الحمد لله وحده والصلاة على من لانبي بعده، وبعد:
فإن من نعم الله على هذه الأمة أن ضرب الحجاب على نسائها..
والحقيقة أن كل مجتمع مسلم نشأ على التدين وحفظ المرأة، لايتصور أن يأتي يوم
تخرج فيه المرأة من هذا الحصن الرباني، لترتع أمام الذئاب، التي تنتظر مثل
هذه الفرصة بفارغ الصبر، لتنقض على فريستها، فتأكل عفتها، وكرامتها، وتهدم
مستقبلها..
نعم إن تصور ذلك عسير جدا ومؤلم....
قد ينشأ المرء في مجتمع لايعنى بالحجاب، فينشأ وهو ينظر النساء في كل مكان،
حتى يعتاد بصره ذلك، فمثل هذا إن أدرك يوما ما حقيقة الحجاب ومعناه، فلا شك
أنه سيأسى على حال مجتمعه، ويتمنى أن لو عاش في مجتمع يعظم الحجاب ويحافظ
عليه، لكن ألمه وحزنه لن يكون مثل إنسان شاهد وعاين سقوط الحجاب لحظة بلحظة..
إن هذا نوع من أنواع زوال النعم..
وإذا كان الإنسان يألم ويجزع لزوال نعمة الرخاء والغنى وتبدل الحال، فإن جزع
المؤمن من:
انحسار الدين، وتغير عادات المجتمع، من السمو إلى السقوط، وتبرج النساء بعد
الحجاب، واختلاطهن بالرجال بعد البعد عنهم:
أعظم من ذلك بكثير..
فإن زوال الدنيا بما فيها أهون من زوال الدين والأخلاق، عند من يقدر قيمة
الدين والخلق، ويعلم أن عزة الأمة، وقوتها، وراحتها، ورخاءها، ونجاتها،
وسعادتها، مرتبطة بهذه العقيدة.
نعوذ بالله من الحور بعد الكور..
ونعوذ بالله من كفران النعم..
والله تعالى لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..
وإذا أراد بقوم سوء فلا مرد له..
وقد يسخط الرب جل شأنه على عباده، فيبتليهم بعدو من أنفسهم، أو من خارجهم
يسومهم سوء العذاب، وقد يغفل الناس عن أنواع العذاب، فيظنون أنه قاصر على
الكوارث والحروب، بينما أنواع العذاب أكثر من ذلك، إن من أنواعه:
ضيق المعيشة.. وضيق النفوس.. وكثرة الأمراض المهلكة، والنفسية.. وتسلط
الأعداء.. وضياع الحقوق.. وانعدام الأمن والعدل.. وحلول الظلم والطغيان..
وفساد الدين.. وضياع الخلق وكثرة الفاحشة.. وذهاب الغيرة.. وانحسار الدين..
ثم إن تهاون المسلمين في حجاب النساء مصيبة كبرى، هذه المصيبة إنما تحل بسبب
الذنوب:
{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}..
فإن البلايا بعضها يجر بعضا، وخطوات الشيطان لاتنتهي، ومن زل في شيء تعرض
للزلل في غيره، والمسلمون لما تهاونوا في أخذ دينهم بقوة تراخت قبضتهم عن
التمسك به جميعا،..
فآكل الربا هل بليته أكل الربا فحسب؟،..
والموالي للكافرين، هل تلك بليته فحسب؟..
والعابد للدرهم والدينار هل هذه هي مشكلته فحسب؟..
لا، إن كل معصية من هذه المعاصي تجر غيرها وتفتح الباب لمثيلاتها، فإن الذي
رضي أن يعصي الله في شيء لن يمانع إن يعصيه في غيره، إن وجد في هذا الثاني ما
وجده في الأول من الإغراء..
وهكذا فإن المفرط في حجاب محارمه، الراضي بتبرجهن، لم يقع في هذا الذنب، إلا
بارتكابه ذنوبا آخر قادته إلى هذا الذنب، مثل إطلاق البصر، وربما آذى الناس
في أعراضهم فعوقب بقلة الغيرة وهوان العرض..
ومن هنا كان من الواجب أن نحذر من جميع الذنوب، صغيرها وكبيرها، وألا نتهاون
بشيء منها، وندرك فقه السلف عندما قال قائلهم:
" المعاصي بريد الكفر"..
فالمعصية واعتياد المعصية يقود إلى المعصية الكبرى، التي تخلد صاحبها في
النار، والشيطان لايأتي المسلم ليغريه بالكفر لأول وهلة، لكنه يزين له
المعاصي القريبة اليسيرة.. الصغائر، ثم يتلوها بالكبائر، وهكذا حتى يوقعه في
المروق من الملة، ورضي الله عن أنس حين قال:
" إنكم لتعلمون أعمالا هي في أعينكم أدق من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات" ..
لما كان هذا حال الصحابة مضوا أتقياء بررة، ومضى عهدهم على الدين والإيمان،
وما كان الشيطان ليطمع في استنـزالهم، لكن لما تهاون من بعدهم في الذنوب
أصابهم الوهن والضعف والتبديل والتحلل من أوامر الدين.
إن قضية الحجاب قضية دينية...........
هكذا ينبغي أن ينظر إليها، وليحذر من كل محاولة لمحو هذه الصبغة الدينية
عنها، بل إنها من أعظم قضايانا الدينية..
ودليل هذا أن أعداءنا يجهدون أنفسهم لنزع حجاب النساء المسلمات في كل مكان،
ويتخذون لذلك كل وسيلة ظاهرة وباطنة، مثل الترويج لأنواع من الحجاب المزين
غير الشرعي، وكذا إظهار المرأة العصرية بصورة المرأة المتبرجة التي لاتستتر
عن الرجال، وهذا فيه إيحاء وتشجيع للمرأة المسلمة أن تفعل فعل المرأة العصرية
إن أرادت أن تكون مثلها متقدمة متحضرة، وبالفعل انساق جمع من المسلمات لمثل
هذه الأفكار المناهضة للحجاب حتى صار هذا الجمع يكره الحجاب ويلقيه خلف ظهره
كلما وجد سبيلا إلى ذلك، وهذا أمر كما قلت آنفا يؤلم كل مؤمن غيور يحب أمته.
لو فهم النساء حقيقة الحجاب لتمسكوا به بالنواجذ...
لكن مشكلتنا أننا لم نعلم نساءنا وأخواتنا وبناتنا أن الحجاب عز المرأة
وكرامتها، وأن الله تعالى قد أعلاها به.. كان ذلك خطأ منا..
نعم إنه لخطأ كبير!!..
كان يجب أن نغرس في نفوس الفتيات منذ الصغر أن الحجاب يحفظ المرأة ويصونها
ويعلي قدرها عند الرجال، فيرغب فيها كل حر صادق، بعكس المتبرجة..
فهذا فارق كبير بين الحجاب والتبرج، فالحجاب يجعل المرأة في حصن العفة
والمنعة والفخر..
فالرجل هو الذي يسعى ليكسب ودها بالطرق المشروعة، أي بالزواج، وهذا خلاف
التبرج، فالمتبرجة ضيعت قدرها عند الرجال بعد أن بذلت لهم زينتها، وجمالها،
وأنوثتها، بغير مقابل مشروع، فزهد فيها الرجل في الحلال، فما عاد يسعى لضمها
لتكون زوجة له، بل هي التي تسعى لتجذبه إليها..
والعجيب أن المجتمع المتبرج يعمق هذا الجانب فيها، فالفتاة الحاذقة هي التي
تستطيع أن تقنع رجلا ما بالاقتران بها، وذلك بالتعرض له بأنواع الزينة
والتغنج، وانظر ما يصيبها جراء ذلك من ظلم وإفساد، فهذا فرق من الفروق
الكثيرة بين الحجاب والتبرج، فأيهما أحسن وأكرم وأعز وأفخر؟..
الجواب ظاهر..
فقد كان من المفترض أن نعلم فتياتنا الفروق بين الحجاب والتبرج، التي بها
يتبين قدر الحجاب وعظمته، حتى يصبح الحجاب عقيدة وإيمانا، لا عادة وتقليدا
يسعى بعض النساء للتحلل منه في أقرب فرصة..
لكن لم نفعل، فوجد أعداء الحجاب والدين الفرصة ليمسخوه، ويتلاعبوا به،
ويُكرّهوا الفتيات فيه بشتى الطرق، بالإيحاء إليهن أنه سجن وظلم وفرية
افتراها الرجل على المرأة، ليضمن سيطرته عليها، فصدقن ذلك، فطلبن التحلل منه،
جهلا بقدره ومعناه، واغترارا بحال المتبرجة، وعدم دراية بما هي فيه من الذلة
للرجال.
لكن ومع كل ذلك فإن الحجاب فوق كونه شرعا ربانيا فهو كذلك فطري، ولذلك فمن
السهل أن نعيد للمرأة قناعتها بالحجاب، ونرسخ في قلبها من جديد أهمية الحجاب،
وأنه عز وإكرام لها، فإذا فعلنا ذلك، نكون قد قطعنا الطريق على أعدائنا في
حربهم للحجاب، والله هو المعين على كل مجهود.
* *
إذا قلنا الحجاب فإنما نعني بذلك ستر
سائر الجسد، بما في ذلك الوجه واليدين..
وليس من الصواب أن يقال على تغطية الرأس بالإضافة إلى سائر الجسد دون الوجه
حجابا، فذلك يخالف صريح القرآن حيث يقول الله تعالى:
{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب}..
وهذه هي آية الحجاب، التي بها وجب على النساء أن يسترن عن الأجانب وجوههن
وأبدانهن..
لكن في هذه الأيام أطلق وصف الحجاب على تغطية الرأس دون الوجه!!!!!!.
وتغطية الرأس وسائر الجسد - دون الوجه - وإن كان خيرا من كشفه، والتي تفعله
من اللاتي يعشن في بلاد التبرج والسفور تعد من الصالحات والقانتات، باعتبار
حالة تلك البلدان ومن يعيش فيها، إلا أنه في حق من تعيش في بلاد الفضيلة
والستر والصون والحجاب يعد شرا وسقوطا؟؟!!!!..
فلا يليق بمن من الله عليها بالستر الكامل بتغطية الوجه وسائر البدن أن ترضى
بالسقوط وقبول كشف الوجه، فإنه لا شك ولا خلاف بين سائر أهل العلم أن المغطية
وجهها خير من الكاشفة، حتى عند من يقول بالكشف، لكون الإجماع وقع على أن
زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يغطين وجوههن، فمن غطت فبأمهات المؤمنين
رضي الله عنهن اقتدت.
أيها الناس!.......
لا يخدعنكم من يقول إن كشف الوجه مسألة خلافية، فليس الأمر على هذا النحو
الذي يروج له، فإن من قال بجواز الكشف ما قال ذلك بإطلاق بل قيده بشروط:
1 -
ألا يكون الزمان زمان فتنة يكثر فيه الفساد والمفسدون.
2 -
ألا تكون المرأة شابة.
3 -
ألا تكون المرأة فاتنة.
فإذا لم تتحقق هذه الشروط، أو تخلف شرط منها، فإنهم مجمعون على وجوب التغطية،
وإذا تأملنا وجدنا أن اللائي يكشفن الوجه اليوم قد كشفن بدون مراعاة هذه
الشروط، ومن ثم فلا يصح لهن الاحتجاج بأقوال المجيزين على ما وقعن فيه من
الخطأ.
والله الموفق...