قبل أن نطلع على حقيقة الربا وآثاره في الناس..
لننظر أولا في حكم الربا في الشرائع السابقة كاليهودية والنصرانية، وكيف بدأ
وانتشر؟….
لقد حرم الله الربا على اليهود، وهم يعلمون ذلك، وينهون عنه فيما بينهم،
لكنهم يبيحونه مع غيرهم، جاء في سفر التثنية: الإصحاح الثالث والعشرين:
" للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بالربا".
ومنشأ هذا أنهم ينظرون إلى غيرهم نظرة استعلاء واحتقار، والتوراة وإن كانت قد
حرفت إلا أن شيئا منها بقي كما هو لم يحرف، منها تحريم الربا، لكنهم حرفوا
النص حينما أباحوه مع غير اليهودي…
والدين النصراني كذلك يحرمه، ففي إنجيل لوقا:
" إذا أقرضتم الذين ترجون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟…
ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائدتها… وإذاً يكون ثوابكم جزيلا"
.
وقد أجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها كما اتفقت مجامعها على تحريم الربا تحريما
قاطعا، حتى إن الآباء اليسوعيين وردت عنهم عبارات صارخة في حق المرابين، يقول
الأب بوني:
" إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة، إنهم ليسوا أهلا للتكفين بعد موتهم"
..
ولم يكن تحريم الربا قاصرا على أرباب الديانتين، بل كذلك حرمه من اشتهر في
التاريخ بالعلم والفهم والحكمة كبعض الفلاسفة، منهم أرسطو، وأفلاطون الفيلسوف
اليوناني الذي قال في كتابه القانون:
" لا يحل لشخص أن يقرض بربا" ..
وأما العرب في جاهليتهم على الرغم من تعاملهم به إلا أنهم كانوا ينظرون إليه
نظرة ازدراء، وليس أدل على ذلك أنه عندما تهدم سور الكعبة وأرادت قريش إعادة
بنائه حرصت على أن تجمع الأموال اللازمة لذلك من البيوت التي لا تتعامل
بالربا، حتى لا يدخل في بناء البيت مال حرام، فقد قال أبو وهب بن عابد بن
عمران بن مخزوم: " يا معشر قريش لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا، لا
يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس" ..
وإذا كان الأمر على هذا النحو، وأصحاب الديانات كلهم يحرمون الربا، كيف إذن
بدأ وانتشر في العالم؟..
لقد كانت الجاهلية تتعامل بالربا مع قبل
الإسلام، فجاء الإسلام وحرمه كما هو معلوم بالنصوص، وسد كل أبوابه ووسائله
وذرائعه ومنافذه، حتى ما كان فيه شبهة من ربا منعه وحرمه، كمنعه عليه الصلاة
والسلام من بيع صاعين من تمر رديء بصاع من تمر جيد ..
فامتثل الناس لذلك، وتلاشى الربا، وحل محله البيع والقرض الحسن والصدقة
والزكاة..
وكما قلنا كانت أوربا التي تدين بالنصرانية تحرم الربا وتنهى عن التعامل به،
أما اليهود ـ والذين كانوا يمتنعون من التعامل بالربا فيما بينهم ـ كانوا
ممنوعين من التعامل به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيه..
لكن ومنذ أواخر القرن السادس عشر ميلادي بدأت أوربا بالتمرد على هذا الحكم
الإلهي..
ففي عام 1593م وضع استثناء لهذا الحظر في أموال القاصرين، فصار يباح تثميرها
بالربا، بإذن من القاضي، فكان هذا خرقا للتحريم..
ثم تبع ذلك استغلال الكبار لنفوذهم، فقد كان بعض الملوك والرؤساء يأخذون
بالربا علنا، فهذا لويس الرابع عشر اقترض بالربا في 1692م، والبابا بي التاسع
تعامل كذلك بالربا في سنة 1860م.
كانت تلك محاولات وخروقات فردية..
لكن الربا لم ينتشر ولم يقر كقانون معترف به إلا بعد الثورة الفرنسية،
فالثورة كانت ثورة على الدين والحكم الإقطاعي والملكي..
وكان من جملة الأحكام الدينية في أوربا كما علمنا تحريم الربا، فنبذ هذا
الحكم ضمن ما نبذ من أحكام أخر، وكان لا بد أن يحصل ذلك، إذ إن اليهود كانت
لهم اليد الطولى في تحريك الثورة الفرنسية واستغلال نتائجها لتحقيق طموحاتهم،
من ذلك إنشاء مصارف ربوية، لتحقيق أحلامهم بالاستحواذ على أموال العالم،
وجاءت الفرصة في تلك الثورة، وأحل الربا وأقر:
فقد قررت الجمعية العمومية في فرنسا في الأمر الصادر بتاريخ 12 أكتوبر سنة
1789م أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون.
صدرت فرنسا التمرد على الدين وعزله عن الحياة إلى كل أوربا، ومن ذلك التمرد
على تحريم الربا، وقد كان اليهود في ذلك الحين من أصحاب المال، وبدأت الثورة
الصناعية، واحتاج أصحاب الصناعات إلى المال لتمويل مشاريعهم، فأحجم أصحاب
المال من غير اليهود عن تمويل تلك المشاريع الحديثة خشية الخسارة..
أما اليهود فبادروا بإقراضهم بالربا، ففي قروض الربا الربح مضمون، ولو خسر
المقترض، وقد كانت أوربا في ذلك الحين مستحوذة على بلدان العالم بقوة السلاح،
فارضة عليها إرادتها، فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في إرادتها كان معنى
ذلك السيطرة والتحكم في العالم أجمع، ومن ثم فرضوا التعامل الربا على جميع
البلاد التي تقع تحت سيطرة الغرب، فانتشر الربا وشاع في كل المبادلات
التجارية والبنوك، فاليهود كانوا ولا زالوا إلى اليوم يملكون اقتصاد العالم
وبنوكه..
إذن.. اليهود هم وراء نشر النظام الربوي في العالم، وكل المتعاملين بالربا هم
من خدمة اليهود والعاملين على زيادة أرصدة اليهود ليسخروها في ضرب الإسلام
والمسلمين وكافة الشعوب..
انتشر الربا وانتشر معه كافة الأمراض الاقتصادية والسياسية والأخلاقية
الاجتماعية..
نبذة عن نشأة المصارف والبنوك:
المصارف جمع مصرف، وهو يطلق على المؤسسات التي تخصصت في إقراض واقتراض
النقود، وتسمى أيضا بالبنوك..
ولفظ البنك مشتقة من اللفظة الإيطالية "بنكو" أي مائدة، إذ كان لكل صيرفي في
القرون الوسطى مائدة يضعها في الطريق عليها نقود يتجر فيها، وقد كان معظم
الصيارفة من اليهود، وصناعة الصيرفة ترجع إلى العهد الذي نشأت فيه العلاقات
التجارية بين الجماعات البشرية..
وقد عرف البابليون والإغريق والرومان علميات البنوك، وبوجه عام كان الطابع
الغالب على وظيفة البنوك في العصور القديمة حفظ الودائع الثمينة والنقود
والمحصولات الزراعية، بالإضافة إلى الحوالات المالية..
فقد صارت البنوك على مر الأيام مكانا آمنا لحفظ المدخرات من ذهب وفضة وجواهر
ثمينة نظير أجر معين، وكان هؤلاء الصيارفة يعطون كل من يودع شيئا من المال
سندات فيها توثيق الودائع، تستخدم في سحب ما يحتاج إليه من نقود..
ثم تطورت العملية فبدأ هؤلاء التجار المودعون يتداولون هذه السندات بينهم في
البيوع ووفاء الديون وتصفية الحسابات، لأن تداولها أخف من تداول الذهب
والفضة، شعر الصيارفة بوجود المال الكثير في صناديقهم..
وقد ألف المودعون التعامل بالسندات قبضا وتسليما، والمال باق عند الصيارفة
لفترات طويلة، قلما يأتي مودع يطلب نقوده، ففكروا في استغلالها والانتفاع بها
بأنفسهم، فبدءوا يعطونها الناس قروضا بفائدة، ويتصرفون فيها، وكأنهم
أصحابها..
وهكذا أصبح الصيارفة يأخذون على الذهب المودع أجرين: أجر على الحفظ، وأجر
مقابل القرض، فلما تطورت هذه العملية وأصبحت السندات تقوم مقام الذهب في
المعاملات..
بدأ الصيارفة يقرضون الناس السندات الورقية بدل أن يقرضوهم ذهبا..
وبهذه الطريقة تضخمت ثرواتهم التي لم تكن في أصلها إلا أموال المودعين،
وبدؤوا يدفعون فائدة للمودعين لإغرائهم بالإيداع، وتحولت عملية الإيداع إلى
علمية إقراض..
وبذلك أصبح دور الصيارفة هو التوسط بين الأشخاص الذين لديهم أموال لايمكنهم
استثمارها بأنفسهم، وبين الأشخاص المحتاجين إلى أموال لتثميرها ويستحلون
الفرق بين الفائدتين..
وبتطور التجارة وأشكالها تعددت أعمال المصارف وأنواعها، فمنها المصارف
التجارية، وهي التي تمارس جميع الأعمال المتصلة بالتجارة، وتتميز عن سواها من
حيث استعدادها لقبول الودائع النقدية من الأفراد أو الشركات وتخويل المودع حق
السحب عليها.. وهناك المصارف الزراعية والصناعية والعقارية، وهي التي تقرض
نظير فائدة، ولا تستقبل الودائع النقدية.
هذا باختصار حقيقة المصارف.. وفي المرة القادمة إن شاء الله نتطرق إلى صور
الربا..