اطبع هذه الصفحة


يوم عاشوراء..فضل صومه، ومكانته في الشريعة

عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
@adelalmhlawi


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده، وبعد/
فصومُ عاشوراءِ فضيلته ظاهرة، ومكانته في شريعة الإسلام بيّنة، ومستقرّة في نفوس المؤمنين، وسأذكر هنا ثلاث عشرة مسألة متعلِّقة به:

١/
فضلُ صومه، فصوّمه يُكفّر ذنوب عامٍ مضى، قال رسول الله ﷺ :"صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"رواه مسلم.
وهذا لا شك أنّه فضلٌ عظيم على مثله يحرص المؤمن والمؤمنة، ولا يُفرّط فيه إلا محروم.

٢/
مِنْ دلائل مكانته: عنايةُ رسولِ الله ﷺ بصيامه، واهتمامه به مِنْ بين سائر الأيّام، يقول ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ) رواه البخاري.
وفي لفظٍ: (ما عَلِمْتُ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ علَى الأيَّامِ إلَّا هذا اليومَ) رواه مسلمٌ.
فتحريِ رسولُ الله ﷺ صومه، فيه الدلالة الواضحة على فضيلته الظاهرة.

٣/
أنّه يومٌ صالحٌ نجّى اللهُ فيه موسى وأهل الإيمان، وأهلك فيه رأس الكفر في زمانه وشيعته، فكان صومه شكرًا لله، وتذكُّرًا لمنّته على أهلِ الإسلام، قالَ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما-: (قَدِمَ النَّبيُّ ﷺ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَقالَ: ما هذا؟ قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ؛ هذا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى.قالَ: فأنَا أحَقُّ بمُوسَى مِنكُمْ، فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ) رواه البخاري.
فنبيُنا -عليه الصلاة والسلام- أحقُّ بموسى من اليهود، لأنّ بينهما أخوّة النبوة، والتي هي أعظم رابط، وأوثق عُروة، وهو أطوَعُ وأتْبَعُ للحق منهم، فهم قد كفروا وبدلّوا.

٤/
ومِنْ دلائل فضله: أنّ صيامه كان واجبًا قبل فرض صيام رمضان، فعن الرُّبَيِّعِ بِنتِ مُعوِّذٍ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ ﷺ أَرْسَلَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ: (مَن أصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ومَن أصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ) رواه البخاري.
فقام مقام الواجب من فريضة الصيام قبل فرضه، فدلّ ذلك على عُلِّو مكانته، ورفعة شأنه.

٥/
ومِنْ دلائل مكانته: أنّ صيامه كان موجودًا في الجاهلية، ولعل هذا من بقايا الشرائع السماوية عندهم، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالَتْ: (كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ في الجَاهِلِيَّةِ، وَكانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلى المَدِينَةِ، صَامَهُ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قالَ: مَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ) رواه البخاريُّ ومسلم.
فمكانته معلومة قبل الإسلام، ممّا يدلُّ على رفعة شأن هذا اليوم في جميع العصور، وكان رسول الله ﷺ يصومه قبل أن يُهاجر إلى المدينة، فلمّا هاجر صامه كعادته، وكذلك كان اليهودُ يصومونه، ولكنّه عزم على مخالفتهم آخر حياته بصيام يوم التاسع، لأنّه كان يُحبُّ موافقتهم في أوّل الأمر ثم جاءه الأمر بمخالفتهم.

٦/
ومِنْ دلائل مكانته: أنّ النبي ﷺ سماه يومًا من أيّام الله-تنويهًا لشرفه ومكانته- فهو يومٌ من أيّام التاريخ المجيد للإسلام، ففيه كان نجاة أهل التوحيد، وهلاك أهل الكفر، فعندما يصومه المؤمن يستحضر نصرة الله لأوليائه وهلاكه لأعدائه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ : "إنّ عاشوراءَ يومٌ من أيامِ اللهِ تعالَى" رواه مسلم.
فاستحضر مكانته وأنت متقرِّبًا لربك بصومه ليقع منك بمكان.

٧/
ومِنْ دلائل مكانته: أنّ الصحابةَ -رضي الله عنهم- كانوا يُصوّمون أبناءهم يوم عاشوراء، ففي حديث الرُّبَيِّعِ بِنتِ مُعوِّذٍ السابق: (ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، ونَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ، أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حتَّى يَكونَ عِنْدَ الإفْطَارِ) رواه البخاري.
فحريٌ بربِّ الأسرة أن يحثّ أهل بيته على صيامه، ويجتمعون سويًّا على مائدة الإفطار، ويُدارسهم فضله وتاريخه، وحفظ الله وإكرام لمَنْ أطاعه، وانتقامه ممّن عصاه، ويذكّرهم بفضل الطاعة والاستجابة لأمر الله، والتحذير من تعدّي حدوده.

٨/
ومِنْ دلائل مكانته: ما كان من الصحابة -رضوان الله عليهم- مِنْ التذكير به، والتواصي على صومه، والحثِّ على ذلك لاستقرار مكانته عندهم، فعن مالك بن أنس – رحمه الله -: بلغه: "أنّ عمرَ بنَ الخطابِ أرسل إلى الحارثِ بنِ هشام: أنّ غدًا يومُ عاشوراء، فصمْ وأمرْ أهلك أن يصوموا" رواه مالكٌ في الموطأ.
وعن قيس بن سعد بن عبادة –رضي الله عنه-: قال: "كنَّا نصومُ عاشوراءَ، ونؤدِّي زَكاةَ الفطرِ، فلمَّا نزلَ رمَضانُ، ونزلتِ الزَّكاةُ، لم نُؤمَر بِهِ ولم نُنهَ عنهُ، وَكُنَّا نفعلُهُ". وهو في صحيح النسائي.
فقوله: (وَكُنَّا نفعلُهُ) ظاهر الدلالة على استمرار صومهم له، لاستقرار فضله عندهم، وعلّوِ مكانته في نفوسهم.

٩/
السُنّةُ أن يصوم يومًا قبله مخالفةً لليهود، لقول رسول الله ﷺ: "لئن بقِيتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ التاسعَ" رواه مسلمٌ.
فدلّ هذا على أنّ صوم يوم التاسع سُنّة ثابتة.
فمن صامه فاز بأجر المتابعة للنبي ﷺ، وبأجر صيام يومين من شهر الله المحرّم، الذي هو أفضل الشهور صومًا.

١٠/
مَنْ اكتفى بصيام يوم عاشوراء فقط حاز أجر الصيام الوارد فيه، ولا يُكره إفراده بالصوم، قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله : (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ) [الاختيارات: ١٠]

١١/
في يوم عاشوراء يتضحّ لكل منصف وعاقل، الفرق بين أهل الحق، وأهل الضلال، فبينما أهل الحق يتّبعون سنن المرسلين، مِنْ التقرّب إلى ربهم بصيام هذا اليوم، واستحضار نعمته بنجاة المؤمنين، وشكره على فضله وإحسانه، إذ بأهل الباطل والهمج الرعاع يمارسون أعمال الضلالة من ضرب الأنفس، والعويل والنحيب، فشتان بين مَنْ اتّبع الذكر وأوامر الرسل، وبين مَنْ كانت أفعاله شاهدة على ضلاله وانحرافه وسوء مسلكه.
ولْنعلم أنّ قنوات هؤلاء تجتهدُ اجتهادًا بالغًا في مثل هذا الوقت في بثِّ هذا الباطل وترويجه، فينبغي الحذر منهم، وتحذير من قد ينطلي عليهم هذا الزور والبهتان، فما عُرفت هذه القنوات إلا بشتم كبار الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم؛ ردّ اللهُ كيدهم في نحرهم، وهدى عبادَه إلى طريق الرشاد.

١٢/
مَنْ الظواهر الطيبة في هذه الأزمنة: ما يحصل من التواصي على صومه، ونشر فضله ومكانته، وزاد الأمر خيرًا، نشر فضله بجميع لغات العالَم، فصار صومه ظاهرةً عالمية، وهذا يُنبئك بأهمية نشر فضائل الأعمال بجميع اللغات، ويجعلك توقن من رسوخ الخير في النفوس، فلم نكن نرى هذا الإقبال على صيامه في الزمن الماضي القريب، ولكن انظر اليوم إلى صور الصائمين في الحرمين الشريفين والمساجد والأماكن العامّة لتعلم يقينًا أنّ حبّ الطاعة هو الأصل في النفوس، فلْيجتهد الأخيار والمتاجرون مع ربهم في نشر الخير، فالاستجابة سريعة وظاهرة.

١٣/
احذرْ ممّن يُزهّدك في صيام يوم عاشوراء، وأنت ترى هذه الفضائل والمكانة له، فلا تلتفت لهم، زاعمين أنّه سُنّة لا يأثم العبد بتركها، أو يذكرون أقوالًا مهجورة، ولئن كان صيامه سُنّة إلا أنّه عملٌ صالحٌ بفواته يفوت الأجر على من تركه، فاستعن بالله، واحرص على صومه لتنال الأجر الوارد فيه.
 

وفقنا اللهُ لهداه، وجعلنا من الفائزين بفضله، المقبولين عنده.
تمت ولله الحمدُ والمنّة.
وكتبه/ عادل بن عبدالعزيز الجهني
١٤٤٦/١/٧ هـ

 

عادل المحلاوي
  • رسائل دعوية
  • مقالات موسمية
  • كتب
  • مقالات أسرية
  • خطب الجمعة
  • الصفحة الرئيسية