الغيرة
صون العرض عما يشين ويعيب........
والدياثة
أن يرضى الرجل في أهله الخبث......
إن الرجل لا ينبل ولا يكرم إلا إن كان
يغار على عرضه، فيصونه من التهم والمعايب، هو الذي يقدم نفسه وماله فداء
لعرضه من أن يتطاول عليه لسان، أو يلغ فيه إنسان..
وإن الأمة لا تنبل ولا تكرم ولا تقوى إلا إذا كانت تصون أعراضها من الفساد،
وتجنبها طريق الرذائل، وليس الأمر يتوقف عند حد النبل والكرم، بل لا يعد
الرجل مؤمنا إذا فقد الغيرة على نسائه، ولاتعد الأمة مؤمنة إذا فقدت الغيرة
على نسائها..
فالإيمان والغيرة صنوان، كلما زاد الإيمان زادت الغيرة، وكلما نقص نقصت، وإذا
انعدم انعدمت..
وإن فقدان الغيرة من علامات النفاق، فلاتجد منافقا إلا وهو عادم للغيرة على
أعراض الناس بل وعرضه، ولذا فإن المنافقين دوما يحبون أن تشيع الفاحشة في
الأمة، فهم يحبون تبرج المرأة وسفورها واختلاطها بالرجال، يحبون انتشار الزنا
والخنا، ويدعون إلى ذلك بتزيين طرائقه، وفتح أبوابه، تارة بالتلميح، وتارة
بالتصريح إن استطاعوا، قال تعالى:
{ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا
والآخرة، والله يعلم وأنتم لاتعلمون}..
تراهم يسعون في هدم الغيرة من قلوب المؤمنين..
والدعوة إلى تحرير المرأة من حجابها..
وإخراجها من بيتها..
وتحريرها من قوامة الرجل عليها..
ويدعون إلى اختلاطها بالرجال في التعليم والعمل..
لعلمهم أنها إذا نزعت حجابها، وخرجت من بيتها، وتولت القوامة على نفسها،
وخالطت الرجال في التعليم والعمل، فإن ذلك يقتل الغيرة في نفوس الأمة، وإذا
ماتت الغيرة في الأمة انتشرت الفواحش والآثام، والظلم والخداع..
فالغيرة هي الجدار المتين أمام كل رذيلة وفساد، وإن الرجل الذي يغار هو الحصن
الذي ترتع فيه محارمة آمنات مطمئنات، بعيدات عن كل اعتداء آثم، وظلم وخداع كل
خبيث متستر بالحب والإخلاص، وصدق ربنا حين يقول:
{ والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا
عظيما}..
انظروا إلى الكفرة ـ والكفر والدياثة صنوان، ولذا قال رسول الله: (لايدخل
الجنة ديوث)، أي الذي لايغار على عرضه ـ انظروا كيف لايغارون على أعراضهم،
يرضى أحدهم لزوجته أن يستمتع بها أي صاحب أو غير صاحب!! لتعلموا أن المرء إذا
عدم الغيرة على نسائه فالبهائم خير منه، فإن بعضها تقاتل دون إناثها إذا تعرض
لها معتد..
(((((((..........وحدود
الغيرة واسعة.........))))))))
وليست الغيرة حد صون العرض من الزنا فحسب،
بل صونه كذلك من أن يطلع على محاسنه رجل غريب، أو أن يخلو به، أو أن يحادثه
أو أن يمس شيئا من بدنه..
فكل رجل مؤمن غيور:
لا يرضى لنسائه أن يظهر منهن شيئا من
المحاسن ولو كان ظفرا..
ولا يرضى بأن يختلي بهن أحد، لا سائق ولا طبيب ولا ممرض..
ولا أن يحادثن أحدا إلا لضرورة، من وراء حجاب، دون لين في الكلام أو تكسر.0.
وإن الغيرة لا تقف عند صون المرء عرضه فحسب، بل:
تملي عليه أن يصون أعراض الناس، فلا يمد نظره إليها، ويحفظ لسانه ويده وفرجه
من الاعتداء عليها..
وتملي عليه أن لا يرضى أن يعتدى على عرض مسلمة بأي طريقة كان، وهو ينظر أو
يسمع، فالغيرة تحمله على نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، والغيرة تحمله
على نصح كل امرأة متبرجة سافرة..
فالغيرة إذن:
صون الرجل عرضه وعرض غيره من
المؤمنين، من كل أنواع الاعتداء..
هذه هي حدود الغيرة:
فمن أنقص منها شيئا، فقد نقص من
إيمانه بقدر ذلك، فإن تركها جميعا، انخلع من إيمانه جميعا ولابد.
((....إن قضية الغيرة من
قضايا الدين الكبار، وقواعده العظام....))
لما نزل قوله تعالى:{ والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}،
قال سعد بن معاذ: " يا رسول الله! إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي
بأربعة؟!!!!!
والله لأضربنه بالسيف غير مصفح.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟، لأنا أغير منه، والله
أغير مني". (أصله في صحيح البخاري، النكاح، باب الغيرة)
ثم نزلت آية الملاعنة بين الزوجين..
لم يكن سعد أغير من رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي تحمل الأذى والمكائد
والحصار من أجل إقامة الشرع الذي يكفل للناس كرامتهم، ويضمن لهم العفة
والطهر، ويحيي في قلوبهم الغيرة، جاهد بنفسه وأهله وماله، وخرج تاركا أرضه
وبلاده، ليقيم دين الغيرة وصون العرض..
وإذا كانت غيرة سعد قد قصرت على زوجه، فإن غيرة رسول الله امتدت إلى الأمة
جميعها، فرضي أن يعيش حياة الحرمان والزهد والتعب والجهد، من أجل أن ينعم
الناس جميعهم، في حياة مليئة بالأمن والطمأنينة على أموالهم وأعراضهم، فقد
كان من أعظم ما يهم المرء في ذلك الحين عرضه، من زوج وبنت وأخت وأم، وكم كان
يخاف عليهن من السبي والإذلال والفجور، فجاءت دعوة رسول الله فحفظت وصانت
أعراض الناس، فعاش الناس لايخافون إلا الله، وأمنت النساء خديعة وظلم
المجرمين..
أليس رسول الله هو أغير الجميع؟..
هذا والله سبحانه أغير من رسول الله، ولأجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما
بطن، ومن غيرته سبحانه أنه أرسل الرسل وأيدهم لتدعوا الناس إلى دين العفة
والطهر والأخلاق الفاضلة، وتوعد من ارتكب شيئا من المنكرات بالعقوبة في
الدنيا والآخرة، قال عليه الصلاة والسلام:
( والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) البخاري..
وقال: (ما أحد أغير من الله، ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)..
ولولا غيرة الله على محارم عباده لعاش الناس حياة البهائم، ولربما كانت
البهائم أكرم منهم! وإن من غيرته سبحانه أنه أذن لعبده أن يموت دون عرضه، ولو
قتل فإنه شهيد، فقال رسول الله :
( من قتل دون عرضه فهو شهيد)..
((((......عمر الغيور...
وابن أبي بن سلول الديوث...))))))))
عن جابر بن عبدالله قال رسول الله بينما
أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا؟
قال: هذا لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرا، فبكى عمر وهو في المجلس، ثم قال:
أوعليك يا رسول الله أغار؟) البخاري، النكاح، الغيرة..
فمن كان يغار فقد اقتفى أثر عمر رضي الله عنه، ومن لم يكن يغار فقد اقتفى أثر
المنافق رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول الذي كان يكره فتياته على البغاء
لأجل أضيافه، قال تعالى فيه:
{ ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا،
ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}..
تقول أسماء: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولاشيء غير ناضح
وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، واستقي الماء .. وكنت أنقل النوى من أرض الزبير
على رأسي.. فلقيت رسول الله ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثم قال: إخ، إخ،
ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان من
أغير الناس، فعرف رسول الله أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير .. ـ فأخبرته ـ
فقال:
والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. البخاري النكاح، الغيرة
وذلك لأن تبذلها بحمل النوى يوهم خسة النفس ودناءة الهمة وقلة الغيرة في
زوجها، ولذا كره ذلك.الفتح 9/324
ويذكر عن الزبير أيضا أنه تزوج امرأة فكانت تخرج إلى الصلاة في المسجد فيرغب
إليها ألا تخرج، فتلح عليه لأجل الصلاة، فخرجت مرة فكمن لها في الطريق فلما
مرت قرص عجيزتها، فرجعت من فورها إلى بيتها وهي تسترجع وتستغفر، فامتنعت من
الخروج بعد ذلك، فسألها الزبير عن سبب ذلك، فقالت:
" كنا نخرج يوم كان الناس ناسا، فلما تغيرت قلوبهم تركنا الخروج"..
ويذكر عن علي رضي الله عنه أنه كان يغار على فاطمة من السواك.
((.. إن الغيرة تنمو
بالرعاية، وتموت بالإهمال والتهاون في الصغائر.. ))
وإنه لأمر خطير حقا أن يرضى الرجل لامرأته
أن تنظر عورات الرجال..
وإنه لمن قلة الغيرة أن يجتمع الأب مع بنيه وبناته على فلم هابط يرون تفاصيله
التي لا تخفاكم دون حياء أو خجل..
وإنه لمن قلة الغيرة أن يدع الرجل أهله يحادثن الرجال باعة كانوا أو غير ذلك
وهو منزو في بيته أو في سيارته ينتظر فراغهن..
وإنه لمن قلة الغيرة أن يأذن الرجل لنسائه أن يظهرن الوجه أو اليدين أو
القدمين، ولعل بعضهم إلى الغفلة أقرب..
وإنه من قلة الغيرة أن يأذن الرجل لوليته أن تعمل مع الرجال، مهما كان العمل
ساميا..
وإن من قلة الغيرة أن يأذن لحرمه أن يسافرن بلا محرم، سواء كان لأجل العمل أو
النزهة، وأخيرا ..
هدى الله هذه الأمة، ورزقها الغيرة، وجنبها الحيرة.