لم تكن المرأة في الغرب قبل الحضارة المعاصرة في أوربا تعيش حياة التبرج
والسفور والرذيلة والتفلت من القيم والأخلاق والآداب والرباط العائلي
والديني..
بل كانت وقبل قيام الثورة الصناعية، تحيا حياة الطهر والعفة، لم تكن تخالط
الرجال لافي عمل ولامدرسة ولابيت، ولم تكن المرأة الغربية تلبس اللباس العاري
وتخرج بزينتها أمام الرجال، فضلا أن تتخذ صديقا تعاشره ويعاشرها، بل كانت في
بيتها ومزرعتها تقوم بشؤون أولادها وزوجها وأهلها..
نعم كان الرجل الأروبي ينظر إلى المرأة باحتقار ومهانة وانتقاص، لكنه ما كان
يسمح لها أن تدنس عرضها، فقد كان العرض محل التقدير والحفظ، فمن المعلوم أن
الزنا محرم في كافة الشرائع اليهودية والنصرانية والإسلام، ولاتجد مجتمعا
محافظا على أخلاقه ولو كان على غير ملة الإسلام إلا ويحرم
الزنا ويعاقب فاعله ..
كانت أوربا تعيش تحت وطأة الحكم الكنسي وحكم الرهبان الذين انحرفوا بدين
النصرانية وبدلوها، وبالرغم من هذا التحريف إلا أن الكنيسة كانت محتفظة ببعض
التعاليم الصحيحة كتحريم الزنا ومعاقبة من يفعله..
ومن هنا حافظت المرأة على طهرها وعفتها، لكن طغيان الرهبان واستبدادهم ولّد
في نفس الإنسان الغربي كراهية الكنيسة وكراهية رجال الدين الرهبان، بل
وكراهية الدين ذاتِه، فلما قامت الثورة الفرنسية، نبذ الغرب الدين بأكمله
وقتلوا الرهبان المنحرفين، وكان من ضمن ما نبذوه الحفاظ على عفة المرأة
وطهرها وصيانتها..
فخرجت المرأة من حصنها الذي كان يحميها من الشياطين منفلتة من كل رباط أخلاقي
وأسري، بعد أن نبذت الدين الذي كان يحرم عليها ذلك بالرغم من انحرافه..
هذا سبب..
وسبب آخر لتفلت المرأة في الغرب من القيم الأخلاقية:
أنه لما قامت الثورة الصناعية، ذهب
الرجال إلى المدينة للبحث عن الرزق وطلب فرصة أفضل لبناء حياة كريمة، ترك
الرجال القرية فبقيت النساء بلا عائل ولامنفق، فاضطرت المرأة هي الأخرى
للذهاب إلى المدينة لتبحث عن
الرزق والمعيشة، فتلقفها أصحاب العمل ورضخت تحت وطأة الحاجة أن تعمل بنصف أجر
الرجل مع كونها تقوم بنفس عمله..
وهناك في المدينة، وجدت المرأة نفسها وحيدة، ليس لها أسرة ولاعائل، فالكل
مشغول في حياة المدينة ..
سكنت وحيدة، وعاشت وحيدة، فقد كان عليها أن تبني نفسها بنفسها وتلبي حاجاتها
بجهدها، وكان من ضمن ما تحتاجه الرجل الذي يحوطها ويحفظها ويشبع رغباتها
ويكون لها زوجا، ولما كانت حياة المدينة صاخبة، والكل في عمل وسعي، لم تجد
العطف والحنان في كنف رجل يكون لها وتكون له، فلم يكن من اليسير أن تجد زوجا
لما في الزواج من كلفة صرفت الرجال عنه، ومع مخالطتها للرجال في العمل كان من
الطبيعي أن تنزلق إلى الرذيلة والمخادنة مع من شاءت..
وعزز ذلك أنه لم يكن هناك قانون يحرم ذلك، لكن ثمة طائفة أخرى لم تجد عملا،
وهنا تلقف دعاة الرذيلة هؤلاء الفتيات العاطلات، وأنشأوا لهن بيوت الدعارة،
فكان سببا آخر لفساد المرأة في الغرب ..
انفلتت المرأة الغربية من رباط الدين والأخلاق ومن رباط العائلة
والأسرة، وصار عليها لزاما أن تترك بيتها وأسرتها إذا بلغت الثامنة عشرة من
عمرها، ولها الحق في أن تعاشر من شاءت، ولايملك الأب حق منعها، بل لها الحق
أن تداعيه في المحاكم إن هو اعترض عليها أو منعها من حريتها الشخصية
التي تعني حرية المخادنة..
خرجت المرأة الغربية تاركة كل القيم الإنسانية فضلا عن القيم الدينية، واغترت
بما حصل لها من انفراج، وما حصلته من تحرر يرضي غرورها، شعرت أنها ملكت نفسها
بعد أن كانت في أسر الرجل، أو هكذا خيل إليها، ظنت أنها حصلت على حقها
المسلوب، أو هكذا أقنعت ..
خرجت وانطلقت وتحررت من كل رباط، وفعلت ماشاءت، فماذا كانت النتيجة؟....
تبدأ الفتاة منذ الثامنة عشرة من عمرها حياة لايحكمها أحد فيها، تمضي حيث
شاءت مع من شاءت، يستعملها الرجل في شهواته، ويستخدمها كأداة إغراء، في:
الأفلام
ومسابقات ملكات الجمال
وفي الإعلانات
وفي المجلات
وفي الأزياء
وفي بيوت الدعارة وغير ذلك..
يستهلك زهرة شبابها ونضرتها، حتى إذا بدأ العجز يدب إليها وذهبت نضرتها
وجمالها رمى بها المجتمع لتعيش بقية حياتها في ملجأ إن لم يكن لها مدخرات من
المال، أو تنزوي في بيت لها وحيدة لا أنيس لها سوى كلبا اقتنته لتسلو به
وتعوض به ما فقدت من حنان..
فاليوم عرفت أنها كانت مغرورةً مخدوعة، حين انفض الجميع عنها، كم عانت في
حياتها وكابدت المشاق والخوف في مجتمع لايعرف حق المرأة ولايحفظ لها كرامتها،
ومن شدة بغضها للمجتمع الذي تعيش فيه، توصي بجميع مالها لذلك
الكلب، فهي لاترى في الناس من يستحق أن تحسن إليه ولو ببعض مالها، فالبهائم
في نظرها أولى منهم، كيف لا؟ وقد وجدت عند هذا الكلب من الوفاء ما لم تجد
طرفا منه عند الناس، حتى أولادها.. تنكروا لها، فلاتراهم ولايرونها، والبار
منهم من يرسل إليها بطاقة معايدة في كل عام..
كم تعاني المرأة في الغرب من الحرمان والخوف:
فحوادث الاغتصاب شائعة حتى من المحارم..
لا يقبل صاحب العمل فتاة للعمل إلا بشرط المعاشرة..
تتعرض للسلب والنهب والقتل فلاتجد من يحميها ويحفظها إلا قوانين بائدة
خروقاتها كثيرة..
كل ذلك بسبب مخالطة الرجال، وترك القرار في البيوت..
أي نظرة إلى واقع المرأة في الغرب تورث القلب حزنا وألما من جشع الإنسان
وظلمه، فالمرأة في الغرب.. نعم تحررت ظاهرا لكنها في الحقيقة تقيدت ..
خرجت من قيد العفة والأخلاق، ودخلت في فضاء الرذيلة والهوان..
ليس كل قيد مذموما، فالإنسان لابد له من قيد يحكمه يكفيه شر نفسه وشر هواه
وشر من حولَه، وهذا القيد هو قيد الدين والأخلاق، وبهذ القيد ينعم الإنسان
بحياة الأمن والرخاء والسعادة، وإذا حل هذا القيد فسدت معيشة بني آدم..
انظروا إلى الطفل يهوى اللعب بكل شيء
حتى بما فيه هلاكه، فهل نسمح له بذلك؟..
الجواب: لا، فنحن الكبار أدرى بما
يصلحه، وكذلك ربنا جل شأنه، أدرى بما يصلح المرأة، فإنه لما شرع لها:
القرار في البيت..
وأوجب عليها القيام بشؤون أولادها
وأهلها..
وأمرها بالحجاب بستر الوجه واليدين وسائر الجسد ونهاها عن التبرج..
لم يكن ذلك حرمانا لها من حق هو لها، بل كان ذلك هو الذي يصلحها، ولا يصلحها
غيره..
فقرارها في البيت:
يحفظ الأسرة من التفكك والانحلال،
وينشر في البيت العطف والمودة، حيث يعود الرجل فيجد زوجته قد استعدت له بكل
ما يحب، ويعطي المرأة فرصة لتمنح صغارها الحنان والرعاية والتربية، ويحفظها
من الأشرار وكيد الفجار، ويحفظ المجتمع من الهدم..
وحفاظها على حجابها:
يمنع عنها نظرات زائغة من قلوب مريضة،
ويكفيها أذى الخبثاء، ويصرف عنها كل سوء، ويصونها ويبقيها في حصن الفضيلة
والشرف..
إن المرأة المسلمة تعيش في ظل الاسلام في كرامة وعزة ..
يجب على الرجل أن ينفق على وليته، ويجبر على ذلك، أبا كان أو أخا أو زوجا فإن
لم يوجد فالحاكم لها ولي، والإسلام يأمر بالإحسان إلى المرأة طفلة كانت أو
أما أو زوجة، فإذا كبرت.. فحقها أعظم، يجب برها ويحرم عقوقها، قال تعالى:
{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر
أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض
لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا }
فالأم والمرأة الكبيرة في الإسلام لها المكانة والمنزلة، والمجتمع يتسابق إلى
خدمتها ويرون ذلك واجبا لافضلا..
وقد حرم الشارع إيذاء المرأة بالضرب المبرح أو الضرب في الوجه..
وأمر بالعدل بين الضرائر ورهب من الميل..
وجعل لها الحق في اختيار الزوج..
ومن مظاهر عناية الإسلام بالمرأة تخصيصها بالذكر في سور عدة وفي آيات كثيرة
كسورة البقرة والأحزاب والنور والطلاق..
بل ومبالغة في إكرامهن سمى بعض سور القرآن بهن كسورة النساء وسورة مريم..
وقد سخر الإسلام الرجل لخدمة المرأة خارج البيت مقابل أن تخدمه في داخله،
فيجب على الزوج أن ينفق عليها ولوكانت تملك أموال الدنيا، ولايلزمها أن تنفق
عليه درهما إلا عن طيب نفس واختيار..
وخاتمة التكريمات ونهاية التبريكات أن جعلها الله تعالى من آياته فنوه بذكرها
فقال:
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة
ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}..
وإذا كان من تعاليم الإسلام أن تبقى المرأة تحت قوامة الرجل، فهذا من رحمة
الله بها، فقد جربت المرأة القوامة على نفسها، وألا يكون لها ولي ولا حافظ،
واليوم ..
انظروا ماذا تعاني المرأة في الغرب من خوف وعدم أمان وما تجده من عنت ومشقة
في القيام بحاجياتها التي كان الرجل هو المتولي لذلك كله، والمرأة في راحة
وأمان، لاتخاف ولاتهتم، فلما بطلت ولايته عليها تحتم أن تقوم بشؤونها
لوحدها..
فلتعلم المرأة أن الله هو الذي أمر أن تبقى تحت قوامة الرجل، وأن يكون لها
وليا، والله أعلم بها..
وقد ثبت بالتجربة أنه لا يصلح إلا ذلك.. فهذه المقارنة المستعجلة بين حالة
المرأة في الغرب وحالتها في الإسلام، يثبت للمرأة كذب الدعاوي التي تلقى هنا
وهناك القائلة أن للمرأة حقوقا مسلوبة، وأنها مسجونةٌ محرومة في ظل التزامها
بالحجاب والبعد عن الرجال..
وإذا فكرت الفتاة بعقل وحكمة وإيمان ستجد أن الحرمان كل الحرمان سيعتريها إن
هي انساقت وراء كل فكر يدعو إلى التحرر من القيم، قال الله تعالى:
{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة
وأطعن الله ورسوله }..
فينبغي على المرأة المسلمة أن تحذر من أن تحذو حذو المرأة في الغرب، بعد أن
عرفت ما تعانيه من صعوبات وآلام نفسية واجتماعية وأخلاقية، ولتحمد الله تعالى
أن هيأ لها مجتمعا متدينا يحب الله ورسوله ويحرص على العمل بتعاليم
الدين الحنيف، ولا تغتر بكل ما تراه من حضارة نساء الغرب، فإن وراء تلك
الحضارة ما قد أخبرتكم عن طرف من سلبياتها وآلامها وضياعها.