في شيلي قامت شركة بصناعة بيت من زجاج.. يرى كل شيء في الداخل..
وسكنت فيه فتاة شابة ممثلة، تتصرف كما لو كانت في بيت مستور، تنام، وتجلس،
وتأكل، تذهب وتأتي وتغتسل في حمام البيت عارية والكل ينظر إليها بلا حجاب..
قامت ثورة الناس هناك، وعارضوا هذا
التصرف.. لماذا؟..
للإجابة عن هذا الموضوع سيكون كلامنا
عن حقيقة الحرية بين الفكر والتعبير، وهل حقا يجب ويفترض ويحسن أن تطلق
الحريات ليفكر الإنسان فيم شاء، ويقول ما يشاء، ويفعل ما يشاء، كما يقول
ويروج بعض الناس؟..
لتوضيح هذه القضية شرعا وعقلا وواقعا
وفطرة نقول:
لدينا عدة قضايا أظنها مسلمة:
(( القضية الأولى)):
الإنسان كائن حي يعيش مع كائنات أخر..
وأقربها إليه ذلك الكائن الذي يقدر على التخاطب والتفاعل معه، وهو الإنسان..
وهو لا يقدر أن يعيش بدونه.. فلا بد للإنسان من إنسان آخر يشاطره الحياة
ويشاركه في سلبياتها وإيجابياتها.. زوجا كان أو قريبا أو مجتمعا.. لا فرق..
المهم أن الإنسان ليس كائنا منعزلا يعيش بمفرده..
هذه الحاجة إلى اجتماع الناس لا بد لها من سبب.. السبب هو قصور الإنسان عن
القيام بأعباء الحياة وحده دونما عون من الآخرين، سواء كانت أعباء نفسية أو
اجتماعية … فهي حاجة نفسية واجتماعية..
وإذا كان كذلك، فالإنسان لا بد وأن يشعر أنه بين تأثر وتأثير، ففي حين يكون
مؤثرا في غيره، إما بفكر أو عمل، فإما أن يهديه أو يضله.. إما أن يقدم إليه
خيرا أو يقدم إليه شرا..
والعكس ..
في حين آخر يكون متأثرا بغيره، في فكر أو عمل، فإما أن يهتدي به أو يضل به..
إما أن يأخذ منه خيرا أو يأخذ منه شرا.. بحسب ما يقدمه له ذلك الآخر المؤثر..
((القضية الثانية)):
إذا ثبت أن الإنسان إما مؤثر أو متأثر
.. سلبا أو إيجابا.. خيرا أو شرا.. فلنا أن نسأل:
ما الذي يجعله يؤثر بالخير لا بالشر؟..وما الذي يجعله يؤثر بالشر لا
بالخير؟..
الجواب:
أن ذلك بحسب ما يعتنق ويدين به.. فإن
كان ما يدين به خيرا، فتأثيره بالخير، وإن كان ما يدين به شرا، فتأثيره
بالشر..
وأصل الخير من الله تعالى لاشك.. وأصل الشر من الشيطان والنفس لا شك:
{ ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}..
فالإيمان بالله تعالى هو طريق ووسيلة إلى الخير.. واتباع الشيطان والانصياع
لتعاليمه وسيلة إلى الشر، فالشيطان نذر نفسه لإضلال البشرية، قال تعالى :
{ قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا
قليلا}..
((القضية الثالثة)):
يثبت الطب في الحاضر والماضي أن هناك
أمراضا معدية كالجذام والأيدز، من مرض بها لا بد أن يعزل عن الآخرين، كيلا
يشيع المرض، وهذا لا يخالف فيه إنسان..
وقد قلنا من قبل أن الإنسان مطبوع على التأثر والتأثير بحسب الأفكار التي
يحملها، وقلنا إن الأفكار التي يحملها منها الصحيح ومنها السقيم.. منها الخير
ومنها الشر.. منها الإيمان ومنها الكفر..
فلو أردنا أن نطبق المثال على أمراض البدن المعدية وغير المعدية نقول:
إن الأفكار السلبية الشريرة، منها ما هو معدٍ، ومنها ما هو مرض في ذاته غير
معد..
يكون معديا إذا تأثر به الآخرون.. وهم يتأثرون إذا أفصح المريض وتكلم بما في
ذهنه من أفكار.. فيكون كالجذام والأيدز يحتاج إلى عزل وحجر كيلا يؤذي
الآخرين..
أما إن كتم في نفسه فهو كالمريض مرضا غير معد يضر نفسه ولا يضر غيره، وإذا
كان هذا يجب علاجه رحمة به، فذاك .. صاحب المرض المعدي أو الفكر المعدي، الذي
ينادي ويروج لفكره، يتوجب من باب أولى علاجه بالمنع والزجر رحمة به وبالناس،
وإلا أهلك نفسه وأهلك الآخرين.
فالأمراض ليست بدنية فحسب بل هي فكرية كذلك..
وكما أن بعض الأمراض البدنية تحتاج وجوبا إلى عزل وحجر.. كذلك هناك أمراض
فكرية تحتاج إلى حجر وعزل رحمة بالناس.. فمرض الفكر أشد وأنكى من مرض البدن..
وهي تلك الأفكار التي تعارض ما نزل من عند الله صراحة أو تلميحا، وتوافق
تعاليم الشيطان، وتنال من أصول الدين الحنيف، والتي ينادي بها أصحابها في كل
مكان باسم الحرية في التعبير، بدعوى أن الإنسان له الحق أن يقول ما شاء:
ناسين أن ذلك مخالف للدين المنزل من رب العالمين، الذي أعطى الإنسان الأدوات
التي يعبر بها من لسان ويد وجوارح، فيجب ألا يستخدمها في سخطه..
ناسين أن استخدامها في مخالفة دينه كفر بنعمته عليهم، بالإضافة إلى أنه تدمير
للإنسانية…
وهذا يتبين بالقضية الرابعة..
((القضية الرابعة)):
هل ثمة فصل بين الفكر والتعبير بالقول
أو بالعمل؟..
هناك من يفترض أن الفكر يمكن أن يكون فكرا دون عمل، ولذا يقول:
دعوا الناس يفكرون، ويقولون ما شاؤوا، إذا لم يتبع ذلك تصرف سلبي شرير.
وهذا ظن خاطيء، فإن كل فكر يتردد في الذهن خيرا أو شرا يبحث عن منافذ للتعبير
بالفعل..
فمن كان فكره في الخير.. تجده في أبواب الخير يخطط وينفذ ويسعى ويتكلم
ويعمل.. يراه كل الناس، فيؤمنون أن قلبه وعقله يفكر في هذه الأبواب لا غير،
لذا فهو يعمل فيها..
ومن كان فكره في الشر.. تجده في أبواب الشر يخطط وينفذ ويسعى ويتكلم ويعمل..
والناس يرونه كذلك، فيؤمنون أن قلبه وعقله يفكر في هذه الأبواب لا غير..
فالفكرة إذا استقرت في الذهن نتجت عنها إرادة جازمة، فإن كانت قدرته تامة،
حصل الفعل ولا بد، ولا يتخلف الفعل حينذاك إلا لمانع، كأن يكون ممنوعا من قبل
غيره..
إذن افتراض أن الأفكار لا يتلوها عمل افتراض وهمي، بل العمل أصله فكرة، خطرت
في الذهن ثم استقرت، ثم تبلورت، ثم ظهرت في شكل عمل، وإذا لم تظهر فلمانع قوي
خارج عن الإرادة…
وإذا ثبت أن الفعل إنما هو أثر عن الفكرة في عدم وجود مانع.. فمن هنا تأتي
أهمية وجود الرادع الذي يمنع أصحاب الفكر المنحرف القائم على المنهج
الشيطاني، لأنهم إذا لم يمنعوا أفسدوا وهدموا وخربوا وكانوا رسلا للشياطين..
.......وقد جاءت الشريعة مؤكدة على هذا الرادع.. .....
ولم تدع للإنسان أن يعبر عما يدور في فكره كيفما شاء، إذا كان فكره ينطوي على
انحراف يخدم أغراض الشيطان في إضلال البشرية.. فمن ذلك قول الله تعالى:
{ يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن
الله مخرج ما تحذرون * ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا الله
وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}..
نزلت في قوم جلسوا في غزوة تبوك يعبرون عما في نفوسهم تجاه أهل القرآن
فقالوا:
" ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، وأكذب ألسنا، وأجبن عند اللقاء"..
فنزلت الآيات في كفرهم بذلك التعبير عن مكنون النفس.. وهم يتعلقون بحقب ناقة
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب"..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد عليهم:
{ أبا الله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون؟! لا تعتذورا قد كفرتم بعد إيمانكم}
..
ودليل آخر، قوله عليه الصلاة والسلام:
( من بدل دينه فاقتلوه) ..
وقد ذكر العلماء قاطبة أن من أنواع الردة، الردة بالقول، كأن يسب الله تعالى
أو نبيه صلى الله عليه وسلم أو دينه أو يستهزء به أو بآياته ، وكل هذه أقوال
لم تعد الكلام إلى الفعل، ثم إن الشرع لم يتسامح مع هؤلاء لكونهم تكلموا وما
عملوا.. بل آخذهم بالقول.. الذي هو التعبير عن خبايا النفس..
قضية الفكر والتعبير قضية خطيرة للغاية يختلط فيها الحق بالباطل.. وقد لا
يفهمها بعض الناس على وجهها:
((((الإسلام لا يحجر على العقول أن تنتج وتبدع ما دامت تعمل في صالح البشرية
فكرا وعملا، وهكذا فإن كثيرا من العلماء غير المسلمين عاشوا في كنف المسلمين
وأبدعوا وأنتجوا لما كان فكرهم لا ينافي الأسس التي يقوم عليها الدين المنزل
من رب العالمين، لما كان فكرهم لا يؤذي البشرية..))))
(((أما حين ينافي الفكر الشرع المنزل فهو يؤذي البشرية ولا بد، لأن الدين
يتضمن كل ما ينفع البشرية، فمن صال وجال بفكر آخر غير ما شرع الله تعالى
يعارض به الدين المنزل فالإسلام يمنعه ويزجره حفاظا لسلامة العقول والقلوب
والأنفس والأموال.. )))))
قضية الحجر على الفكر المنحرف ومنعه عن الناس قضية فطرية مسلمة.. وسأضرب
مثلا:
ابنك الذي بين يديك الذي هو في العاشرة من عمره، تراه صغيرا لم يفهم الأمور
بعد..
هل كنت تتركه يتلقى فكرا مسموما أنت لا ترضاه يصدر من أخيه الأكبر بدعوى حرية
التعبير.. إذا كان الأخ الأكبر فاسدا يعيش على الخمر والمقامرة والنساء فجاء
يحدث أخاه الأصغر عن ما يفعل، وأخته عما يفعل، فهل كنت تتركه يفعل وأنت ترى
وتسمع؟..
الجواب:
لا، إن العاقل ليحمي أبناءه من هذه
الأفكار خشية عليهم، بغض النظر عن أن الدين ينهى عن ذلك، لأن البشرية كلها
تؤمن أن هناك أشياء سلبية لا خلاف في سلبيتها، ومن ثم تحاول منع ونفي مصدري
تلك السلبيات المعبرين عنها بأقوالهم، فإذا لم يقدروا، منعوا من كانوا تحت
سلطتهم من الاستماع إليهم أو مخالطتهم..
@ قبل أيام قرأت خبرا في هذا المعنى.. في شيلي قامت شركة بصناعة بيت من
زجاج.. يرى كل شيء في الداخل، وسكنت فيه فتاة شابة ممثلة، تتصرف كما لو كانت
في بيت مستور، تنام، وتجلس، وتأكل، وتذهب وتأتي وتغتسل في حمام البيت عارية
والكل ينظر إليها بلا حجاب.. قامت ثورة الناس هناك، وعارضوا هذا التصرف..
لماذا؟..
هم ليسوا مسلمين.. لكن فطرتهم أبت هذا الفعل المنافي للخلق، المريض مرضا
معديا..
(((( وكما قلت هذه قضية فطرية من جادل في وجوب منع ذوي الأمراض الفكرية حفاظا
على سلامة أفكار المجتمع.. من جادل فيها وعارض فهو كمن يعارض وجوب عزل
المجذوم والمريض بالأيدز، بزعم أن ذلك من الحجر على حرية الإقامة والتنقل..
ولا يقول بهذا عاقل))))..
والعجب أن بعض الناس يستشنعون الحجر على الفكر المنحرف.. يرون ذلك تخلفا
ومصادرة لحق مشروع، ولا ينظرون بنفس المنظار إلى الحجر على المريض مرضا
معديا.. مع أنهما في المثال واحد..
لكن هذا إن دل فإنما يدل على تقديمهم منزلة البدن على منزلة الروح والعقل،
فهم يستميتون في الحفاظ على البدن، أما العقل والفكر والسلوك فلا يعنيهم مرضه
وعدوان مرضه إلى الآخرين.. وهم في ذلك يكيلون بمكيالين.
الإنسان قد يفكر بما شاء من أفكار تنافي الخلق والدين، لا يحاسبه على ذلك إلا
رب العباد.. وما دام أنه لم يترجم فكره إلى قول أو فعل فالبشرية آمنة..
لكن متى تعدى إلى طور القول ومن ثم العمل يكون بذلك قد دخل مرحلة التأثير في
المجتمع، فإن كان فكره منحرفا فذلك يعني ضرر المجتمع، ولذا يجب منعه عقلا
وشرعا وعرفا.. جاء في الأثر:
( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تكلم) .
((((إذن أصل الحجر والمنع ثابت في الفطر والعقول لا أظن أحدا يخالف فيه..
فالإنسان وكذا المجتمع يبني توجهاته وأعماله وفق الأفكار التي يؤمن بها، فإن
كانت سلبية منحرفة، كانت التوجهات كذلك، ولا يخفى أثر ذلك.))))
والباطل قد يعلو كما أن الحق يعلو، وتلك سنة الله، { وتلك الأيام نداولها بين
الناس}، فيوم للحق ويوم للباطل، لكن لنعلم أن الباطل ما على إلا بعد السماح
له بالظهور وترك الحرية للتعبير المريض المعدي بالقول والفعل.. ففسدت الحياة
وظهرت أنواع الأمراض العقدية والخلقية الفتاكة التي لا يملك أكثر الناس
الحصانة منها..
بعض الناس يقولون: دعوا الناس يسمعون الخير والشر، ثم يحكمون ليعرفوا قدر
الحق..
وهذه كلمة حق أريد بها باطل، فلسنا في حاجة أن نسمع ما يكرهه الله، ثم كيف
لنا أن نأمن على إيمان وأخلاق عموم الناس؟..
وهذا قريب…فأكثر المسلمين لا يدركون حقيقة الإسلام ولا حقيقة الكفر، ومن ثم
هم مستجيبون لكل فتنة إلا من عصمهم الله تعالى، وانظر حال المسلمين ترى ذلك
واقعا حقيقة:
في توليهم الكفر ونكوصهم عن تعاليم الإسلام وإقبالهم على الفساد، كل ذلك بسبب
سماعهم للفكر المنحرف وفقدانهم للوعي والحصانة الخلقية والعقدية..
لو كان المسلم ذا حصانة كبيرة فالخير له ألا يسمع الأفكار الفاسدة خشية على
دينه، وليس هذا من ضعف الثقة بالنفس، بل خوفا من تقلب القلوب الذي أقض مضجع
الصالحين..
((((من الغباء أن نبحث عن الفتن لنتصدى لها، بل نتركها فإن أصابتنا أو خرجت
في طريقنا استعنا بالله على إخمادها))))....
أما البحث عنها فهو في المثال كرجل خرج سفرا فصار ـ بدل أن يسير في طريقه ـ
يبحث عن جحور الثعابين والعقارب يقتلها كيلا تؤذيه بزعمه، فالتهى بها عن
سفره، وربما لدغه ثعبان فقتله أو أعاقه…
فالفتنة نائمة فمن الحمق إيقاظها..
وهذا منهج سلفي معروف.. كان العلماء ينهون عن سماع المبتدعة والجلوس إليهم..
لا لقلة علمهم أو لعجزهم عن الحجة، بل ليعلموا الناس ممن قل علمه وضعفت حجته
ـ وهذا الصنف موجود، وهو السواد الأكثر من الناس في كل زمان ومكان، ولم يحدث
أن عدموا ، ولن يحدث ـ كانوا يعلمونهم ألا يسمعوا لأصحاب الفكر المنحرف لأن
حجة هؤلاء العوام قد لا تنهض لرد شبهات أولئك فيكون سماعهم لهم سببا في زيغهم
وهلاكهم..
أخيرا أقول:
إن الفكر المنافي لدين الله مثل:
الطعن في القرآن والسنة وحملة الدين..
ومثل الدعوة إلى تبرج النساء واختلاطهن بالرجال..
والدعوة إلى الفساد الخلقي، يجب أن يمنع، كل بحسب مسؤوليته وما ولي، فالإمام
راع، والأب راع، والأم راعية، وكل صاحب أمر راع، كما صح في الأثر قال عليه
الصلاة والسلام:
( كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع
في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)
..
الفكر المنحرف يجب أن يمنع، لأنه مرض معد.. والأمراض يجب أن نكافحها مهما
كانت طاغية.. مهما كانت عاتية.. لندرك بالنجاة من نقدر على نجاته، وأما من لا
نقدر عليهم، فذلك ليس شأننا:
{إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}..
وعلى ذكر الرعاية، هذا أب يروي قصة ابنته التي ماتت وهي شابة، رآها في المنام
وهو تقول:
حسبي الله ونعم الوكيل، فسألها، فقالت:
عليك يا أبت، يا من فرطت بي، يا من لم تصني، يا من خنت الأمانة، يا من كنت
السبب فيما أنا فيه، حسبي الله عليك..
ثم تغير وجهها إلى وجه مخيف كريه المنظر، وعيناها كأنهما جمرتان تتقدان لهبا،
وقالت:
أنا في حفرة من حفر جهنم، وأنت السبب، كنت تراني مع إخواتي نشاهد الأفلام
الهابطة إلى منتصف الليل ولا تمنع، وننام عن صلاة الفجر فلا تنصح، وتذهب بنا
إلى محلات الفيديو، ونخرج متبرجات متعطرات إلى الأسواق لنغري الشباب دون
رقابة منك أو اهتمام..
استيقظ الأب مذعورا يبكي، بعد فوات الأوان، عازما التصحيح مع البواقي..
فتلك عبرة، والحرية المطلقة في الدين والعقل والفطرة والواقع ممنوعة، والحق
لا يحابي أحدا.