الدرس الأول:( مراتب الدين الثلاث:
الإسلام، الإيمان، الإحسان)
1- (الإسلام: تعريفه، وأركانه)
الإسلام في اللغة:
- ذهب أهل العربية إلى أنه الاستسلام
والخلوص، قال أبو بكر محمد بن بشار:
" من قولهم سلّم الشيء لفلان، أي خلّصه".
- وذكر ابن تيمية أنه يستعمل متعديا ولازما:
فمثال المتعدي قوله تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن}..
ومثال اللازم قوله تعالى: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين}..
الإسلام في الاصطلاح:
- هو الاستسلام لأمر الله تعالى،
وإخلاص العبادة له، قال أبو بكر بن بشار:
" يقال: فلان مسلم؛ وفيه قولان:
أحدهما: هو المستسلم لأمر الله...
والثاني: هو المخلص لله العبادة".
- وهو أيضا الخضوع وقبول الشريعة، قال الأزهري:
" الإسلام: إظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول عليه السلام، وبه يحقن
الدم".
- وكذلك هو الانقياد والطاعة لله تعالى.. قاله ابن أبي العز الحنفي.
- فهو يجمع معنيين كما ذكر ابن تيمية:
الأول: الانقياد والاستسلام الله تعالى بالطاعة.
والثاني: إخلاص ذلك وإفراده، كما قال تعالى:
{ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل}.
- وله ثلاثة معان من حيثية أخرى - كما ذكر ابن تيمية - هي:
الأول: الدين المشترك، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي بعث به جميع
الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، مثل قوله تعالى:
{ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}..
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}..
الثاني: ما اختص به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والشريعة والمنهاج، وله
مرتبتان:
أحدهما: الظاهر من القول والعمل، وهي المباني الخمسة: الشهادة، الصلاة،
الزكاة، الصيام، والحج.
الثاني: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن..
الثالث: من السلامة، أي المسلم هو من أسلم غيره، فجعله سالما منه، ومنه قوله
صلى الله عليه وسلم:
(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
* والإسلام مختص بالأعمال الظاهرة على الجوارح واللسان، وأركانه خمسة، كما في
حديث ابن عمر عند البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)..
2- (الإيمان: تعريفه )
* الإيمان في اللغة:
- ذهب أهل العربية إلى أنه التصديق،
بل قد حكى الأزهري اتفاقهم على ذلك، قال: "واتفق أهل اللغة وغيرهم أن الإيمان
معناه: التصديق".
وله معنى آخر هو: الأمانة ضد الخيانة، ذكر ذلك ابن فارس، قال:
"أمن: الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان، أحدهما: الأمانة ضد الخيانة،
ومعناها سكون القلب؛ والآخر: التصديق؛ والمعنيان كما قلنا: متدانيان".
وذهبت طائفة من العلماء إلى غير هذا المعنى، بل ضعفوه، ورجحوا أن معناه:
الإقرار، واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- أن التصديق لا يطابق الإيمان، فليسا مترادفين، فالإيمان يختص بالخبر عن
المغيبات، لأن فيه معنى الأمن، والأمن لا يكون إلا في الخبر الذي يكون فيه
ريب، وهو في الغائب، أما لفظ التصديق فيستعمل في الإخبار عن المغيبات
والمشهودات.
2- أن التصديق يطابق الخبر فقط، أما الإقرار فيطابق الخبر والأمر، كقوله
تعالى: {أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا}، ولأن قرّ وآمن متقاربان،
فالإيمان دخول في الأمن، والإقرار دخول في الإقرار، وعلى هذا فالكلمة إقرار،
والعمل بها إقرار أيضا، قاله ابن تيمية.
* الإيمان في الاصطلاح:
- الإيمان في الاصطلاح: هو قول وعمل.
وهو قول أهل السنة والجماعة بخلاف المرجئة.
فالقول هو: قول القلب واللسان، والعمل هو: عمل القلب والجوارح.
فقول القلب: التصديق والإقرار؛ ومن عمله: الحب والخوف والرجاء والتوكل، ومن
قول اللسان: الشهادة والدعاء، ومن عمل الجوارح: الصلاة والصيام والحج والزكاة
والجهاد، كما ذكر ابن مندة.
وهو يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وذو أجزاء: أصل، وفرع؛ يصح ذهاب بعضه،
وبقاء بعضه.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: "الإيمان عندنا قول وعمل، ويزيد وينقص".
وقال الحافظ ابن مندة: " قال أهل الجماعة: الإيمان هي الطاعات كلها، بالقلب،
واللسان، وسائر الجوارح، غير أن له أصلا وفرعا:
فأصله: المعرفة بالله والتصديق له، وبه، وبما جاء من عنده، بالقلب واللسان،
مع الخضوع له، والحب له، والخوف منه، والتعظيم له، مع ترك التكبر والاستنكاف
والمعاندة، فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه.
ولا يكون مستكملا له حتى يـأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه أو الفرائض واجتناب
المحارم".
* وهو يختص بالأعمال الباطنة، وأركانه ستة، قال الله تعالى: {ليس البر أن
تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر
والملائكة والكتاب والنبيين …}.
وفي حديث جبريل المشهور عن عمر بن الخطاب: (فأخبرني عن الإيمان، قال صلى الله
عليه وسلم: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر
خير وشره).
3- ( الإحسان: تعريفه)
* الإحسان في اللغة:
- ضد الإساءة، والحسن ضد القبح.
وهو الإتقان، قال تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه}، أي أتقنه، كما ذكر ابن جزي
الكلبي.
* الإحسان في الاصطلاح:
- هو كما جاء في حديث جبريل: (أن تعبد
الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
وهو حقيقة الإخلاص، وذلك أن من تلفظ بالشهادة وجاء بالعمل من غير إخلاص لم
يكن محسنا.
وقيل: أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطاعة، فإن من راقب الله
تعالى حسن عمله، كما ذكر ابن منظور في اللسان.
ومعنى قوله: ( أن تعبد الله كأنك تراه) ..
أي استحضار قربه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية والهيبة،
والإخلاص في العبادة بإتمامها وإحسانها.
ومعنى قوله: ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك)..
قيل: إنه تعليل للمعنى الأول، فإنه قد يشق على العبد أن يصير في مرتبة: (كأنك
تراه)، فيستعين على ذلك بإيمانه أن الله يراه، فإذا حقق هذا المقام، سهل عليه
الانتقال إلى المقام السابق.
وقيل: بل هو إشارة إلى أن من شق عليه أن تكون عبادته كأنه يرى الله تعالى،
فلتكن عبادته على أن الله يراه، فيستحي من نظره إليه، فيجتهد في الطاعة، كما
قال بعضهم: "اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك"،
ذكر ذلك ابن رجب في جامع علوم الحكم.
- والإحسان أعلى مراتب الدين، فهو أعلى من الإسلام والإيمان، ويتضمنهما، وهو
مرتبة الصديقين المقربين، فإن العبد لا يبلغ أن يعبد الله تعالى كأنه يراه
إلا بعد يتجاوز مفاوز كبيرة.
الدرس الثاني: العلاقة بين مراتب الدين:
- الأول مرتبة الإسلام، ثم أعلى منه الإيمان، ثم أعلى منهما الإحسان..
فالإحسان يتضمن الإسلام والإيمان، والإيمان يتضمن الإسلام، قال ابن أبي العز
في شرح الطحاوية:
"والمراد بالإيمان ما ذكر مع الإسلام قطعا، كما أنه أريد بالإحسان ما ذكر مع
الإيمان والإسلام، لا أن يكون مجردا عن الإيمان، هذا محال، وهذا كما قال
تعالى:
{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد
ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}..
والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة، بخلاف الظالم لنفسه، فإنه
معرض للوعيد، وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق بالقلب، لكن لم يقم
بما يجب عليه من الإيمان الباطن فإنه معرض للوعيد.
فأما الإحسان فهو أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أهله.
والإيمان أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أهله من الإسلام.
وهذا كالرسالة والنبوة، فالنبوة داخلة في الرسالة، والرسالة أعم من جهة
نفسها، وأخص من جهة أهلها، فكل رسول نبي، ولا ينعكس" .
- ثم إذا أفرد الإيمان تضمن الإسلام، وإذا أفرد الإسلام تضمن الإيمان، وأما
إذا اجتمعا اختص الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، وهذه
العلاقة كالعلاقة بين الشهادتين، ولفظ الكفر والنفاق، والبر والتقوى، والإثم
والعدوان، والتوبة والاستغفار، والمسكين والفقير، فكلها تجري تحت قاعدة:
"إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا" .
= فدليل قوله: "إذا اجتمعا افترقا":
- قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}.
ولا يقال عنهم: منافقون، ولو كانوا كذلك لما صح أطلاق اسم الإسلام عليهم .
- وقوله تعالى: { إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات}.
- وقوله تعالى: { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت
المسلمين}.
- كذلك حديث جبريل، حيث فرق بين الإسلام والإيمان لما اجتمعا.
- وفي الأثر: ( اللهم لك أسلمت، وبك آمنت) .
- وفي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مالك عن فلان؟!، والله إني لأراه مؤمنا. قال: أو مسلما؛ قالها ثلاثا) .
- وقوله صلى الله عليه وسلم: (أسلم الناس، وآمن عمرو) .
= ودليل قوله: (إذا افترقا اجتمعا):
- قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}، والإسلام هنا يتضمن
الإيمان قطعا.
- حديث وفد عبد القيس عن ابن عباس رضي عنهما أن رسول الله صلى الله وعليه
وسلم قال لهم:
(أتدرون ما الإيمان وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله
إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان،
وأن تعطوا الخمس من المغنم) .
فقد فسر لهم الإيمان بأمور الإسلام، فدل على صدق القاعدة.
- عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أي الأعمال أفضل؟، قال: إيمان بالله، قال: ثم ماذا؟، قال: الجهاد في سبيل
الله، قال: ثم ماذا؟، قال: حج مبرور) .
فالعمل الظاهر من أمور الإسلام، وقد فسره بالإيمان.
- قال الإمام البخاري: " باب أمور الإيمان، وقول الله تعالى:
{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم
الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك
الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}" .
الدرس الثالث:( تفصيل مذهب السلف الإيمان)
أهل السنة والجماعة يقولون الإيمان:
- قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل
القلب والجوارح.
- يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وتجتمع في الشخص الواحد طاعة ومعصية.
- أجزاء: أصل، واجب، مستحب: يصح ذهاب بعضها وبقاء بعضها.
(قول وعمل)
قال أبو بكر بن أبي شيبة: "الإيمان
عندنا قول وعمل، ويزيد وينقص" .
وقال البخاري: "كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة، لم أكتب إلا عمن قال:
الإيمان قول وعمل، ولم أكتب عمن قال: الإيمان قول" .
قال ابن أبي العز: "ذهب مالك والشافعي وأحمد وابن راهويه والأوزاعي وسائر أهل
الحديث وأهل المدينة وأهل الظاهر وجماعة من المتكلمين إلى أنه: تصديق
بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"
- فالإيمان في اللغة هو التصديق، غير أن الشارع قد ضم إليه أوصافا وشرائط
بمجموعها يصير مجزئا، كما في الألفاظ الشرعية الأخرى، كالصلاة، وهي في اللغة
الدعاء، لكن الشرع ضم إليها شرائط وأوصافا أخرى..
فأصل الإيمان في القلب، والأعمال الظاهرة لازمة له، فمن لم يأت بها - بلا عذر
- كان إيمانه منتفيا، لأن انتفاء اللازم يقضي بانتفاء الملزوم.
قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:
"سياق ما روي عن النبي في أن الإيمان تلفظ باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل
بالجوارح. قالوا:
- الدال على أنه تلفظ باللسان قوله عز وجل: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا
ولكن قولوا أسلمنا}…
- والدالة على أنه اعتقاد بالقلب قوله: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}...
- والدلالة على أنه عمل: قال الله عز وجل:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين
له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}" .
جاء في لسان العرب:
" وحد الزجاج الإيمان فقال: الإيمان إظهار الخضوع والقبول للشريعة ولما أتى
به النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاده، وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه
الصفة فهو مؤمن مسلم غير مرتاب ولا شاك، وهو الذي يرى أداء الفرائض واجب
عليه، لا يدخله في ذلك ريب" .
وفيه أيضا:
" وفي قول الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم
يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}، ما يبين
لك أن المؤمن هو المتضمن لهذه الصفة، وأن من لم يتضمن هذه الصفة فليس بمؤمن،
لأن إنما في كلام العرب تجيء لتثبيت شيء ونفي ما خالفه" .
قال الحافظ ابن مندة: " قال أهل الجماعة:
الإيمان هي الطاعات كلها: بالقلب،
واللسان، وسائر الجوارح…
وقد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: ( الإيمان بضع وسبعون أو ستون شعبة، أفضلها شهادة أن لا إله
إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ).
فجعل الإيمان شعبا بعضها باللسان والشفتين، وبعضها بالقلب، وبعضها بسائر
الجوارح.
والشهادة فعله بالقلب واللسان لا اختلاف بين في المسلمين في ذلك.
والحياء في القلب.
وإماطة الأذى عن الطريق فعل سائر الجوارح.
قال: ذكر ما يدل على أن اسم الإيمان واقع على:
من يصدق بجميع ما أتى به المصطفى عن الله:
نية، وإقرارا، وعملا، وإيمانا، وتصديقا.
وأن من صدق ولم يقر بلسانه ولم يعمل بجوارحه الطاعات التي أمر بها لم يستحق
اسم الإيمان.
ومن أقر بلسانه وعمل بجوارحه ولم يصدق بذلك قلبه لم يستحق اسم الإيمان.
وساق سنده عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( آمركم بالإيمان بالله ، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟، قالوا: الله ورسوله
أعلم ، قال: شهادة أن لا إله إلا الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن
تعطوا الخمس من الغنائم ) " .
الخلاصة:
أن الإيمان يقوم على ركنين:
القول... والعمل...
وكلاهما في المرتبة سواء... فعدم العمل كعدم القول، وعدم القول كعدم العمل..
بلا فرق...
وكما أنه لا خلاف أن من لم يأت بالقول فليس بمؤمن، ولو أتى بالعمل... فكذلك
لا خلاف أن من لم يأت بالعمل فليس بمؤمن، ولو أتى بالقول...
فمن أنزل مرتبة العمل عن مرتبة القول، بأن زعم حصول نجاة من لم يعمل خيرا
قط.. مع قدرته على العمل، فقد غلط، وهذا هو قول المرجئة..
(يزيد وينقص)
- أدلة زيادة الإيمان من كلام الله
تعالى، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة:
- قال تعالى: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}.
- قال تعالى: {ويزداد الذين آمنوا إيمانا}.
- قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم
إيمانا..}.
- قال تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع
أيمانهم }.
- قال تعالى: {أيكم زادته هذه إيمانا، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا...}.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن
أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع
وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله )
- رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بنقصان
الطاعات. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما
رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن) .
- وروى البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: زيادة الإيمان ونقصانه؛ عن
أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يخرج من النار من قال
لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله
إلا الله، وفي قلبه وزن بُرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله،
وفي قلبه وزن ذرة من خير)، قال أبو عبد الله (البخاري): حدثنا أبان: حدثنا
قتادة: حدثنا أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من إيمان) مكان (من خير) .
- وروى مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بالمعاصي،
ونفيه عن المتلبس بالمعصية، على إرادة نفي كماله؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا
يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) .
ومما ورد من آثار عن الصحابة رضوان
الله عليهم في زيادة الإيمان :
- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه
لأصحابه: "هلموا نزدد إيمانا" فيذكرون الله عز وجل .
- قول ابن مسعود رضي الله عنه في دعائه: "اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها" .
- قول معاذ بن جبل رضي الله عنه لرجل: "اجلس بنا نؤمن ساعة" ، ومثله عن عبد
الله بن رواحة .
- قول أبي الدرداء رضي الله عنه: "من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص
منه".
- قول عمار بن ياسر رضي الله عنه: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف
من نفسك، وبذل السلام للعالَم، والانفاق من الإقتار" .
ثم إنه معلوم أنه لم يجب في أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله، ولا يجب
على كل أحد من الإيمان المفصل مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
يجب على من بلغه الخبر مفصلا، كما في حق النجاشي وأمثاله، فمن وجب عليه الحج
مثلا وجب عليه الإيمان أن يعلم ما أمر به من النسك ما لا يحب على غيره إلا
مجملا، وكذا الرجل أول ما يسلم إنما يجب عليه الإقرار المجمل، فاذا جاءت
الصلاة وجب عليه إيمانا زائدا، والزيادة بالعمل والتصديق أكمل من التصديق
الذي يفتقر إلى العمل، فالعلم الذي يعمل به صاحبه أكمل من العلم الذي لايعمل
به، فلم يتساوا الناس فيما أمروا به من الإيمان، فدل على الزيادة والنقصان،
وموسى ألقى الألواح لما رأى، ولم يلقه قبل، وفي الاثر:" ليس المخبر كالمعاين"
( رواه أحمد وهو صحيح) فدل على الفرق في الإيمان.
( أجزاء)
- الإيمان أجزاء: أصل، واجب، مستحب:
* يصح ذهاب بعضها وبقاء بعضها.
* إذا ذهبت الثلاثة، أو ذهب الأصل، أو ذهب العمل بالكلية: انتفى الإيمان
بالكلية.
* إذا ذهبت بعض الواجبات نقص الإيمان عن كمال الواجب، واستحق صاحبه العقوبة.
* إذا ذهبت المستحبات نقص الإيمان عن كمال المستحب، وعلو الدرجة.
قال الحافظ ابن مندة:
" قال أهل الجماعة: الإيمان هي الطاعات كلها، بالقلب، واللسان، وسائر
الجوارح، غير أن له أصلا وفرعا:
فأصله: المعرفة بالله والتصديق له، وبه، وبما جاء من عنده، بالقلب واللسان،
مع الخضوع له، والحب له، والخوف منه، والتعظيم له، مع ترك التكبر والاستنكاف
والمعاندة، فإذا أتى بهذا الأصل فقد دخل في الإيمان ولزمه اسمه وأحكامه.
ولا يكون مستكملا له حتى يـأتي بفرعه وفرعه المفترض عليه، أو الفرائض واجتناب
المحارم" .
وقال ابن تيمية: " ثم هو في الكتاب بمعنيين: أصل، وفرع واجب.
فالأصل الذي في القلب وراء العمل، فلهذا يفرق بينهما بقوله: {آمنوا وعملوا
الصالحات}، والذي يجمعهما كما في قوله: {إنما المؤمنون}، و {لا يستأذنك الذين
لا يؤمنون}، وحديث الحياء، و وفد عبد القيس.
وهو مركب من:
- أصل لا يتم بدونه.
- ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة.
- ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة.
فالناس فيه: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق؛ كالحج وكالبدن والمسجد، وغيرهما من
الأعيان، والأعمال والصفات.
فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل.
ومنه ما نقص عن الكمال، وهو: ترك الواجبات أو فعل المحرمات.
ومنه ما نقص ركنه، وهو: ترك الاعتقاد والقول، الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه
مسمى فقط.
وبهذا تزول شبهات الفرق، وأصله القلب، وكماله العمل الظاهر، بخلاف الإسلام،
فإن أصله الظاهر، وكماله القلب" .