- الأجل محتوم..
- والرزق مقسوم..
- وما أخطأ لا يصيب..
- وسهم المنية لكل أحد يصيب..
- وكل نفس ذائقة الموت..
- وما قدر أزلا لا يخشى فيه الفوت..
- والجنة تحت ظلال السيوف..
- والري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف..
- ومن اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار..
- ومن أنفق دينارا كتب بسبع مائة، وفي رواية بسبع مائة ألف دينار..
- والشهداء حقا عند الله من الأحياء..
- وأرواحهم في جوف طير خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء..
- والشهيد يغفر له من جميع ذنوبه وخطاياه..
- ويشفع في سبعين من أهل بيته ومن والاه..
- ويأمن يوم القيامة من الفزع الأكبر..
- ولا يجد كرب الموت ولا هول المحشر..
- ولا يحس ألم القتل إلا كمس القرصة..
- وكم للموت على الفراش من سكرة وغصة..
- والطاعم النائم في الجهاد أفضل من الصائم القائم في سواه..
- ومن حرس في سبيل الله لا تبصر النار عيناه..
- والمرابط يجري له أجر عمله الصالح إلى يوم القيامة..
- وألف يوم لا تساوي يوما من أيامه..
- ورزقه يجري عليه كالشهيد أبدا لا ينقطع..
- ورباط يوم خير من الدنيا وما فيها أجمع..
- ويؤمن من فتنة القبر وعذابه..
- والله يكرمه في القيامة بحسن مآبه..
- إلى غير ذلك من الفضل الذي لا يضاهى، والخير الذي لا يتناهى.
(((((........... مثير
الغرام الساكن.........)))))
أبو زكريا أحمد بن إبراهيم الدمياطي
المشهور بابن النحاس المتوفى سنة 814هـ ألف كتابا
بعنوان:
"مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق،
ومثير الغرام إلى دار السلام"..
يقول فيه:
"من المعلوم أن الخلق كلهم مِلك لله
تعالى وعبيد، وأن الله تعالى يفعل في مِلكه ومُلكه ما يريد:
{لايسأل عما يفعل وهم يسألون}..
ولا يقال لما لم يرد: لم لا يكون؟..
ومع هذا اشترى من المؤمنين نفوسهم لنفاستها لديه إحسانا منه وفضلا، ورقم ذلك
العقد في كتابه القديم، فهو يقرأ أبدا بألسنتهم ويتلى، فقال مبينا للزوم هذا
العقد أزلا في محكم الفرقان:
{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل
الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن}..
ثم أرشد من اشترى منهم نفوسهم إلى الوفاء بالتسليم، وحضهم عليه ببيان مالهم
فيه من الربح الجزيل والفضل العميم، فقال تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله
ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون
* يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات
عدن ذلك الفوز العظيم}..
وخاطب المقرين بالبيع المماطلين بالتسليم خطابا بل عتابا وتوبيخا يقرأ أبدا
في محكم التنزيل، فقال تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى
الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا
قليل}..
ثم حذرهم من الإصرار على المماطلة وتوعدهم على التسويف بعد وجوب النفير، فقال
سبحانه:
{إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على
كل شيء قدير}….
قال: ومما يجب اعتقاده:
أن الأجل محتوم..
وأن الرزق مقسوم..
وأن ما أخطأ لا يصيب..
وأن سهم المنية لكل أحد يصيب..
وأن كل نفس ذائقة الموت..
وأن ما قدر أزلا لا يخشى فيه الفوت..
وأن الجنة تحت ظلال السيوف..
وأن الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف..
وأن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار..
ومن أنفق دينارا كتب بسبع مائة، وفي رواية بسبع مائة ألف دينار..
وأن الشهداء حقا عند الله من الأحياء..
وأن أرواحهم في جوف طير خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء..
وأن الشهيد يغفر له من جميع ذنوبه وخطاياه..
وأنه يشفع في سبعين من أهل بيته ومن والاه..
وأنه أمن يوم القيامة من الفزع الأكبر..
وأنه لا يجد كرب الموت ولا هول المحشر..
وأنه لا يحس ألم القتل إلا كمس القرصة..
وكم للموت على الفراش من سكرة وغصة..
وأن الطاعم النائم في الجهاد أفضل من الصائم القائم في سواه..
ومن حرس في سبيل الله لا تبصر النار عيناه..
وأن المرابط يجري له أجر عمله الصالح إلى يوم القيامة..
وأن ألف يوم لا تساوي يوما من أيامه..
وأن رزقه يجري عليه كالشهيد أبدا لا ينقطع..
وأن رباط يوم خير من الدنيا وما فيها أجمع..
وأنه يؤمن من فتنة القبر وعذابه..
وأن الله يكرمه في القيامة بحسن مآبه..
إلى غير ذلك من الفضل الذي لا يضاهى، والخير الذي لا يتناهى.
وإذا كان الأمر كذلك:
فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه
الرتب، وإن كان نيلها مقسوما، وصرف عمره في طلبها، وإن كان منها محروما،
والتشمير للجهاد عن ساق الاجتهاد، والنفير إلى ذوي العناد من كل العباد،
وتجهيز الجيوش والسرايا، وبذل الصلات والعطايا، وإقراض الأموال لمن يضاعفها
ويزكيها، ودفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها، وأن ننفر في سبيل الله
خفافا وثقالا، ونتوجه إلى أعداء الله ركبانا ورجالا..
قال:
ولما رأيت الجهاد في هذا الزمان قد
درست آثاره فلا ترى، وطمست أنواره بين الورى، وأعتم ليله بعد أن كان مقمرا،
وأظلم نهاره بعد أن كان نيرا، وذوى غصنه بعد أن كان مورقا، وانطفأ حسنه بعد
أن كان مشرقا، وقفلت أبوابه فلا تطرق، وأهملت أسبابه فلا ترمق، وصفنت خيوله
فلا تركض، وصمتت طبوله فلا تنبض، وربضت أسوده فلا تنهض..
وامتدت أيدي الكفرة الأذلاء إلى المسلمين فلا تقبض، وأغمدت السيوف من أعداء
الدين، إخلادا إلى حضيض الدعة والأمان، وخرس لسان النفير إليهم فصاح نفيرهم
في أهل الإيمان، وآمت عروس الشهادة إذا عدمت الخاطبين..
وأهمل الناس الجهاد كأنهم ليسوا به مخاطبين، فلا نجد إلا من طوى بساط نشاطه
عنه، أو اثاقل إلى نعيم الدنيا الزائل رغبة منه، أو تركه جزعا من القتل
وهلعا، أو أعرض عنه شحا على الإنفاق وطمعا، أو جهل ما فيه من الثواب الجزيل،
أو رضي بالحياة الدنيا من الآخرة، وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا
قليل:
أحببت أن أوقظ الهمم الرُقّد، وأنهض العزم المقعد، وألين الأسرار الجامدة،
وأبين الأنوار الخامدة، بمؤلف أجمعه في فضل أنواع الجهاد..".
لقد ذكرنا رحمه الله بشيء كدنا أن ننساه، لكن مآسي المسلمين التي تنتفض كل
يوم تأبى إلا أن تذكرنا بالجهاد، الذي به نردع المعتدين، ولن يرتدعوا إلا به،
ولن يردعهم سواه..
وللجهاد قصة جديرة بالذكر:
لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم دعا
الناس إلى الإسلام سرا ثلاث سنين، ثم أمر بالجهر:
{فاصدع بما تؤمر}..
فصدع فناله الأذى ومن معه من المؤمنين، فأما من كانت له عشيرة فقد سلم من
الفتنة، وأما من سواهم فقد أوذوا أشد الأذى، مثل بلال وعمار وأبويه، ولما
كانت الفئة المؤمنة قلة قليلة فقد أمروا بالصبر وعدم الرد بالمثل، فالحكمة
كانت تقتضي ذلك، إذ لو فعلوا شيئا من قتال ونحوه لحصدوا في ساعة، ولما بقي
منهم أحد، لذا لم يأمروا بقتال طيلة مقامهم في مكة..
حتى إذا وجدوا من ينصرهم وهم الأوس والخزرج خرج المسلمون إلى بلادهم يثرب
فلما تمكن الإٍسلام منهم وقامت لهم دولة وأرض ينطلقون منها، أذن لهم بالجهاد:
{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}..
فبدأ جهادهم على شكل سرايا تغير على قوافل قريش، حتى وقعت موقعة بدر الكبرى،
ومنها كانت الانطلاقة الحقيقة للجهاد الإسلامي، فوقعت بعدها غزوة أحد ثم
الخندق ومؤتة وتبوك وحنين.
ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رسخ مفهوم الجهاد في الأمة وبين
لها أن عزها فيه:
(إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط
الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) ..
( من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) ..
وقد كان عقد قبل وفاته لواء يقوده أسامة بن زيد لغزو الروم، فلما تولى أبو
بكر كان أول ما فعل إنفاذه لجيش أسامة بالرغم من ارتداد العرب.. ثم حارب
المرتدين.. ثم أرسل لقتال الروم والفرس ومات الجهاد ماض في تلك البلاد..
فتولى عمر ففتح على يديه فارس في الشرق و الروم في الشام وفتح بيت المقدس..
ثم تولى عثمان وسارت الفتوحات شرقا وغربا..
وتولى علي وتعطل الجهاد برهة من الزمان للخلاف الذي نشب بينه وبين معاوية،
وقد كان الرعب متملكا قلوب الأعداء فلم يجرأ أحدهم على التطاول على دولة
الإسلام حين الخلاف..
ثم هدأت الفتنة وتولى معاوية الخلافة فسار سيرة الخلفاء في الجهاد، وما زال
الخلفاء من بعده يقدمون الجهاد على كل شيء، والإسلام ينتشر حتى وصل الصين
شرقا والأندلس غربا، وأوربا شمالا وأفريقيا جنوبا، فانتشر الدين وعز المسلمون
وأمن الناس على دمائهم وأموالهم ونفوسهم، وانتهت المظالم وحل العدل وعم جميع
الناس مسلمهم وذميهم..
ثم اختلف الحال، فركن المسلمون إلى الدنيا ورضوا بالزرع وأخذوا أذناب البقر
وتبايعوا بالعينة وآثروا حظوظ النفس وشهواتها على القيام بشعيرة الإسلام
العظيمة: الجهاد؛ فتركوه، فذلوا، ونزعت مهابتهم من صدور الأعداء، فاستخفوا
بهم حتى ترصدوا لهم في كل مكان تعذيبا وتقتيلا وتشريدا، فحق قوله تعالى:
{ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}..
حيث جعل الهلاك في الإقبال على الدنيا وترك الجهاد كما جاء ذلك عن أبي أيوب
الأنصاري..
@ وقد كان أعداء الإسلام يجزعون من
نتائج حروبهم مع المسلمين:
إذ كيف ينتصر جيش لا يبلغ عدته ألفا،
ليس بأيديهم إلا بعض العتاد، على جيش يبلغ عدته مئات الآلاف يملك كافة أنواع
الأسلحة؟..
فعرفوا أن وراء ذلك عقيدة الجهاد المترسخة في نفس المسلم حيث يقاتل لا يبتغي
إلا وجه الله تعالى..
فعملوا كل وسيلة لتعطيل الجهاد ومحوه من القاموس الإسلامي:
- فشرعوا الأنظمة والقوانين التي تعطل الجهاد، وتمنع المسلمين من اعتقاد هذه
العقيدة المقلقة لهم.
- وغزو المسلمين بكل أنواع الشهوات المحرمة من الخمور والفجور والفواحش كي
ينسوا الجهاد.
فشرب المسلمون من ذلك الكأس، فمن لم يخضع للشهوات المانعة والصارفة عن التعلق
بالجهاد، خضع كرها أو جهلا للأفكار التي تصف الإسلام بالعدوان والظلم
والإرهاب، لأنه يأمر بالجهاد ولأن شعاره السيف، فنشأ في المسلمين فئة قليلة
منهزمة فكريا تزعم أن الجهاد الإسلامي جهاد دفع لا جهاد هجوم:
أي أن الجهاد لم يشرع للتوسع في البلاد لنشر الإسلام، بل للدفاع عن الأرض إذا
اعتدى معتد، كل ذلك كيلا يوصف الإسلام بالإرهاب!..
عطلوا شعيرة أو كادوا من أجل استرضاء من حكم الله بأنهم لن يرضوا عن المسلم
حتى يتبع ملتهم..
ونسوا هجوم النبي صلى الله عليه وسلم على قوافل قريش وغاراته على قبائل
العرب، وخروجه لقتال الروم في تبوك، وما فعله أبو بكر وعمر وعثمان من قتال
الناس شرقا وغربا، وأن ذلك لم يكن لدفع الكفار عن أرض الإسلام، بل كان لنشر
الإسلام في أرض الكافرين..
إن الجهاد شريعة من الله تعالى، والأرض أرض الله، والمسلم مأمور بأن يبلغ دين
الله تعالى إلى سائر الناس، فمن أسلم كانت له حقوق المسلم، ومن امتنع قبل منه
البقاء على دينه بشرط أن يعطي الجزية وأن يتنحى عن طريق الدعوة، فإن لم يرض
فلا بد من قتاله، لأن هناك شعوبا مقهورة تحت ظلم الطواغيت، يستحلون أعراضهم
وأموالهم ودمائهم، وهم يمنعونهم من عبادة الله..
فما شرع الجهاد إلا لرفع ذلك الظلم عنهم وتبليغ دين الإسلام إليهم، ولو كان
الجهاد جهد دفع لما وصل الدين إلى كل تلك البلاد، قال عليه الصلاة والسلام:
(بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت
ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على ما خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) ..
إن الجهاد يخيف العدو مهما بلغ في القوة، لما رأى الغرب أن شريعة الجهاد بدأت
تعود إلى الساحة بعد أن كانوا مطمئنين إلى زوالها، داخلهم الخوف والرعب،
فاجتمعوا على حرب المجاهدين ولو كانوا قلة قليلة، فهم يعرفون جيدا ما الجهاد،
ومن هم المجاهدون؟..
إن المجاهدين بمقدروهم أن يهزموا جيوش الأرض، والدلائل على هذه الحقيقة حاضرة
ماثلة كل يوم أمامنا، فهؤلاء المجاهدون الأفغان هزموا أعظم قوة على وجه
الأرض، وأخرجوها ذليلة، والشيشان كذلك فعلوا، والمجاهدون في كشمير أذلوا
غطرسة وكبرياء عباد البقر.. والمجاهدون في فلسطين أقلقوا اليهود وعذبوهم
بأسلحة بسيطة..
وهكذا فقد بات الغرب يدرك خطر الجهاد على كيانه..
إن المجاهدين وإخواننا المستضعفين في حاجة ماسة إلى وقوفنا إلى جانبهم
بالدعاء في الأيام والليالي المباركة وبالمال الذي لا بد منه، فالجهاد كما
يكون بالنفس يكون بالمال، فلا بد من إعانتهم، فخذلانهم شر، والأيام دول، فهم
اليوم في حاجة، وما يدرينا ما يكون غدا؟ فقد نحتاج إلى نصرة إخواننا، قال
تعالى:
{ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما
يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا
يكونوا أمثالكم}.