وهذا هو الأمن الحق الذي إذا وفق الله له أمة من الأمم، فهيأ لها أسبابه،
ووقاها من موانعه، فسعت لتحقيقه، تحقق لها معه أمن الدنيا أيضا.
وأهم أسباب هذا
الأمن: الالتزام
بمنهج الله وعبادته وحده لا شريك له، وعدم طاعة غيره في معصيته، كما قال تعالى:
)وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين
من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا،
يعبدونني لا يشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون( [سورة النور:
55]
فالأمة التي تؤمن بالله وتعمل صالحا، فتعبد الله ولا تشرك به شيئا، هي الأمة
الجديرة بالاستخلاف والتمكين والأمن في الأرض، كما هي جديرة بالأمن التام يوم
القيامة يوم الفزع الأكبر، كما قال تعالى: )إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون
علينا، أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة، اعملوا ما شئتم
إنه بما تعملون بصير( [سورة فصلت: 40]
فالنجاة من النار يوم القيامة هي الأمن الحق، والذي ينجو من النار يكمل أمنه
بدخول الجنة ونعيمها وغرفاتها، كما قال تعالى: ( إن المتقين في جنات وعيون.
ادخلوها بسلام آمنين( [سورة الحجر: 45-46]
وقال تعالى: )وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا، إلا من آمن وعمل
صالحا، فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا، وهم في الغرفات آمنون( [سورة سبأ: 37]
هذا هو الأمن التام الذي لا يتحقق إلا بالخوف التام: الخوف من الله تعالى وحده،
والتوكل عليه وحده، وعدم الخوف من سواه، وهو الذي جادل به أبو الأنبياء
–إبراهيم عليه السلام- قومه، عندما خوفوه بآلهتهم، كما قال الله تعالى: ( وحاجه
قومه، قال: أتحاجوني في الله وقد هدان، ولا أخاف ما تشركون به، إلا أن يشاء ربي
شيئا، وسع ربي كل شيء علما، أفلا تتذكرون، وكيف أخاف ما أشركتم، ولا تخافون
أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن
كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون(
[سورة الأنعام: 80-82]
وبهذا يعلم أن الأمة التي تحوز الأمن التام في الدنيا والآخرة، هي أمة التوحيد
والطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها إذا سعت للحصول على الأمن في
الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما معا، بغير ذلك، فسعيها ضرب من اللعب واللهو،
كما قال تعالى: ( فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم
يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) .
ومن أجل هذا الأمن أنزل الله كتبه وبعث رسله وخلق خلقه وأعد جنته ونارهوما خلقت
الجن والإنس إلا ليعبدون( [سورة الذاريات: 156]( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً
أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدا الله ومنهم من حقّت عليه الضلالة
فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) [سورة النحل: 36].
(7)
مواقف غالب الأمم من
أسباب الأمن الحقيقي
ومع ذلك فإن
أغلب الأمم التي تدعي أنها تنشد الأمن والرخاء والاستقرار لا تسلك سبيل هذا
القسم، بل إنها لتضع السدود أمام سالكيه وتحاربهم وتصد من أراد أن يستجيب لهم،
يدل على ذلك قصص الأنبياء والرسل مع قومهم، وتاريخ الدعاة إلى الله مع الأجيال
المتلاحقة.
اقرأ قصة نوح مع قومه، وقصة إبراهيم مع قومه، وقصة هود مع قومه، وقصة صالح مع
قومه، وقصة شعيب مع قومه، وقصة لوط مع قومه، وقصة موسى مع قومه، وقصة عيسى مع
قومه، وقصة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه من الأنبياء أجمعين، مع قومه.
وتأمل تاريخ الأمم إلى يومنا هذا، لترى أن أغلب تلك الأمم تسعى-في الواقع-
جاهدة لتعاطي كل سبيل يوصلها إلى خوفها وهلاكها ودمارها، وتسد كل باب يوصلها
إلى أمنها واطمئنانها واستقرارها، على الرغم من دعواها السعي الجاد إلى الأمن
والاستقرار، ثم تتبع ما ذكر الله في كتابه من أن أكثر الناس ضالون مضلون فاسقون
كافرون غير مؤمنين، كما قال تعالى: )إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس
لا يشكرون( [سورة البقرة: 243].
وقال تعالى: ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله( [سورة الأنعام:
116]، وقال تعالى: )إنه الحق من ربك لكن أكثر الناس لا يؤمنون) [سورة هود: 17]،
وقال تعالى: ( ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً ) [سورة
الفرقان: 50]، وقال تعالى: )لتنذر قوماً ما أنذر آباءهم فهم غافلون لقد حقّ
القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون( [سورة يس: 6-7].
وتأمل كيف يستهزئ الناس الذين يفقدون الأمن بدعاة الخير والأمن من الرسل
فينالون بذلك غاية التحسر والتندم، كما قال تعالى: )يا حسرة على العباد ما
يأتيهم من رسول إلا كانوا به ستهزءون( [سورة يس: 30].
وتأمل كذلك قوله تعالى: )وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات تعرف في وجوه الذين
كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم ءاياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم
النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير( [سورة الحج: 72].
بل إن أعداء الأمن يقتلون دعاة الأمن، كما قال تعالى: )لقد أخذنا ميثاق بني
إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا
وفريقا يقتلون( [سورة المائدة: 70].
ومن هنا يتضح لنا ضرورة التربية الإسلامية التي لا يتحقق الأمن الحق في أي أمة
إلا إذا تربى أفرادها وأسرها ومجتمعها على تلك التربية الربانية.
( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) [سورة الجمعة: 2].
(8)
المطلب الثالث:
أصول الحياة الطيبة.
وهذه الأصول التي لا تكون الحياة طيبة بدونها، هي التي يسميها العلماء
بالضرورات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، وبعضهم يضيف
إليها ضرورة سادسة وهي: العرض.
هذه الضرورات إذا لم تحفظ لأي أمة، فإن بقاء تلك الأمة الحقيقي مستحيل،
وانقراضها أو ذوبانها محقق.
ولذا قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "فأما الضروريات فمعناها أنها لابد منها في
قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل
على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران
المبين" [الموافقات (2/8) بتحقيق الشيخ عبد الله دراز]
وإذا رجعنا إلى نصوص القرآن والسنة وكتب الشريعة الإسلامية وجدنا أن هذه الأصول
التي لا حياة بدونها، هي الهدف الذي يجب أن يكون نشاط الإنسان كله متجهاً لحفظه
وحفظ ما يكمله أو درء ما يضعفه.
وقد فصلت القول فيها في كتاب مستقل فليعد إليه من شاء فإنه يغني عن التطويل هنا
[راجع: الإسلام وضرورات الحياة، صدر عام 1406].