التوحيد بين المنظرين والمطبقين.....
نقاط الكلام
- مقدمة..
- تقعيد وتأصيل..
- حالة عكسية..
- أنواع التوحيد..
- من الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا؟..
- الغاية أن نقول...
- مقدمة:
كتب الأخ الكريم: لويس عطية الله، مقالا
عنوانه:
"محاضرة بدأت ولم تنته في التوحيد".. هذا رابطه:
لويس عطية الله "محاضرة بدأت ولم تنته في التوحيد" 07/08/02 04:15
يدور حول قضيتين:
-
التوحيد والعقيدة وأثرها..
-
علماء العقيدة والتوحيد ومدى امتثالهم لمقتضياتها..
تكلم فيه بكلام يوهم التهوين من شأن عقيدة السلف في باب الأسماء والصفات
ونشرها والدفاع (أقول: يوهم؛ وإلا فهو أبعد ما يكون عن هذا)، وبكلام يصرح فيه
بالحط من منزلة علماء التوحيد والعقيدة، لأجل أنهم لم يمتثلوا - في نظره -
لمقتضيات العقيدة من جهاد وحض عليه، على حد ظنه وتقويمه..
وما ذكره جانب فيه الصواب:
فالعقيدة أهم شعائر الدين، وعليها تقوم، فأي
كلام يهون من شأنها، ولو على سبيل الوهم، خطأ محض يجب اجتنابه.. فالكلام في
هذا الباب لابد أن يكون واضحا صريحا في إعلاء منزلة العقيدة الصحيحة، سواء
كان في باب الاسماء والصفات أو الألوهية أو الربوبية أو الإيمان.. فإن العقول
تتفاوت، وليس كل من يقرأ يفهم مراد الكاتب، فالحذر واجب عند الكلام عن
العقيدة..
وأما العلماء والدعاة، فلا ينبغي الحط من منزلتهم بهذه الطريقة التي عالج
الأخ بها موضوعه.. فالمسألة ليست بهذه السهولة، ونحن أمة الوسط والعدل،
والواجب أن نعدل مع الذين نخالفهم من إخواننا، ولا ينبغي أن يكون الخلاف سببا
وسلما لسلّ الألسن والطعن بها في الدين واتهام النيات..
لأجل بيان هذه القضية كتبت مقالا عنوانه:
التوحيد بين المنظرين والمطبقين..
تنبيها وتأصيلا، وذبّا ونصحا ومحبة... والله
الموفق...
تقعيد وتأصيل:
التنظير = الاعتقاد… التطبيق= العمل..
الاعتقاد منه الصحيح، ومنه الفاسد، والعمل تبع وانعكاس له..
كيف نعرف الاعتقاد الصحيح؟، أو كيف نعرف صحة الاعتقاد؟..
نعرفه من اعتماده مصادر لا يأتيها الباطل ألبتة، هي: الكتاب والسنة، بفهم
مجموع السلف، أهل القرون المفضلة.
وأي مصدر غير هذين فباطل، وما بني عليه باطل.. وأي أخذ للكتاب والسنة بغير
فهم السلف فهو باطل، وما بني عليه كذلك باطل.
لكن هل يكون العمل صحيحا بمجرد معرفة الاعتقاد الصحيح؟، أم لا بد من شرط
آخر؟..
الأصل أن يلزم العمل الصحيح الاعتقاد الصحيح، فحيث وجد الاعتقاد الصحيح، وجد
العمل الصحيح..
لكن هذا اللازم قد يتخلف لسبب ما، فيأتي مكانه عمل فاسد، لذا لابد من شرط
آخر، وهو:
فهم الاعتقاد الصحيح، وتشرب معانيه، وتخلله النفس والقلب.. وهو ما يسمى
باليقين..
والنتيجة:
صحة الاعتقاد، مع فهم وتشرب معانيه، وتخلله النفس والقلب، ينتج عنه: عمل
صحيح، ولابد..
لكن إذا وجد الشرط الأول، وتخلف الشرط الثاني، فالنتيجة: تخلف العمل الصحيح،
أو ضعفه..
وهكذا نقف على حقيقة مهمة، هي: ليس كل من عرف العقيدة الصحيحة، فهو عامل
بمقتضاها، وليس كل من نظّر لها، فعلمها ودرسها، فبالضرورة أن يكون عاملا
بمضمونها، مطبقا لأحكامها..
والعلة:
فقدانه لشرط من الشرطين، اللذين عليهما يقوم العمل الصحيح، وهو الشرط
الثاني(= اليقين)..
فليست المعرفة وحدها كافية، ولو كانت كافية لحسن وصلح عمل إبليس وفرعون
والنمروذ وأبو جهل، واليهود والنصارى والمنافقين، فكل هؤلاء يعرفون الحق كما
يعرفون أبناءهم، لكنهم ضلوا، كما قال تعالى:
- {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}..
- {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}..
وقال أبو طالب:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية
دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
هذا في حال الخلو من الموانع والأعذار الشرعية، فقد يكون المرء على اعتقاد
صحيح، لكنه لم يعمل العمل الصالح، إما بعضه أو أكثره، ليس لفقدانه الشرط
الثاني: تخلل الإيمان والعقيدة قلبه (=اليقين)؛ بل لعذر شرعي، من عجز، أو
إكراه على الترك، أو لاجتهاد في ترك بعض الأعمال للضرورة؛ ففي هذه الحالة هو
معذور، وليس هو كمن عرف آيات الله فأعرض عنها أو انسلخ منها.. فإن الله
لايكلف نفسا إلا ما آتاها..
حالة عكسية:
هل يمكن أن يكون في الاعتقاد خلل، ثم يكون
معه عمل صحيح؟..
إذا كان وقع عمل صالح صحيح من جهاد وأمر
بالمعروف ونهي عن المنكر وتطبيق للشريعة، مع وجود خلل في الاعتقاد، فهذا
ممكن، وليس فيه خلف للقاعدة الآنفة في شرط صحة الاعتقاد لصحة العمل، وتعليله:
-
أن ظهور العمل الصالح ممن فيه خلل في الاعتقاد، جزئ لا كلي، دليل على أن ذلك
الاعتقاد المختل لم يؤد وظيفته، ولم يتجاوز حد المعرفة.... وهذا مثل الذين
عرفوا الحق ثم لم يعملوا به.... فهؤلاء عرفوا الباطل ولم يعملوا به، لأنه لم
يتخلل مسالك قلوبهم، بل وقف عند الباب فلم يدخل.. كما لم يتخلل الحق مسالك
قلوب أولئك.... وهذا الوصف ينطبق على الصادقين في عملهم، ولا يدخل فيه
المنافق، الذي عمله كذب ورياء..
-
ثم أيضا هؤلاء ليسوا خالين تماما من العقيدة الصحيحة، بل فيهم شيء منها، قل
أو كثر، وهذا حال عموم المسلمين المتلبسين بنوع من البدع، فيهم من العقيدة
الصحيحة، القدر الذي يعينهم على البقاء على الإسلام، ويحملهم على الدفاع عن
شعائر الإسلام..
-
ثم كذلك الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هي جزء من الاعتقاد الصحيح،
والفطرة نور من الله تعالى، وهو النور المشار إليه في قوله تعالى: {نور
علىنور}، أي نور الوحي على نور الفطرة، والفطرة وإن كانت لاتستقل وحدها، لكن
لها أثر كبير على السلوك، فإذا كانت العقيدة الفاسدة لا تتجاوز حد المعرفة،
فإن الفطرة ستؤدي دورها حينئذ، وسيكون الأثر حسنا.
هذا في حال ثبوت ذلك الاعتقاد الفاسد عن هذا الإنسان الذي يعمل العمل الصالح،
أو تلك الطائفة التي يصدر منها عمل صالح، لكن ربما لم يكن ذلك الإنسان أو تلك
الطائفة كما قيل عنها، بل هم براء من ذلك أصلا..
أنواع التوحيد:
بعد هذا التنظير لهذه المسألة: علاقة
الاعتقاد بالعمل، والنظرية بالتطبيق، سلبا وإيجابا، نعرج على مسألة التوحيد:
التوحيد الذي عليه السلف ينقسم إلى ما يلي:
-
أن الله واحد في ربوبيته لا شريك له..
-
أن الله واحد في ألوهيته لا ند له..
-
أن الله واحد في أسمائه وصفاته لا نظير له..
وله تقسيم آخر:
-
توحيد علمي خبري (= توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات)..
-
توحيد عملي إرادي طلبي (= توحيد الألوهية، العبادة)..
وقد أجمعوا على:
-
أن العبادة لاتبذل إلا لله وحده تعالى، فمن بذلها لغيره وقع في الشرك
الأكبر..
-
وأنه لا يدبر الكون ويعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، فمن ادعى ذلك لغيره
فقد كفر الكفر الأكبر..
-
وأن له الأسماء الحسنى والصفات العليا، وأنها تثبت له على الوجه اللائق به
سبحانه وتعالى، كما ثبتت في نصوص الوحي، من غير تمثيل ولا تعطيل، فمن مثّل أو
عطل فقد ابتدع..
ومن اعتقادهم أن التوحيد العلمي الخبري، الذي هو توحيد الربوبية والأسماء
والصفات أساس وقاعدة للتوحيد العملي الطلبي الإرادي، الذي هو توحيد الألوهية:
فمن صح اعتقاده في الأول صح عمله في الثاني، باعتبار الشرطين السابقين في صحة
الاعتقاد، وهما: المعرفة واليقين..
ومن اختل اعتقاده، فاعتقد عقيدة أخرى مناقضة للصحيح، فعرفها وأيقنها فسد
عمله، تبعا لفساد عقيدته..
من هم الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا؟..
وبناء على ما سبق نقول:
من تعلم العقيدة الصحيحة، ودرسها وفهمها،
وعقدها في قلبه، وتخللت روحه، وتشربتها نفسه، أي بلغ درجة اليقين أو قرب،
فذلك دليل صدق اعتناق هذه العقيدة، فلا بد إذن من ظهور أثرها عليه، من طاعة
لله تعالى، طاعة مطلقة وخضوعا مطلقا، بحسب القدرة:
فيقيم العبادات، ويحسن إلى الخلق، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى
سبيل الله، ويجاهد بنفسه وماله.
فإن تخلف شيء من هذا، فالعلة في حقه في الموانع والأعذار الشرعية، من عجز، أو
إكراه، ونحو ذلك.. أو قد يتخلف عن بعض العمل أو الطاعات لأجل حكمة أو اجتهاد
سائغ:
-
كمن يترك إنكار منكر رآه لاجتهاد أداه إلى الظن بأن بالإنكار يفضي إلى ما هو
أنكر..
-
أو كمن يرى تأخير الجهاد في ناحية ما، لا ضنا بنفسه، أو خوفا على ماله، بل
لاجتهاد حمله على الظن أن هذا ليس أوان الجهاد في تلك الناحية، التي هو فيها،
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجاهد في مكة، لأن وقت الجهاد لم يكن قد
حل حينئذ..
وغير ذلك، فهو معذور في اجتهاده ذلك، وإن أخطأ، لأنه لم يتبع هواه، بل اتبع
الدليل واجتهد في فهم النصوص وتنزيلها على الواقع، فقد يصيب وقد يخطيء، وهذا
حال البشر، والله تعالى عفو كريم، لايؤاخذ عبدا استفرغ جهده في إصابة الحق،
حتى ولو لم يصبه، ومثل هذا لن يكون بأي حال من الأحوال في المثال كبلعام بن
باعوراء..!!..
إنما مثل بلعام ذاك الذي عرف الاعتقاد الصحيح والتوحيد الواجب، فلم يتخلل
قلبه، بل عرفه وتعلمه، دون أن يعقده في روحه، تعلمه وقت الرخاء، ووجد فيه
دنياه، فاتخذه مطية إليها، وأظهر الحرص والدفاع حين كان الناس كلهم على هذا
الطريق، والمال والجاه لايأتي إلا من هذا الباب، فلما انقلبت الأمور، وانعكس
الحال، واحتف الطريق بالفتن والمحن، فصار القابض عليه كالقابض على جمر، نكص
على عقبيه، وتبرأ مما كان عليه، واحتال لتبرير براءته، كل ذلك خشية على
دنياه، فعلم من حاله أنه كان طالب صيد، فهذا هو الذي في المثال كالذي آتاه
الله آياته فانسلخ منها فاتبعه الشيطان، فكان من الغاوين..
ومثل هذا لن تجد له عذرا في نكوصه، وستراه منقلبا رأسا على عقب، يتكلم بما لا
يقبله دين ولا فطرة أبدا، ليس في شيء، بل في أشياء، أما الأول فلن تجده هكذا،
بل تجده على القول الحق والعقيدة الحقة، وإن أخطأ في مسألة لعذر من اجتهاد
ونحوه.. فلا يستويان..
فالصادقون موجودون، والذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا موجودون كذلك، لكن
من الذي يحق له تمييزهم؟.. ومن الذي في قدرته ذلك؟.. وهل نحن مأمورون ببيان
من سيكون من الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا، بأعيانهم؟..
ليست مهمتنا أن نقول: هذا مثل بلعام.. بل نكل أمرهم إلى الله تعالى، هو أعلم
بهم..
ومن الظلم وصف عموم أهل العلم والفضل والدعوة، أو طائفة منهم، بمخالفة عملهم
اعتقادهم، لكونهم لم ينحازوا إلى ما نراه من القول والاجتهاد، فهذا التعميم
يصيب البريء بغير حق..
إنما علينا البلاغ والنصح، قال الله تعالى: {إن عليك إلا البلاغ}.. لاكشف ما
في قلوب العالمين.. فإن كان بعضهم من الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا،
فإنما يجني على نفسه، وأما إن كانوا صادقين، مع خطئهم، أو مع افتراض خطئهم،
فنحمي أنفسنا أن نصيب قوما صالحين بجهالة فنهلك، إذ رمينا بريئا..
وإذا كان من الخطر اتهام مسلم من عامة المسلمين بغير حق، فعظيم الخطر يكون في
تهمة أهل العلم والفضل والدعوة بالزيغ والضلال، فما في قلوبهم لايعلمه إلا
الله تعالى، ولهم جهاد سابق وحاضر في تبصير الناس بدينهم، فكيف ينسى فضلهم،
لأجل اجتهاد سائغ..؟؟!!..
الغاية أن نقول:
إن كل عقيدة سوى عقيدة السلف، فهي باطلة،
سواء كانت جهمية، أو اعتزالية، أو أشعرية، أو ماتريدية، وغير ذلك، كلها
باطلة، في أبواب من الاعتقاد: كالإيمان، والقدر، والأسماء والصفات.. وغير
ذلك..
وذلك لايمنع أن يكون لبعض المنتسبين إليها قدم صدق في نصرة الإسلام، للأسباب
الذي ذكرت سابقا..
وعدم قيام بعض أهل العقيدة الصحيحة بواجب نصرة الشريعة، لايعني خطأ عقيدتهم،
بل خطؤهم، إن كانوا مخطئين، فمنهم ومن أنفسهم، لكن ثمة أعذار شرعية قد تمنع
من القيام بالنصرة، فيكونوا معذورين، ولكل مجتهد نصيب من الأجر، فيجب مراعاة
هذه الحقيقة، كيلا يهضم العاملون حقهم، فيقال عنهم ما ليس فيهم، على التفصيل
الذي سبق..
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم..
رابط الموضوع