زعم من زعم: أن السلفية أهانت المرأة ؟..
فمن السلفية ؟.. وكيف أهانوا المرأة ؟..
يطلق اسم "السلفية" على من رضي نهج الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم في
تفسير نصوص الشريعة، واتبعوهم على ذلك، امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه
وسلم حيث قال:
( أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي
فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا
بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل
بدعة ضلالة).
وخشية أن يكونوا من الفرق الهالكة، وطلبا أن يكونوا من الفرقة الناجية، لقوله
صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين
وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار
وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تَجارى بهم تلك
الأهواء كما يتجارى الكلَب لصحابه، وإنه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)
.
والجماعة أصلها ورأسها الصحابة رضوان الله عليهم، ثم القرون التالية لقرنهم
إلى قرنين، فهم خير الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم
الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم إن بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون،
ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) ..
ومنطق العقل يقول: المبرزون في أي فن، والمختصون في أي علم، هم أعلم الناس
بفنهم من غيرهم، وهم أحق الناس بالفتوى في اختصاصهم، وفي أمور الشريعة
فالصحابة رضوان الله عليهم هم المبرزون المختصون فيها، ثم من جاء بعدهم من
القرون التالية لهم، وكلامهم تبعا لهذا التميز مقدم على من سواهم، فالله
تعالى رضيهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما كان ليختار لأفضل أنبيائه
إلا أفضل الأصحاب، ثم كتب لهم الرضى في كتابه، فقال تعالى:
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله
عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز
العظيم}.
فكل الدلائل العقلية والنقلية توجب اتباع فهم الصحابة رضوان الله عليهم
لمسائل الشريعة..
من هذا الأساس انطلقت السلفية، فهو أساس صلب محكم، لا يجرء على التلاعب به
أحد، وسواء سميت "سلفية" أو غير ذلك، فكل من اتخذ هذا الأساس فهو يمثل حقيقة
الإسلام، كما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
تلك هي السلفية، والسؤال التالي: كيف أهانت
السلفية المرأة ، في زعم من زعم؟!..
من السهل إطلاق الدعاوى، لكن من الصعب
إثباتها، إذا لم تقم على واقعة صحيحة، ودعاوى أولئك الزاعمين تقوم على أن
السلفية :
-
تفرض قوامة الرجل على المرأة.
-
وترى أن الأصل في المرأة أن تقر في بيتها، فلا تخرج إلا لحاجة، وتبعا لذلك
ليس عليها أن تقوم بمهام الرجال، من السعي والعمل والنفقة.
-
وترى وجوب ستر المرأة كافة بدنها، بما في ذلك الوجه والكفان.
هذه هي القضايا التي يزعمون أنها تهين المرأة،
وعكسها عندهم إكرام للمرأة:
- أن
تكون بلا ولي، يقوم على شئونها وصونها.
- وأن
تسعى كالرجل في العمل، معه جنبا إلى جنب، تنفق على نفسها، وتقوم على شئونها.
- أن
ترمي بالحجاب، وتكشف الوجه، وتقابل من شاءت من الرجال الأجانب.
إكرامها عند هؤلاء:
أن تكون علاقتها بالرجال الأجانب من غير حاجز
ولا حجاب....
هذا باختصار كل ما يريدون..
وهذا في نظرهم إكرام للمرأة، ومنع ذلك امتهان ؟!!.
فأي الفريقين أهدى سبيلا؟، وأي الفريقين أحق أن يتبع؟، وأي الفريقين خير
مقاما وأحسن نديا؟
كيف يكون تقرير قوامة الرجل، ودعوة المرأة
للقرار في بيتها، والتزامها بالحجاب: إهانة للمرأة؛ وما هي إلا أوامر
إلهية؟!!....
قال الله تعالى:
-
{الرجال قوامون على النساء}.
-
{وقرن في بيوتكن}..
-
{وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب}.
هذه نصوص صريحة في هذه الأحكام، لا مرد لها، فمن سمعها، وعرف معناها، ثم ادعى
بعد ذلك أنها إهانة للمرأة، فقد زعم أن الله تعالى قد أهان المرأة، لا أقول
السلفية..
وبعضهم يصرح بهذا، ويفتري على الله تعالى الكذب، فيصف الإسلام بظلم المرأة،
بعدما تيقن أن هذه هي أحكام الإسلام في المرأة، ولا دافع لها، وهذا على شناعة
ذنبه، إلا أنه أقل خطرا من الذي يزعم أنه مسلم، وأنه يحب تعاليمه، ويؤمن بها،
ويتبعها، ثم يحرف الكلم عن مواضعه، فيرد كل حكم من الأحكام الآنفة بتأويل
وتحريف، وإذا لم يجدوا لذلك سبيلا قالوا:
الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وتلك الأحكام كانت في زمن يناسبها مثل
تلك الأحكام، لكن اليوم تغير كل شيء، وتبعا لذلك وجب تغير الأحكام المتعلقة
بالمرأة، في القوامة والقرار والحجاب!!.
وما قولهم إلا كقول أسلافهم:
أن الإسلام لا يصلح لهذا العصر، عصر الحضارة
والمدنية، إنما يصلح لعصر البداوة والبدائية..
لكن بتلطف، فأولئك نبذوا الإسلام صراحة من غير تخفٍ، أما هؤلاء فينبذونه على
استحياء ومكر، لا يجرءون على التصريح بمقالة أسلافهم، وإن كانت تظهر أحيانا
في فلتات ألسنتهم.
لم يكن ما ذكره الفقهاء في مسألة: "تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان" سبيلا
لهدم الإسلام بهذه القاعدة، كما يفعل هؤلاء، الذين أساءوا تطبيق هذه القاعدة،
فلم يفهموها على وجهها، أو تعمدوا إساءة الفهم، فإنهم أرادوا بها تعطيل
الشريعة بالكلية، وعلى مقتضى دعواهم فلن تبقى شريعة الله كما أنزلت، فكلها
ستحرف تحت دعوى العمل بهذه القاعدة، وهذا ما ينطقون به:
فلا قوامة، ولا حجاب، ولا قرار، ولا حدود، وكذا حرية تغير الملة، ولو كان من
الإسلام إلى غيره، وحرية التعبير، ولو بالكفر وسب الله تعالى ودينه وكتابه
والأنبياء..
كل هذه أمور جائزة مشروعة عندهم، ولأنهم يعملون أنها تصادم الشريعة مباشرة،
وتطعن في قلبها، سارعوا إلى قاعدة: "تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان"،
ليسلموا من اتهامهم من المروق من الإسلام، وليخدعوا المساكين، فيضلونهم عن
دينهم بغير علم، قال تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس
بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}..
فهم بهذا يضلون الناس، ويفترون على الله الكذب، فهم بذلك ظالمون…
وحقيقة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، ليس كما زعموا أن معناه تعطيل
أحكام الشريعة لأجل الزمان والمكان، إنما المعنى أن كل حكم شرعي له شروطه،
فإذا تحققت الشروط، وجب إقامة الحكم، عند القدرة عليه، فإذا تخلف شرط، أو
امتنعت القدرة، لم يعمل بالحكم، لأنه شروطه ناقصة..
كالذي لا يستطيع الصوم، يسقط في حقه الصوم، لأنه فقد شرطا من شروط الصوم، وهو
القدرة، هذا كل ما في الأمر.. والملاحظ هنا أمران:
- أن
الفتوى تغيرت في حق شخص، لا في حق العموم.
- وما
كان من تغير في الفتوى لعذر فإنه محدود بمدة، فإذا زال العذر رجع الحكم.
فأمر بالصوم إذا زال المانع من الصوم.. وهذان الأمران يخالف فيه مدعي العمل
بهذه القاعدة، فهم عندما يقول بها، فإنما يقصدون ترك العمل بالحكم الشرعي
بالكلية دائما، ولعموم من في الأرض..
وهم يستدلون بحكم عمر في سهم المؤلفة قلوبهم، ومثله، على دعواهم الخطيرة، في
تبديل وتعطيل أحكام الشريعة، وهو استدلالهم يفتقر إلى الفهم، لأن عمر لما منع
سهم المؤلفة قلوبهم، لم يعطل حكما شرعيا، إنما حكم بأن سهم المؤلفة كانت تعطى
عند ضعف المسلمين، فلما قوي المسلمون لم يعد من داع لمثل هذا العمل، فهو في
الحقيقة أعمل النصوص في هذا الحكم في محلها، فإعطاء السهم للمؤلفة كانت لعلة
تقوية المسلمين، فلما قوي المسلمون زالت العلة.. وهذا لا يسمى تعطيلا ولا
تبديلا لحكم الشارع، إنما الحكم فقد علته فامتنع من التنفيذ..
فأين هذا من إلغاء القوامة، وأمر المرأة
بالقرار في البيت، والحجاب ؟..
وأين هي الشروط المفقودة غير الموجودة في القوامة حتى لا تطبق ؟..
وأين هي الشروط المفقودة غير الموجودة في القرار حتى لا يطبق ؟.
وأين هي الشروط المفقودة غير الموجودة في الحجاب حتى لا يطبق ؟..
بل كل الدلائل والحوادث والأخبار لتثبت اليوم بيقين، أن الأمور ما خربت إلا
بعد أن رفعت قوامة الرجل للمرأة، وأن المرأة ما أهينت إلا بعد أن تركت القرار
في بيتها، وأن الفتن والفساد لم ينتشر إلا بعد السفور والتبرج، أي أن كل
المصالح تعطلت جراء ترك ما أمر الله تعالى به، مما يعده هؤلاء الزائغون إهانة
للمرأة، والمفاسد ما حصلت ووقعت إلا بعد أن وقع ما يعده هؤلاء المرضى إكراما
وتقديرا للمرأة…
وفيما يأتي سنذكر بالدلائل النقلية والعقلية
أن إكرام المرأة وتقديرها واحترامها إنما يكون :
-
بقوامة الرجل عليها.
-
وبقرارها في البيت.
-
وباحتجابها عن الرجال..
وأن إهانتها إنما يكون بعكس ذلك..
قال الله تعالى مبينا تمايز الذكر والأنثى،
وفضل الذكر:
-
{وليس الذكر كالأنثى}..
-
{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء
نصيب مما اكتسبن}..
-
{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من
أموالهم}..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبشرا
المرأة في رضاها بقوامة وليها:
-
( إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة
بإذن ربها) .
وقال تعالى في وجوب القرار على المرأة،
ولزوم الحجاب:
-
{وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى}..
-
{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل
القرار ووجوب الحجاب:
-
( إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها
وهي في قعر بيتها) .
وقال الله تعالى لأجل ألا يفتتن
الرجال بالنساء، ولا النساء بالرجال:
-
{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما
يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن..}..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-
( ماتركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) .
من مشكاة النبوة ننطلق، في تقرير وضع المرأة
في المجتمع المسلم، من غير ظلم ولا هضم، ولا هوى نفس، فليس نحن الذين قرر وضع
المرأة، وحقوقها، وواجباتها، إنما الله جل شأنه، هو رب كل شيء، وهو أعلم بكل
شيء، فهو حكم إلهي، وإنما نحن مبلغون، لا أكثر ولا أقل..
والنصوص الآنفة توضح الفرق بين الذكر والأنثى: {وليس الذكر كالأنثى}..
وفي هذا نقض كلي لعبث المفتونين، حين يعملون على تقرير المساواة التامة بين
الذكر والأنثى، فالشرع يكذب ذلك، والعين تكذب، والطب يكذب، والواقع والتجربة
كذلك، فلا الذكر يساوي الأنثى، والأنثى يساوي الذكر، بل كيانان مختلفان، وعلى
ذلك ينبني وجوب اختلاف الوظائف الواجبات:
- الـقــوامـــة..
أول شيء نبدأ به القوامة:
الله تعالى خلق الذكر في قوة وشدة
وحزم، وخلق الأنثى في ضعف ولين وهو في الخصام غير مبين، وقضى باجتماعهما:
-
في هذه الدنيا..
-
وفي البيت..
لتتحقق بذلك الحكمة من الخلق..
هذا الاجتماع لابد فيه من رئيس ومرؤوس، وإلا تعطلت المصالح وظهرت المفاسد،
وهذا لا يحتاج إلى تدليل:
فكل اجتماع لا يقوم، ولا يتم، ولا ينتج، إلا بالنظام، والنظام لا يتم إلا
بحاكم يُمتثل أمره، وإلا فالفوضى واقعة..
ولأجل ذا:
-
ما من بلد، ولا قبيلة، ولا دائرة، ولا مؤسسة ، إلا ولا بد لها من حاكم، يسمع
له ويطاع ، لا يخالف في هذا البُدّ إنسان،..
-
وكذلك الحكم في البيت والأسرة، فهو كيان مصغر، لكنه يحتاج، مثل كل كيان كبير،
إلى رئيس يحكم ويطاع، ورعية تطيع وتخضع، وإلا انحل نظامه..
وهذا كحال السموات والأرض، لايصلح شأنهما إلا بإله واحد، قال تعالى:
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}..
وهذه حقيقة قررها القرآن في السموات والأرض، وهي كذلك في هذا الكيان الصغير
المسمى بالبيت والأسرة..
ولم يسم الرجل في بيته ربا، إلا من هذا المعنى، فهو السيد والصاحب والمالك
المطاع أمره، ومثله النبي صلى الله عليه وسلم بالراعي ومن في البيت رعية،
فقال: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع، ومسئول عن رعيته، والرجل
راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن
رعيتها).
فشابه بين الحاكم ورب البيت، وجعل لكليهما مسؤولية واجبة، هي رعاية الرعية،
لنفهم أن إدارة البيت لاتتم إلا بأن تكون مثالا مصغرا لإدارة الدولة، بأن
يكون فيه رئيس ومرؤوس، مطاع ومطيع..
وإذا كان الأمر كذلك فهل المرأة قادرة على القيام بهذه المرتبة، والاستغناء
عن رئاسة (= قوامة) الرجل؟..
كل الدلائل تشير عجز المرأة عن ذلك، وإلى فقرها إلى قوامة الرجل عليها:
1- النصوص الشرعية، قال تعالى:
{الرجال قوامون على النساء بما فضل
الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت
فرجها، وأطاعت زوجها، دخلت الجنة بإذن ربها)..
فالله تعالى خلق الزوجين، وهو يعلم قدرة كل منهما، فشرع لكل منهما العمل
الملائم، وجعل الأنثى خاضعا للذكر، بأمر الله، وهذا ما يجب أن يتضح:
فالقوامة على المرأة لم يخترعها
الرجل، بل الله تعالى أمر بها..
2- طبيعة الخلقة:
فالرجل مهيأ لهذه المهمة أكثر من
المرأة، بما له من قوة العقل، وحكمة الحكم، وحزم الأمر، وهي صفات لاتدرك فيها
المرأة الرجل، حتى الطب يشهد بأن تكوين خلايا مخ الرجل أكبر من مخ المرأة،
مما يعطيه قوة في عمل العقل أكبر، وشاهدنا.. ودليلنا.. وحجتنا على ما نقول:
- ما نراه من تفوق الرجال في العلوم
والإدارة....
حتى مع إفساح المجال للمرأة أن تتعلم
ذات العلوم، وتعمل في ذات وظائف الرجال، لكنها لم تقدر على منافسته: لا في
علم، ولا في إدارة؛ والمرأة تدرك ذلك كله، بل وتقر بذلك، إلا من خدعت بزخرف
قول المدعين نصرتها، الذين دفعوها إلى ما لا يناسب فطرتها، لكن كثيرا من
هؤلاء أيضا يعلنّ، بعد التجربة والمحن والفتن:
- أنهن لم يخلقن إلا للبيت، وأن يكن
تحت رعاية الرجل، وأنهن لايقدرن على تصريف أمورهن بدونه...
وتجربة المرأة في الدول التي ألغت ولاية
الرجل، بسن القوانين التي تفرض وتعطي الفتاة إذا بلغت سنا معلوما، الحق أن
تفعل ما تشاء، وحرمانها من ولاية وليها الشفيق: أبا كان أو أخا، الذي كان
يحوطها بصدق، ويصونها برحمة، من ذئاب ليس في قانونها سوى اغتيال العفة، وهتك
الحرمة..
أقول:
تجربة المرأة في تلك الدول خير شاهد على الحكمة الإلهية في فرض القوامة، فإن
المرأة إذ خلقت فقيرة إلى رجل يحوطها، ويقوم على شئونها لضعفها، لما خرجت عن
قوامة وليها، صارت تحت قوامة الأجانب، تخلصت من قوامة من لايطمع فيها، لتصير
تحت قوامة كل طامع، نبذت قوامة رجل واحد، فصارت تحت قوامة رجال لا يعدون،
كلهم لا يرقبون فيها إلاً ولا ذمة، فلم تجن إلا الشوك.
نخلص من هذا:
- أن القوامة؛ ليس فيها إهانة ولا
ظلم، فالله تعالى هو الذي شرع، وهو لا يظلم..
وعلى ذلك: فمن يدعو إلى قوامة الرجل على المرأة، إنما يدعو إلى إعزاز المرأة
وتكريمها، لا إهانتها.
إنما الذي يهينها:
ذاك الذي يدعو إلى تمردها على أمر
الله تعالى برفضها لقوامة وليها، باسم المساواة، واحترام المرأة، وحقوقها؛..
هذا الذي يسعى إلى إهانتها حقا.!!…
- من الذي يهين المرأة؟..
أذلك الذي يعمل فيها بأمر الله تعالى، فيدعو وليها إلى رعايتها وصونها
والقيام على شئونها، ويأمره أن يسعى في قوتها، فيكفيها حاجاتها، ويمنعها من
كل محتال، وتكون همه حتى آخر يوم في حياته؟..
أم ذلك الذي يدعو إلى تعطيل حكم الله فيها، فتخرج لتقوت نفسها، وترعى شئونها
بنفسها، لتسكن وحدها، وتسافر وحدها، يتعرض لها في وحدتها، وغياب من يحرسها،
كل طامع متجرد من الإنسانية، لايقدم لها خدمة إلا بمقابل ينتهك كرامتها؟..
- من الذين يهين المرأة؟..
أذلك الذي يقول لها الحقيقة كما هي: المرأة أضعف من الرجل، ولاتقدر على
الحياة إلا في ظل رجل يخاف الله فيها، ولن يكون أحد كذلك أكثر من أبيها
وقريبها، فخير لها أن تبقى في ولايته..
يقول لها ذلك، ولو كان فيه التصريح بكونها أقل مرتبة من الرجل، بمقتضى الخلقة،
فهي الحقيقة، وهي من أمر رب العالمين وخلقه، ليست من صنع البشر..
ثم إن هذا التفضيل يحمل معه التكاليف، من سعي، وبذل المال، والنفس، من أجل
هذا المفضول، كما قال بعضهم:
كتب القتل والقتال علينا *** وعلى الغانيات جر الذيول
وليس على المرأة شيء من ذلك، فلا عليها إلا أن تجلس في بيتها، وعلى الرجل أن
يقوم بكل حوائجها كالخادم تماما، نعم فضل الرجل، لكن المرأة كذلك فضلت بقلة
ما عليها من واجبات وتكاليف تبعا لذلك، فهذه بهذه، والله أرحم بعباده.
فهل من يقول الحقيقة يهين المرأة، أم ذلك الذي يخفي الحقيقة، ويخدع المسكينة،
ويزعم أن لها، ما ليس لها، وأنها تقدر، وهي لاتقدر، ويزج بها فيما لا تحسنه،
لتفرط فيما تحسنه، كل ذلك إرضاء لنزواته، وليرى الفتنة في كل مكان، ويحول
العالم من حوله عريا، وعلاقات آثمة، تكون المرأة فيها السلعة، والدعاية،
والإعلان، والواجهة لكل صفقة، والوسيطة للإغراء؟..
أيهما الذي يهين المرأة؟..
هذا، أم ذاك؟..
- الـــقــرار في البيت:
ارتبط الإنسان بالعمل، به يحصّل الضروريات
والحاجيات، وبه يعد وينظم أموره، فالعمل:
نشاط وحركة منظمة: ذهنية وعملية، ينتج عنها ما يفيد الإنسان في معيشته وحياته
وللإنسان مركز يستقر فيه ويستعد، لينطلق منه إلى حاجاته وأعماله، هو البيت،
ذلك المكان الذي يمكث فيه جلّ يومه، وهو يحتاج إلى تهيئة وتنظيم، وبهذا نفهم
أن عمل الإنسان منحصر في هذين:
-
في البيت، الذي فيه سكنه، واستقراره.
-
خارج البيت، حيث يسعى في الرزق.
والعمل ضروري في كلا الحالتين، وكل من الرجل والمرأة لهما قدرات معلومة
محدودة..
فأيهما يصلح لعمل البيت، وأيهما يصلح للعمل خارجه؟..
وحسما للجدل نقول: هل يصلح الرجل لعمل
البيت؟..
سيأتي الجواب سريعا:
لا يصلح الرجل لعمل البيت؛ وهذا مما يتفق عليه العقلاء، بدليل أنا لم نسمع من
نادى به، بل لم يخطر ببال أحد أن ينقلب الرجل في بيته كانسا، صانعا للطعام،
غاسلا للأواني، يرعى الأطفال، يغسل ويكوي، قد يقبل أن تكون هذه وظيفته خارج
البيت، أما فيه فلا.
إذا كان كذلك، وقد شهد الشهود أن الرجل ليس عليه عمل البيت، فهي شهادة تتضمن
شهادة أخرى: أنه لايصلح لعمل البيت إلا المرأة؛ فليس ثمة إلا رجل أو امرأة،
وعمل في البيت، وعمل خارجه، فإذا لم يصلح الرجل لعمل البيت، لم يبق إلا
المرأة هي التي تصلح لذلك، وهي تقر بذلك.
لماذا كان عمل البيت على المرأة،
والعمل خارجه على الرجل؟..
ذلك يرجع إلى سببين رئيسين:
الأول:
ضعف بنية المرأة عن تحمل السعي في الأرض كل يوم، إضافة إلى ما يعتريها من
الحيض على الدوام والنفاس، يقابله قوة بنية الرجل وتحمله السعي، وهو لايعاني
الأعراض التي تعانيها المرأة.
الثاني:
المرأة فتنة الرجل، وإذا عملت خارج البيت، اضطرت للخروج الدائم، وهذا يضرها
والرجل، فكثرة ظهور المرأة أمام الرجال، يغري بها ويغري بهم، والسلامة في
الاحتجاب في البيت.
هذان السببان لهما سند من الواقع، كما أن لهما سند من الشرع.
-
أما سند الواقع في ضعف المرأة عن تحمل العمل خارج البيت فهو: التـجربــــة..
التجربة تثبت أن الزج بالمرأة في
العمل خارج البيت، تحميل لها بما لاتطيق، فهذه الإحصائيات والتصريحات كلها
تثبت أن أكبر غلطة وقعت فيها المرأة خروجها للعمل، تاركة عمل البيت..
إن نساء كثيرات بلغن مناصب كبيرة تركن العمل، وأعلن أنهن أخطأن، وأن مكانهن
البيت، والإحصائيات تقول إن نسبة عالية من النساء العاملات ترغب في الرجوع
إلى البيت، هذا مع أن بعضهن يعملن في محيط نسائي، لكن يشعرن بالتعب البدني
والنفسي والتقصير تجاه أولادهن، فكيف باللاتي يعملن في محيط مختلط؟..
ولكي يكون الكلام موثقا، إليكم بعض
هذه الإحصائيات والأخبار:
-
يقول تقرير هيئة الصحة العالمية أن كل طفل مولود يحتاج إلى رعاية أمه
المتواصلة لمدة ثلاث سنوات على الأقل، وأن فقدان هذه الرعاية يؤدي إلى اختلال
الشخصية لدى الطفل كما يؤدي إلى انتشار جرائم العنف، وطالبت هذه الهيئة
بتفريغ المرأة للمنزل، وطلبت من جميع حكومات العالم أن تفرغ المرأة لعمل
البيت، وتدفع لها راتبا شهريا، إذا لم يكن لها من يعولها، حتى تستطيع أن تقوم
بالرعاية الكاملة لأطفالها، وقد أثبتت الدراسات الطبية والنفسية أن المحاضن
وروضات الأطفال لاتستطيع القيام بدور الأم في التربية، ولا في إعطاء الطفل
الحنان الدافق الذي تغذيه به.
-
في عام 1999م شهد اليوم العالمي للمرأة نقل وقائع حفل بهيج تحتفل فيه البلاد
بتكريم المرأة السويسرية لتفانيها في أداء واجباتها المنزلية، وإخلاصها
وتحملها مشاق رعاية الأطفال وتربيتهم، وقد خصصت إحدى الشركات الكبرى جوائز
قيمة لمن يستطيع من الرجال خلال أسبوع واحد أن يتحمل ويتقن تلك المهام،
عرفانا وتقديرا لدور المرأة في هذا المجال..
أما عن بريطانيا فقد عرض التقرير دراسة علمية خلصت إلى أن الزيادة المطردة في
عدد النساء اللاتي يخرجن من بيوتهن للعمل ستترك آثارا وخيمة على نشأة الجيل
وتربيته، وأثبتت الدراسة أن أبناء الأمهات العاملات هم أكثر الأطفال إخفاقا
وارتكابا للشغب والجرائم وأكثر تعرضا للأمراض النفسية والمشكلات الاجتماعية،
ولذلك نادى الباحثون الاجتماعيون ورجال التربية والتعليم إلى تجديد مفهوم
"حقوق المرأة"، ليشمل أيضا "حقوق الطفل".. "
-
تشعر معظم النساء العاملات أن العمل أفقدهن ميزة الأنوثة والعاطفة والميل
الفطري إلى الأمومة، وقد أوضحت الاستقصاءات التي أجريت مؤخرا على النساء
العاملات في أوربا وأمريكا وكندا واليابان أن 78% منهن يفضلن البقاء في
المنزل من أجل تربية الأطفال.
-
" عصر المرأة الخارقة ولّى"، هذا ما وصفت به الصحف البريطانية ما فعله نساء
مشهورات قررن الانحياز إلى الفطرة، وتفضيل الأمومة والأنوثة على الوظائف
المجزية التي تدر الملايين، فبراندا بارنيس قررت أن تتخلى عن وظيفتها كرئيسة
تنفيذية لشركة (بيبسي كولا) وعن راتب سنوي قدره مليونا دولار، وتوصلت إلى
قناعة مفادها أن راحة زوجها وأولادها الثلاثة أهم من المنصب ومن ملايين
الدولارات، وأن المنزل هو مكانها الطبيعي الأكثر انسجاما مع فطرتها
وتكوينها..
وقبل رئيسة (البيبسي) كانت بيني هاغنيس رئيسة (كوكا كولا المملكة المتحدة) قد
اتخذت القرار نفسه، لأنها تريد أن تنجب طفلا وتصبح أما، ومثل ذلك فعلت لندا
كيسلي رئيسة تحرير مجلة (هي) المعروفة بدفاعها عن خروج المرأة للعمل، وكذلك
نساء كثيرات يشغلن مناصب مرموقة ويتقاضين أجورا عالية، براندا بارنيس أطلقتها
صريحة مدوية عندما صرحت:
" لم أترك العمل بسبب حاجة أبنائي لي، بل بسبب حاجتي لهم"..
فهل يقرأ بعض نسائنا ممن يحاولن محاكاة الغربيات هذا الكلام، ويخففن من
إصرارهن على العمل وترك بيوتهن، رغم أنهن لسن رئيسات لا لبيبسي كولا ولا
لكوكاكولا؟ .
فهذه حقائق واعترافات الأمم المتحررة التي
سبقت في مجال عمل المرأة، هاهم اليوم ينادون برجوع المرأة إلى بيتها.. فهذا
سند الواقع في بيان ضعف تحمل المرأة عن القيام بالعمل خارج البيت..
- أما
سند الشرع في بيان ضعفها عن تحمل العمل خارج البيت:
فأمر الشارع الرجل بالنفقة على يعول،
وإذ أمره بالنفقة فقد أمره بالسعي، لأن النفقة لاتأتي إلا بالعمل والسعي في
الأرض، لكن المرأة لم تؤمر بالنفقة، فليس عليها إذن سعي في الأرض للعمل..
بل الشرع لم يوجب عليها أن تنفق على وليها الفقير لو كانت غنية، إلا هبة أو
صدقة..
فإذا لم يكن عليها أن تنفق على أحد، وليس عليها أن تعطي أحدا من مالها إلا
فضلا، فكيف يوجب عليها العمل والسعي في تحصيل الزرق؟!!..
إن هذا يناقض الفطرة، ويقلب التشريع.. فعلم من هذا أن التشريع مبني على قيام
الرجل بالعمل، بالسعي في الأرض، ومكث المرأة في بيتها تقوم بشئونه، ليس عليها
عمل خارجه إلا تفضلا..
- أما
عن سند الواقع في فتنة الرجل بالمرأة..
فهذا أشهر من أن يدلل عليه، فكل الناس
يعرفون ميل الذكر إلى الأنثى، والعكس، ومن الخطر الشديد التقريب بينهما بأي
وجه كان، لأن شدة الانجذاب بينهما لاتدع للعقل حكما ولاتدبيرا، بل يغيب
لتهيمن الغريزة فتفعل فعلها الذي لايرد، كما لو قرب المغناطيس من الحديد،
ولذا كل من جرب التقارب مع النساء حكم وأقر بأنه ليس في قدرة الإنسان تحمل
هذه الفتنة، وأن السلامة في البعد عن هذا الجنس إلا في حدود المباح..
ولا يلتفت هنا إلى من يريد استغفال العقول بكلام غير معقول، بادعاء أنه من
الممكن ضبط وكبح الغريزة عند التقارب مع النساء، فمثل هذا الكلام لا ينخدع به
إلا غرّ..
وإذا كان الأمر على هذا النحو، فإن خروج المرأة مدعاة كبرى للتقارب
والانجذاب، خاصة وأن دعوات خروج المرأة للعمل غايتها الاختلاط، وفي هذا تتحقق
الفتنة.. فإذا كان تعرض المرأة لنظر الرجال في كل حين مما يفسد القلوب، ويجرء
النفوس على العدوان، فكيف إذا صارت المرأة بين يدي الرجل في العمل، كل يوم،
لساعات طويلة؟..
-
وأما عند الشرع، فالنصوص التي أخبرت بأن المرأة فتنة للرجل..
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم
إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن..}..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ماتركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من
النساء) .
وبهذا تتلاءم الأدلة وتتفق: الشرعية منها،
والواقعية المبنية على التجربة؛ على خطر خروج المرأة للعمل، وأن ضرره كبير،
وفساده عريض..
وبعد: فمن الذي أهان المرأة؟..
آلذي أمرها بما يلائم فطرتها، واختصر عليها الطريق، وأثبت كلامه بأقوال
وإحصائيات تبين أهمية الرجوع والعناية بعمل البيت، كيلا تعاني كمعاناة
اللواتي جربن فندمن.
أم الذي يأمرها ويدعوها أن تكرر نفس الخطأ الذي بات يحذر منه المجربون،
ويعلنون أنه خطر على المرأة والمجتمع، ورصدوا الجوائز لتحفيز النساء للعودة
إلى بيوتهن؟.
أيهما الذي يهين المرأة.. أيها
العقلاء؟..
نعم إن العمل خارج البيت لا يصلح للمرأة، ولايصلح لها ولايلائمها إلا عمل
البيت، والعقل يقول: اعتبروا، واتعظوا بتجارب من سبق، ولا تكرروا نفس الخطأ
وذات التجربة، فقد تبين خطرها..
وكل هذه الأمم سبقت، ونطقت بالحق رغما، فبدا ساطعا تحت الشمس، لايقدر على
حجبه محتال أو مخادع أو كاذب، فما بال قومي لايفهمون؟!!..
محاولـــــة لتغــيير الأصــل !!!...
إن كون الأصل في المرأة أن تقر في بيتها، لا
يعني أن تحبس، وألا تخرج مطلقا، بل لها أن تخرج للحاجة، من تعليم وعمل ملائم
لفطرتها وخلقتها، ونزهة وترويح وزيارة ونحو ذلك، بعيدة عن الاختلاط بالرجال،
ملتزمة بالحجاب..
لكن خروجها ذلك لاينفي أن الأصل في حقها القرار، كما أن الأصل في حق الرجل هو
السعي في الأرض..
والمقصود من دعوات المنادين بخروج
المرأة هو:
قلب هذا الأصل، حتى تغدو المرأة
كالرجل تماما، خروجا وولوجا، فتتعلم كتعليمه، وتعمل كعمله، معه جنبا إلى جنب،
بلا حجاب ولا حاجز.. وتسافر بغير محرم، وتلهو مع الرجال الأجانب، وغير ذلك..
فتكون لها نفس حقوق الرجل، من غير نظر للأوامر الشرعية التي فرقت بينهما، ومن
غير نظر إلى اختلاف الخلقة والوظائف..
وهذا ما نحذر منه..
فينبغي على الجميع أن يفهم ويدرك حقيقة الدعوة إلى خروج المرأة، وحقيقة
الدعوة إلى قرارها في البيت.. كي يحدد كل موقفه، ويدرك موقعه أين يكون:
هل هو مع دعاة الخروج، دعاة قلب الأصل، والانتكاس بالفطرة، وتعطيل الحكم
الإلهي؟..
أم مع دعاة القرار، دعاة الالتزام بالأصل، والتلائم مع الفطرة، والعمل بالحكم
الإلهي؟..
فأكبر مشكلة تواجه دعاة الإصلاح عدم فهم كثير من الناس لحقيقة الصراع بين
دعاة تحرير المرأة، ودعاة الحفاظ عليها، للتزوير والتلفيق والخداع الذي يلجأ
إليه دعاة التحرير، يلبسون الحق بالباطل، فيغتر بكلامهم من لم يفهم حقيقة
كلامهم وحالهم..
فليس الكلام في حق المرأة أن تتعلم،
أو تعمل، أو تقضي حاجاتها، هذا أمر مفروغ منه:
-
فلها أن تتعلم ما يلائمها، والذي يلائمها هو الذي يوافق فطرتها وخلقتها،
ويوافق ولا يخالف وظيفتها التي تميزت به: الأمومة، وعمل البيت..
-
ولها أن تعمل في بيتها، وفي خارج بيتها: في عمل يوافق فطرتها وخلقتها، ولا
يخل بوظيفتها التي تميزت به: الأمومة، وعمل البيت..
-
ولها التنزه والترفه مع أهلها ومحارمها..
وشرط التعلم والعمل والتنـزه :
الحفاظ على الحجاب، والبعد عن الرجال
وليس الكلام في أن تخرج لتبتاع وتشتري، وتزور قريباتها وصديقاتها، إذا التزمت
الحجاب، وابتعدت عن الفتنة.. وكذا كل ما يكون من حاجتها الأساسية إذا خرجت
بالشروط المذكورة آنفا..
إنما الكلام والإنكار على من يريد
تغيير الأصل:
فتخرج المرأة كخروج الرجال تماما، بلا
فرق، حتى تمتليء الشوارع بالنساء، كما يمتليء بالرجل:
فترى المرأة التي تقود السيارة، وتعمل في محطة البنزين، وفي الدكان تبيع، وفي
الاستقبال تستقبل نزلاء الفنادق والمستشفيات، وتباشر خدمة الرجال، وتعمل في
تنظيف الطرقات والممرات وغرف الفنادق، وكذا سكرتيرة، وموظفة، ونجارة، وسباكة،
وكهربائية، وسائقة شاحنة، وفي الورشة، وكذا تلهو وتتنـزه في الملاهي، وتأكل
في المطاعم، وتجلس في الطرقات، وتجري في الملاعب، وتمارس الرياضة…
كل ذلك وغيره أمام أعين الرجال؟!!.
فكل هذا إذا حدث فقد انتقض الأصل، وهذا الخطر، وما ألزم الشارع المرأة بهذا
الأصل إلا للحفاظ على حجابها وبعدها عن الرجال، إضافة إلى لتهيئتها للقيام
بعمل البيت من الأمومة والتربية والترتيب..
فإذا نقض الأصل حل محله التبرج والاختلاط ولابد، وما يتبع ذلك من الفساد
والفاحشة، ولانحتاج إلى التدليل على مثل هذه النتيجة، لأن كل الأمم التي سعت
لإخراج المرأة من بيتها، وجعلها كالرجل في ذلك، ذاقت الفحشاء، وانتشر فيها
المنكر..
وأي محاولة لوضع خطوط فاصلة تحد من الاختلاط والتبرج مع إلغاء العمل بالأصل،
بخروج المرأة من بيتها كخروج الرجل، على الوصف الآنف: محاولة عابثة، لن تغني
ولن تسمن من جوع..
فالشارع ما وضع هذا الخط الفاصل بين مهام الرجل ومهام المرأة، وألزم كل منهما
بأصل يوافق خلقته، إلا ليكون ذلك الخط والأصل درعا وسياجا لكليهما من
الاختلال والفساد، ونقض الخط الفاصل الذي وضعه الله تعالى، وإحلال خطوط أخرى
من وضع البشر، إنما عاقبته كعاقبة إلغاء حكم الله تعالى، وإحلال قوانين
البشر:
فساد، وظلم، وضنك، والله تعالى يقول: {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}..
فإذا تبين أن هذا هو موقف دعاة الحفاظ على المرأة، دعاة القرار في بيتها،
فليس لأحد بعد ذلك أن يقلب الكلام ويلبس على الناس، فيدعي أن الدعاة وطلاب
العلم يبتغون حبس المرأة في بيتها، وألا تتعلم، ولا تعمل، ولاتزور، ولاتبتاع،
ولاتشتري.. وقد كان نساء الصحابة يخرجن ويعملن، ويتعلمن، ويبعن ويشترين..
وغير ذلك من الحجج التي ليست محل النزاع أصلا، وغرض موردها معروف لايخفى،
يتسلل بها إلى قلوب الناس، ليوهم اتباعه وعدم مخالفته للشريعة، وهو في
الحقيقة داع لقلب الفطرة، ونقض العمل بالحكم الإلهي في المرأة، وبعضهم باغ في
الأرض، يبتغي الفساد.
إن معنى القول بأن الأصل أن تقر المرأة في
بيتها؛ هو ألا تخرج إلا للحاجة، والحاجة هي التي يحصل بتركها ضرر، فإذا لم
تخرج تضررت لأجل ذلك: في دينها، أو نفسها، أو عرضها، أو عقلها، أو قوتها..ولايمكنها
أن تقضيها إلا بالخروج..
وعلى ذلك فإن من أنواع الخروج خروج
ليس له حاجة، ينافي الأصل، تذم المرأة لأجلها، مثال ذلك:
-
خروج المرأة لعمل ليست هي بحاجة ماسة إليه، إنما تخرج من باب الترف وقضاء
الوقت.
-
خروج المرأة للأسواق كل حين، وكل يوم، بدعوى الشراء، وكذا الزيارات المتكررة
الكثيرة.
-
خروج المرأة للمطاعم، فلم يكن الخروج للمطاعم يوما حاجة، وكل البيوت مليئة
بالمطعم والمشرب، فأكلها في بيتها هو المتوجب، وخروجها للمطاعم ليس وجه، وليس
من الحاجات.
-
خروجها لتمارس رياضة المشي في الشوارع، أمام الناس، وكان بمقدورها أن تمارس
هذه الرياضة في بيتها، أو إذا خرجت في نـزهة مع أهلها، في مكان لاتتعرض فيه
لأنظار الرجال، فخروجها لأجل رياضة المشي، لايدخل أبدا ضمن الحاجات.. ولو
كانت عاملة قائمة بعمل بيتها، لما احتاجت إلى رياضة أصلا..ومن هذا النوع
خروجها إلى ما يسمى بالنوادي الرياضية، فليست من الحاجات الشرعية، ويمكنها
القيام بما تريد من رياضة في بيتها.
-
خروجها إلى الملاهي التي يكون فيها اختلاط الرجال بالنساء، سواء في مكان
الجلوس، أو الألعاب، أو المطاعم، فهذا ليس من الحاجات الشرعية، كذلك هو محرم،
لما فيه من الاختلاط.
وجملة الكلام ومختصره:
أن المرأة ليست كالرجل في الخروج من
البيت، فلا تخرج إلا للحاجة، والحاجة هي ما يحصل بتركها ضرر، ولايمكن أن تقضى
وهي في بيتها، فلها أن تخرج، لكن عليها أن تحتجب، وعليها ألا تختلط بالرجال.
فإذا فهم هذا، لم نعد في حاجة إلى كثرة التفصيلات والتفريعات، وكل إنسان على
نفسه رقيب..
قد قررنا أن الأصل في المرأة هو القرار، ولا
أظن أنه يخالف في هذا الأصل فقيه، فالنصوص واضحة، وتاريخ المسلمين بين، وها
نحن نذكر النصوص المبينة المقررة لهذا الأصل:
- قال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}..
هذا نص صريح، لادافع له، في وجوب القرار، فالقرار هو اللزوم.. ثم إنه لما كان
هذا النص صريحا ادعى المدعي أنه خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا
كلما جاء حكم شرعي في المرأة، واضح ينقض دعاوى المتحررين، قالوا: هذا خاص
بزوجات النبي صلى الله عليه..
ولا ندري كيف جاءوا بهذا التخصيص؟!!..
ونحن ننقض استدلالهم، ونبطل دعوى الخصوصية من نفس الآية التي استدلوا بها على
الخصوص، قال تعالى:{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.. فالآية
تخطاب أمهات المؤمنين بأمرين:
-
تأمرهن بالقرار في البيت.
-
تنهاهن عن تبرج كتبرج الجاهلية الأولى.
فهم قد ادعوى أن الآية خاصة بالأمهات، وتبعا لذلك قالوا: القرار خاص
بهن!!!!..
فهل يدعون كذلك، أن النهي عن التبرج خاص بأمهات المؤمنين، فيؤذن لسائر النساء
بالتبرج؟!!..
لا أظن ذلك.. وهذا هو المطلوب.
فإذا ثبت أن النهي عن التبرج عام، في نص الآية، فكذلك الأمر بالقرار، سواء
بسواء، وكون الخطاب جاء في حق الأمهات، دليل مؤكد على وجوبه في حق عموم
النساء، وليس العكس، فإن الطاهرات المطهرات المصطفيات إذا كن قد أمرن بالقرار
ونهين عن التبرج، والمقصود من ذلك معلوم هو الحفاظ على طهارتهن، فعامة النساء
باب أولى، وهذا يسمى في الاصطلاح الشرعي: خطاب الأولى، وهذا مثل قوله تعالى
في حق بر الوالدين: {فلا تقل لهما أف}، فإذا نهى عن التأفف، فمن باب أولى أن
يتضمن النهي عن الضرب..
فثبت بذلك من دلالة الآية عمومها، وعلى هذا قول العلماء، قال القرطبي:
" معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله
عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء،
كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا
لضرورة" .
وقال ابن كثير: "أي : إلزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية
الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول الله: ( لا تمنعوا إماء الله مساجد
الله، وليخرجن تفلات)" .
فهذا إذن للمرأة في أن تخرج للصلاة في المسجد، لكن صلاتها في بيتها خير لها
وأعظم أجرا، عن أم حميد الساعدي أنها جاءت إلى النبي فقالت:
( يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي،
وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في
دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من
صلاتك في مسجدي) ..
وفي حديث آخر: ( ما صلت امرأة من صلاة أحب إلى الله من أشد مكان في بيتها
ظلمة) .
فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لسائر النساء من غير أزواجه، فقد تبين أن
الحكم بالقرار عام لجميع النساء، فهل لمدع أن يدعي بعد هذا: أن الأمر بالقرار
خاص بأمهات المؤمنين؟..
هذا، ومن أعظم مقاصد الشريعة في الأمر
بالقرار، هو حفظ المجتمع من الفتنة، فأعظم ما يهدده هو فتنة النساء، إذا خرجن
كن غرضا للشيطان لإفساد العيون والقلوب والجوارح، لمكانهن من قلوب الرجال،
وميلهم إليهن غريزة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن المرأة عورة، فإذا
خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها) .
حجــاب المــــرأة....
- تغطـيــة الوجـــــه:
المسألة الثالثة التي يزعم المتحررون أن السلفية أهانت المرأة بها، هي: تغطية
الوجه..
والمسألة مبنية على قول الشرع، فإن كان الشرع قد أمر بالتغطية فقد انتقض
قولهم، حيث إن الشرع لا يأمر بما فيه إهانة للمرأة، وإلا فقد صح قولهم..
فبماذا أمر الشرع المرأة في حجابها؟..
-
قال الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر
لقلوبكم وقلوبهن}.
هذه الآية نص في حجاب الوجه، وقد أجمع العلماء على ذلك، فالذي لا خلاف فيه أن
أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم مأمورات بتغطية الوجه وسائر
البدن، فالآية لاتحتمل إلا هذا المعنى..
حيث نهى الرجال عن مخاطبتهن إلا من وراء ستار يفصل، وذلك يقضي بعدم النظر إلى
شيء من بدن المرأة يدخل في ذلك الوجه..
ومع كون العلماء أجمعوا على أن الآية نص في تغطية الوجه، إلا أن فريقا ذهبوا
إلى أنها خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فهن مأمورات بتغطية الوجه
دون سائر النساء اللاتي هن مأمورات بتغطية ما سوى الوجه والكفين..
هذا القدر من الاتفاق والاختلاف لايخالف في حكايته فقيه، وعلى ذلك فتغطية
الوجه مشروع: ففي حق أمهات المؤمنين واجب عند الجميع، وفي حق سائر النساء
واجب عند فريق منهم، مستحب عند الفريق الآخر، وليس من العلماء من يقول إن
تغطية الوجه بدعة أو عادة وليست عبادة..
فبالإجمال: حكم التغطية دائر بين
الوجوب والاستحباب، لا يخرج عن ذلك..
فإذا كان الأمر كذلك بطل قول من زعم أن
التغطية إهانة للمرأة، وأن الذي يأمر المرأة بالتغطية قد أهان المرأة، بل هو
قول الشارع وأمره، وهو قول العلماء، فمن لم يقل منهم بوجوبه، قال باستحبابه
وأفضليته اقتداء بأمهات المؤمنين رضي الله عنهن..
ومن ثم فإن الذي ينهى عن التغطية ويدعو إلى الكشف هو الذي يهين المرأة، وهو
الذي يهون من شأن الشريعة، ويعبث بها، وهو بين جهل وهوى ورغبة في الفساد..
وإذا زعم من زعم أن المسألة خلافية بين أهل العلم، فلا ينبغي التشدد في ذلك،
وترك الأمور تجري على هوى النساء ورغباتهن، قيل:
إن المسألة تدور بين الوجوب
والاستحباب، لا بين البدعة والإباحة، فالذين يدعون إلى تغطية الوجه إنما
يدعون إلى أمر واجب، في قول طائفة من العلماء، ويدعون إلى مستحب في قول
الطائفة الأخرى، وهم في كل حال يدعون إلى الأفضل والأحسن، بشهادة كل أهل
العلم..
وعلى ذلك فلا وجه لقول من يقول إنه لاينبغي دعوة النساء إلى التغطية، فعلى
الناصح أن يدعو إلى الأحسن، ويدل الأمة إلى الأفضل في دينها، وإذا رأى قومه
يبتغون السقوط والتنازل عن الخيرية والقبول بالمرتبة الأدنى، حق له أن يزجرهم
وينهاهم، فإذا كانت النساء في بلد ما الأصل في حقهن حجاب الوجه، ثم أريد لهن
الكشف بدعوى أن المسألة خلافية، ثم قام أهل العلم ونهوا عن الكشف، وزجروا
وبالغوا في ذلك، ما كان حريا بهم إلا ذاك، لأن استبدال الأدنى بالذي هو خير
فساد في الرأي، وقبول للدنية، وعلى الناصحين الفاهمين أن يسعوا في ردع من
يبتغون الرجوع إلى الخلف..
وإذا كان الناس يسعون للارتقاء في أحوالهم ودنياهم، ويتألمون ويتحاشون الرجوع
وفقدان المكاسب، فسعيهم للارتقاء في دينهم أولى، وتحاشي تبديل ما هم عليه من
الحال الأعلى من التدين إلى الأدنى أحرى وأوجب..
ومن السذاجة ورقة الدين والجهل بمواقع الخير أن تختزل القضية في كونها
خلافية، فتترك المرأة تغطية الوجه الذي نشأت عليه إلى الكشف، الذي هو أدنى
بلا خلاف بين العلماء، بإذن ورضا من وليها.
هذا وإن المجيزين للكشف من العلماء إنما
قالوا بذلك بشروط:
-
ألا تكون المرأة فاتنة.
-
ألا تكون شابة.
-
ألا يكون الزمان فتنة.
فلو عمل بهذه الشروط لما وجدت الكاشفة إلا قليلا، لكن جل الكاشفات أخذن بعض
قولهم ورمين الآخر أو جهلنه، والواجب لمن قلد عالما في مسألة أن يأخذ قوله
كله أو يتركه كله، أما الذي يأخذ أوله ويترك آخره ، فهذا لا يحق له أن يحتج
في فعله هذا بهذا العالم.
فإن هؤلاء الكاشفات أخذن بقول
المجيزين في الكشف، وأما الشروط فلم يلتفتن إليها ألبتة، وكذلك فعل دعاة
السفور..
وعلى ذلك: جل الكاشفات اليوم مخالفات لأقوال جميع أهل العلم السابقين، سواء
المجيزين للكشف، فضلا عن الموجبين للتغطية......
ذلك كله باعتبار رجحان وقوة قول من أجاز
الكشف، لكن كيف يكون الحال لو علم أن أدلة المجيزين للكشف لاترقى في قوتها
ورسوخها أدلة الموجبين للتغطية؟..
فإن الأدلة التي استدل بها القائلون بالكشف لا تخرج عن أحد الأنواع التالية:
-
إما أن تكون منسوخة، أي قبل نزول الأمر بالحجاب.
-
وإما أن تكون ضعيفة، لم تثبت بإسناد صحيح.
-
وإما أن تكون صحيحة، لكنها لاتدل على الكشف دلالة قاطعة، بل هي محتملة،
وبالاحتمال يبطل الاستدلال، ولايصح بناء حكم واحد ملزم على نص محتمل، مع ترك
النصوص القاطعة.
-
وإما أن تكون صحيحة صريحة في الكشف، لكن لها ظرف خاص، وعذر خاص.
وهذا بخلاف أدلة الموجبين للتغطية فهي صحيحة صريحة عامة لا ناقض لها، وأبينها
آية الحجاب الآنفة:{وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر
لقلوبكم وقلوبهن}..
فهذه نص في وجوب تغطية سائر البدن، يدخل فيه الوجه، بالإجماع، لا يختلف فيه
قول عالم..
ولسائل أن يقول: فإذا كانت الآية محل إجماع
بين العلماء على تغطية الوجه، فمن أين أتى الخلاف؟.
فالجواب:
أن الخلاف جاء من حيث إن بعض العلماء قصر حكم
الآية على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ودليله أن خطاب الآية متجه إليهن..
لكن الصواب أن هذا القصر خطأ، ودليل خطئه العلة الواردة في الآية: {ذلكم أطهر
لقلوبكم وقلوبهن}، فهذه هي علة الحجاب، ومعلوم أن علة الطهارة عامة، وسائر
النساء من غير الأمهات أولى وأحوج إلى هذه الطهارة، ذلك لأن الأمهات مصطفيات،
وسائر النساء لسن كذلك، فإذا المصطفيات أمرن بالحجاب طهارة لقلوبهن وقلوب
الرجال إذا حادثنهم، فسائر النساء أولى بمثل هذا الأمر، لعدم الاصطفاء، وبذلك
يكون الخطاب خاصا بالأزواج، لكن حكمه عام في جميع النساء..
فهذه العلة ظاهرة في الآية، وهي تدل على العموم، لكن من قال بأنها خاصة
بالأمهات ألجأه إلى هذا القول نصوص تدل على جواز الكشف، فرام الجمع، وفي
الجمع قد يكون الترجيح بغير يقين، بل بغلبة الظن، وهذا ما كان، ولو أن هؤلاء
العلماء لم يكن بين أيديهم نص في الحجاب سوى الآية لما ترددوا في تعميمه، لكن
لما وقفوا على نصوص توهم التعارض، فلم يجدوا لها مخرجا، قالوا: الآية خاصة..
ولو أنهم وقفوا على ضعف بعضها، وعدم صحة دلالة بعضها، ونسخ بقيتها، لما قالوا
إلا بما يقتضيه العقل والوحي من أن الآية عامة، وأن خصوصية الخطاب، لاتمنع من
عموم حكمها..
وآية أخرى تدل على وجوب الحجاب، قوله
تعالى:
- {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك
ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}..
هذه الآية جمعت سائر النساء، بما فيهن الأمهات، في نص واحد، وحكم واحد، فأمرن
بإدناء الجلباب، ولسنا بصدد بيان كيف يكون التجلبب، حيث الخلاف معروف،
فالقائلون بجواز الكشف يفسرون الجلباب بمعنى يتوافق مع قولهم، والقائلون
بالوجوب يفسرونه بما يوافق قولهم، لكن المراد أن الآية أمرت بالإدناء، وممن
أمرن بذلك الأمهات، ومعلوم أن الأمهات مأمورات بتغطية كل البدن، بما فيه
الوجه، وعلى ذلك فجميع النساء مأمورات بمثل ذلك، وهذا هو معنى الجلباب.
ومما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
قوله: - (المرأة عورة..).
وهذا نص صريح في وجوب ستر جميع البدن، بما فيه الوجه والكفان، فإن كون الشيء
عورة فذلك يوجب ستره..
وهكذا نجد النصوص الصحيحة الصريحة توجب
التغطية، بينما أدلة الكشف:
-
إما أنها صريحة في الكشف، لكنها ضعيفة من حيث السند، كحديث أسماء.
-
وإما صحيحة غير صريحة في الكشف، كحديث الخثعمية.
-
وإما أنها صحيحة صريحة لكنها منسوخة، أي قبل الأمر بالحجاب.
-
وإما أنها صحيحة صريحة، لكن لها ظرف معين، وعذر خاص، فلا يؤخذ منه حكم عام.
وبمثل هذه الأدلة المحتملة لا يمكن
نقض نصوص صحيحة صريحة قاطعة، كآية الحجاب، وآية الإدناء، وحديث: (المرأة
عورة).. فكيف يمكن نقض حكم صريح قاطع بنصوص محتملة لها أوجه اعتذار؟!.
ثم إن أدلة التغطية أحكام شرعية صريحة، وأما أدلة الكشف، ما صح منها، فهي
أخبار رواة، وليست من كلام الشارع، كحديث الخثعمية، وهي تحتمل عدة أوجه،
وأقوال الشارع مقدمة على وصف الرواة..
هذا وقد كان عمل المسلمين منذ عهد الصحابة
إلى ثلاثة عشر قرنا تغطية الوجه، كما حكى ذلك الغزالي وابن حجر وأبو حيان
الأندلسي، وغيرهم، وما انتشر الكشف إلا بعد حلول الاستعمار في بلاد المسلمين،
بسعي من المستعمرين المحتلين الكفار، الذين نزعوا الحجاب وأحلوا السفور..
ومن حيث العقل والفطرة والواقع، لاتستوي الكاشفة وغير الكاشفة في الفتنة، فكل
كشف يحمل معه الفتنة، والوجه مجمع الحسن، وإذا كان الشرع أمر بحجب القدمين،
وهما في الفتنة دون الوجه، فالأمر بحجب الوجه أولى، وهذا هو الحاصل، أما دعوى
المخالفين أن الكشف لحاجة البيع والشراء، فيرده استغناء المحجبة عن الكشف
وعدم حاجتها لذلك عند بيعها وشرائها.
وفي كل حال فإن الآمر بتغطية الوجه، إنما يأمر بالصحيح من الأقوال، كما أنه
يأمر بالأفضل على كل قول، وهو يأمر بما فيه صون المرأة وحفظها من العدوان
بالنظرات وما وراء ذلك، ويأمر بما فيه سلامة القلوب وطهارتها، ويسعى في إطفاء
نار الفتنة..
فهل من يأمر بأمر الشارع، ويدعو إلى الأفضل والأحسن، وصون المرأة، وسلامة
الرجل، وفضيلة المجتمع ومثاليته، هل من يفعل ذلك يعد مهينا للمرأة؟..
أم الذي يدعو إلى الكشف مخالفا لأمر الله تعالى، مخالفا لقول العلماء، حتى
المجيزين منهم، حيث لم يدع أحد منهم لكشف الوجه، ولم يفضلوه على التغطية؟..
والذي يسعى لزرع الفتنة، وفساد القلوب، ويسعى في إسقاط المرأة، لتستبدل الذي
هو أدنى بالذي هو خير؟..
وأخيرا:
أيهما الذي أهان المرأة ؟!..
لابد وأنكم قد عرفتم الجواب..
نراكم على خير.. والسلام عليكم..