مقدمة
الإيمان عند أهل السنة
والجماعة، الذين هم على ما كان عليه النبي عليه الأمين وأصحابه الكرام:
"قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص
بالمعصية"..
قال الإمام ابن أبي شيبة:
" الإيمان عندنا قول وعمل يزيد وينقص"،
الإيمان له..
وقال الإمام البخاري: " كتبت عن ألف نفر من العلماء، لم أكتب إلا عمن قال
الإيمان: قول وعمل،
ولم أكتب عمن قال: الإيمان قول". اللالكائي ..
وللسلف تعريف آخر للإيمان وهو أنه:
اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل
بالجوارح..
فالعمل:
- جزء من الإيمان، وركن من أركانه،..
- يزيد الإيمان بزيادة العمل لله، وينقص الإيمان بنقصانه، وينعدم بانعدامه.
هذا هو اعتقاد الطائفة المنصورة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
قيام الساعة، وكل اعتقاد يخالف هذا الاعتقاد فهو باطل..
-----
(الإيمان: قول= تأخر وانحطاط)...
والمؤسف أن هذه العقيدة النبوية
الإيمانية الصحيحة غابت عند كثير من المسلمين وحل محلها عقيدة المرجئة، الذين
يقولون:
الإيمان في القلب، وإن كان لا بد فنطق
اللسان، أما العمل فلا يشترط في الإيمان، وليس جزءا منه، بل هو من كمال
الإيمان، وأن الإيمان لايضر معه ذنب..
هذه العقيدة الباطلة أسهمت بشكل فعال في تدمير قوة المسلمين وعلوهم على
أعدائهم الكافرين، فالمسلمون إنما يستمدون قوتهم وعلوهم من العقيدة الصافية
التي كان عليها رسول الله وأصحابه من بعده، وأي انحراف عن هذه العقيدة فإنه
يفضي إلى نزع المهابة من قلوب الأعداء، ويصيب المسلمين بالوهن، وهذا ما حدث
بالفعل:
لما انتشر بين المسلمين عقيدة المرجئة التي تسوغ للمسلم ترك الطاعات، وتغرس
في نفسه كفاية التصديق بالقلب، وتقنعه أن إيمانه كامل ولو لم يعمل خيرا قط،
وتخفف عليه خطورة المعصية، وتفهمه أن إيمانه لايتضرر بارتكاب الذنوب، وقع
الناس في أمرين خطيرين:
1ـ
تحامى الناس الطاعات وتقللوا منها، واكتفوا منها ببعض الواجب، وتركوا باقي
الواجبات، صارت قناعتهم أن الدين لايطلب منا سوى بعض الطاعات اليسيرة، وأما
باقي الطاعات فليست واجبة، بل صاروا يتهمون من يلتزم بالواجبات قدر المستطاع
بالتشدد والتنطع والتطرف، ويسمونه بالمتطوع، وما ذاك إلا لأنهم قنعوا بما هم
عليه، وظنوا أن الدين صلاة الفرض وصيام رمضان وحج البيت وزكاة المال فحسب،
ومازاد على ذلك فهو تطوع، مع أن ما يعدونه تطوعا إنما هو واجب لايجوز للإنسان
تركه:
أليسوا يسمون من أطلق لحيته، وقصر ثوبه، وغض بصره، ولم يسمع الأغاني،
متطوعا؟..
مع أن هذه الأمور وغيرها ليست من باب التطوع، بل من هي باب الفريضة، لكن هذا
الفكر الذي اعتنقه كثير من الناس بدراية أو بغير دراية، هو الذي يقول لهم إن
هذه تطوعات لا واجبات.
2ـ
كذلك لما انتشر في المسلمين عقيدة المرجئة القائلة: لايضر مع الإيمان ذنب..
انطلق كثير منهم في المعاصي دون خوف أو وجل على إيمانهم من الضعف أو الزوال،
وذلك لقناعتهم أن الإيمان لن يتضرر بما يفعلون، وما قول العاصي لمن ينصحه في
معصيته:
"الله غفور رحيم، الإيمان في القلب"..
إلا دليل على أن هذا الفكر قد انتشر بين الكثير دون أن يدركوا أنه مخالف
لعقيدة السلف.. مهما كان الإنسان مسرفا على نفسه بالخطايا فإنه قريب من رحمة
الله مادام يعتقد أن الإيمان:
"قول وعمل، يزيد وينقص"..
وذلك أن مثل هذا إذا نصح تقبل النصيحة وسمعها وتمنى السلامة مما هو فيه، لأنه
يعلم أن ذنبه يضره وينقص إيمانه، ولذا فإنه يحدث نفسه بالإقلاع عن الذنب..
لكن الخطر يكمن في الذي لا يعتقد أن الإيمان يزيد ينقص، وليس قولا وعملا،
فمثل هذا إذا وعظ في فعل الطاعات أو في ترك المعصية، استنكر النصيحة، لأنه
يراها في غير محلها، فهو يعتقد أن إيمانه لايتضرر بما يفعله من معاصي، وأن
إيمانه لاينقص بترك الطاعات، ومن ثم فلا يرى أي مسوغ لأن يسمع مثل ذلك الوعظ.
وبهذا صار كثير من المسلمين يلغون في المعاصي بجرأة عجيبة، ويدبرون عن
الطاعات بنفور ظاهر،، صار إيمانهم خاليا من روحه، ففقدوا مصدر قوتهم، فضعفوا
وانقلب عزهم الماضي ذلا في الحاضر، لأنهم صاروا أصحاب شهوات..
---
(الإيمان: قول وعمل = تقدم وقوة)..
إن المسلمين حكموا العالم يوم أن كانت
عقيدتهم تملي عليهم القيام بالطاعات والانتهاء عن المعاصي، يوم أن كانت
عقيدتهم:
" الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية"..
لكن لما تبدلت تلك العقيدة فصارت أفعالهم تخالف ما في قلوبهم وما ينطقونه
بألسنتهم لحقتهم الهزيمة..
إن سبب قوة المسلمين هو إيمانهم، وسبب إيمانهم عملهم بما يدعو إليه ذلك
الإيمان، ومن ترك العمل صار بلا إيمان، والتارك للعمل هو المنتهك للحرمات،
المفرط في الطاعات..
ومن المعلوم أن المسلمين ما قاتلوا الكافرين يوما بكثرة عدة أو عتاد، بل هم
في جل المعارك أقل من أعدائهم في القوة المادية والبشرية، ثم إن الله كان
ينصرهم لصدق إيمانهم، لأن إيمانهم كان إيمان عمل، لا إيمان كسل، لكن إذا صار
إيمانهم أجوفا ليس له حقيقة، إيمان لا يدعو إلى العمل، فإنهم سيفقدون سبب
النصر الأعظم، ومن ثم فلا عجب أن يهزموا أمام عدوهم، لأن المنطق يقضي بغلبة
صاحب العدة حين يغيب صاحب الإيمان.
---
( الإيمان: قول وعمل... عقيدة حية
مؤثرة)...
كان المسلمون الأوائل يحاسبون أنفسهم
على كل صغيرة وكبيرة، ويتهمونها بالتقصير، ويتعاهدون إيمانهم لأنهم يعلمون
أنه يزيد وينقص، فهم يحبون زيادته، ويخافون من نقصانه، قال أبو الدرداء:
" من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه"، الطحاوية 343
كانوا يجتنبون المعاصي جميعها، وإذا أذنبوا استغفروا ولم يصروا على ما فعلوا،
كانوا يسارعون في الطاعات طلبا للزيادة من الإيمان، هذا عمر يقول:
" هلموا نزدد إيمانا" الطحاوية343
كانوا يعلمون أن رأس مالهم هو إيمانهم، وأن الطاعات وقود هذا الإيمان،
واجتناب المعاصي يحفظ ذلك الإيمان، ولأجل ذا نصرهم الله، وأعلى بهم الدين،
وجعلهم سادة العالم..
وإذا ما تمكن أعداؤهم منهم لبعض الفترات بسبب الغفلة والشهوات سرعان ما كان
يفيض وجدان المسلم وإيمانه فيسترد عافيته، وينطلق ليحرر الأرض ويحرر الإنسان،
وما ذلك إلا لصحة اعتقاده، فإنه مهما كان مسرفا إلا أن عقيدته الصحيحة كانت
كفيلة بإرجاعه إلى الطريق المستقيم، لكن البلية والمصيبة حلت عندما فسد
الاعتقاد، فضاع المسلم بين شهوة وعقيدة فاسدة، فالشهوة أضعفت قوته، وسلبت منه
العزة، ومكنت منه عدوه، والعقيدة الفاسدة ضيعت عليه طريق العودة إلى قوته
وعزته، بل ساهمت في زرع الهوان في نفسه..
وقد أدرك أعداء الإسلام أهمية إفساد اعتقاد المسلم ليسهل قياده وإذلاله،
فنشطوا كل الطوائف والفرق الضالة التي تهدم العقيدة الإسلامية، من ذلك فرق
الصوفية، تلك الفرق التي تدعو إلى عبادة القبور، أي تدعو إلى الشرك، والتي لا
تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر، لأنه ليس في قاموسها تلك الشعيرة العظيمة،
وفي ذات الوقت نشط أعداء الملة في بث الشهوات المحرمة من خلال وسائلهم
الخبيثة، ليحكموا القبضة على عنق المسلم، فصار المسكين بين:
-
عقيدة ضالة، لا تخوفه من المعصية، ولا تدعوه إلى الطاعة..
-
وهوى النفس وشهواتها المحرمة،..
-
وثالثة الأثافي تزيين الرذيلة والدعوة إليها ليلا ونهارا، في كل مكان، وتيسير
سبيلها، ومكافأة فاعليها، ورفع شأنهم، وتناقل أخبارهم..
فما كان منه إلا أن انجرف خلف التيار الجارف دون وعي، فسقط في حبائل الشيطان،
فصار أسير في يد الأعداء، ولربما أفاق حينا من غفلته، وأزمع على التوبة من
ذنبه، وشعر بالندم بفطرته، لكنه يصدم بمن يقول له:
"الإيمان في القلب، وأنت لم تكفر، والله غفور رحيم"..
وربما قال له: " أنت صاحب رسالة سامية"..
فيفسخ العزم، ويعود إلى مستقنع الرذيلة مرة أخرى..
لذا فأول طريق الإصلاح هو تصحيح الاعتقاد، وما ضربت إلا مثلا واحدا من
الأمثلة في فساد الاعتقاد، وكيف كان ذلك سببا في ضعف المسلم وهوانه، فما نقول
في كثير الاعتقادات الفاسدة التي غزت أمة الإسلام؟، فلا بد إذن من تنقية
الإيمان مما شابه، فنعود لنذكر بأن الإيمان:
"قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية"..
فاحفظوا هذا، وتعلموه، وعلموه من
تلقون ومن تعرفون من أهليكم وبنيكم وأمتكم.