قد يتعرض المسلم لمثل هذه البلية فيمن ولاه الله أمرهم من النساء: بنات،
أخوات، زوجات...
وقد تتعرض المسلمة لمثل هذه البلية في خاصة نفسها...
إما أن تلتزم حجابها، أو ترفض الاختلاط... فتفقد مقعدها في الدراسة، أو
التدريس..
وإما أن تفرط في حجابها، أو تقبل بالاختلاط بالأجانب، مقابل حصولها على مقعد
التعليم: تدريسا أو دراسة..
فماذا تصنع؟..
إليكم الجواب فيما يلي:
في بعض البلاد الإسلامية [ تركيا]
التي ابتليت بحكم العلمانيين منعت الطالبة المحجبة من التعليم إلا بشرط خلع
الحجاب..
وهذه القضية ما كانت لتطرح في غير هذه الظروف المعاصرة..
فلم يكن الحجاب يوما ما ضد العلم ولا العكس، والمعركة بينهما اليوم مفتعلة..
والعجيب أن من الناس من أجاز للفتاة المسلمة أن تخلع حجابها لأجل
التعليم،!!!!!!!!!!...
والمسألة تحتاج إلى ميزان شرعي، به نحكم بجواز ذلك من عدمه..
فمن المعلوم أن المحرم ـ وكذا المباح ـ لا يعارض الواجب، فالواجب لابد من
فعله، والمحرم الذي يعارضه لابد من تركه، وكذا المباح، أي إذا تعارض واجب
ومحرم قدم الواجب بلا تردد، وإذا تردد واجب ومباح قدم الواجب كذلك بلا تردد،
وعلى ذلك نقول:
ماهو هذا العلم الذي لأجله أجاز هؤلاء للفتاة المسلمة أن تخلع حجابها؟.
والجواب أن نقول:
العلم علمان:
علم شرعي، وعلم دنيوي..
- فأما العلم الشرعي فمنه ماهو واجب على جميع الناس ذكورا وإناثا..
- ومنه ما هو مستحب في حق الفرد، ليس فرض عين..
فأما الواجب فهو معرفة أركان الإسلام والإيمان ونواقض الإسلام وأحكام الطهارة
والصلاة والصيام والزكاة لمن ملك نصابا والحج لمن استطاع إليه سبيلا ونحوها،
أي ما يمكن به القيام بالحد الأدنى من الدين..
وأما المستحب فهو مازاد على ذلك، ولاشك أن المعركة ليست هنا، لأن أولئك
المحاربين للحجاب في تلك البلاد الداعين إلى السفور باسم العلم لو كانوا ممن
يحبون العلم الشرعي لأحبوا تعاليمه، التي من أبرزها وأظهرها الأمر بالتزام
الحجاب للمرأة..
لكن لو فرضنا أن الفتاة لن تتعلم العلم الشرعي إلا بنزع الحجاب فما الحل؟.
الحل أن يقال:
إن كان السؤال عن العلم الشرعي
المستحب، فالجواب ظاهر، وهو أنه لايترك الواجب لأجل المستحب، فالحجاب واجب،
والتوسع في العلم مستحب، وفعل الواجب مقدم على فعل المستحب.
أما إذا كان السؤال عن العلم الشرعي الواجب، فهنا تعارض واجبان، فما
المخرج؟..
المخرج أن نقول:
إن كان يمكن تحصيل أحد الواجبين وهو
العلم الواجب بغير خلع الحجاب فهو المتعين، وإن فرضنا أنه لايمكن ذلك إلا
بنزع الحجاب، فالحكم أنه لايجوز خلع الحجاب ولو كان لتعلم العلم الشرعي
الواجب، لعدة أسباب:
أولاً:
لأن الحفاظ على العرض الذي لأجله شرع الحجاب من أوجب الواجبات، بل هو من
الضرورات الخمس.
ثانيا:
ولأن تعلم العلم الشرعي ليس مقصورا على المدارس والجامعات، فإن المرأة
بإمكانها أن تتعلم وهي في بيتها من خلال الكتاب والشريط، ومن خلال سؤال أهل
العلم.
ثالثا:
لابد أن الله سيجعل لها مخرجا وسبيلا، ولن تدوم هذه الأحوال المنافية للفطرة
والدين طويلا، فعلى المسلمة الصبر والتقوى، والله يقول:
{ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب}..
فبين لحظة وأخرى يغير الله من حال إلى حال.
رابعا:
ولأن الفتاة ما دامت تقرأ وتكتب فإن بإمكانها أن تتعلم أمور دينها من غير
دراسة نظامية.
إذاً ليس هناك تعارض ألبتة بين العلم الشرعي الواجب وبين الحفاظ على الحجاب،
ومن زعم أن هناك تعارضا حقيقيا لأجله يجوز للمرأة تخلع حجابها فقد أبعد
النجعة وقال مالا علم له به..
وأما عن العلم الدنيوي، فإنه على قسمين:
- منه ما لاتحتاج إليه المرأة..
- ومنه ما تحتاج إليه.
فأما الأول فهو على نوعين:
الأول: علم لايضر الجهل به، ولو كان مفيدا مثل العلوم الطبيعية، وهذا لايمكن
أن يكون مسوغا لخلع الحجاب، لأنه مباح، ولايترك الواجب لأجل المباح.
والثاني: علم يضر ولا ينفع، مثل دراسة النظريات الإلحادية في العقيدة
والأخلاق، وهذا لايسوغ نزع الحجاب بداهة، فدراسة هذا العلم يضر، فكيف يترك
الحجاب لأجل شيء ضار على الخلق والدين؟!.
وأما القسم الثاني الذي تحتاجه المرأة، فهو كذلك على نوعين:
الأول: علم يمكن للمرأة تحصيله من غير دراسة نظامية، كالخياطة وتدبير المنزل
والتربية، فهذا يمكن تحصيله من خلال الاحتكاك بمن تحسن هذه العلوم، ومن غير
الجائز أن تترك المرأة حجابها لأجل علم يمكن لها أن تحصله من غير طريق
الدراسة..
فلم يبق معنا إلا العلم الذي تحتاجه المرأة، ولايمكن تحصيله إلا بالدراسة في
الجامعة، وهذا هو النوع الثاني.
الثاني: وليت شعري ما يكون هذا العلم؟!!.
إن المرأة لاتحتاج إلا تعلم أمور دينها، وقد مضى الكلام على هذا آنفا، وتعلم
ما يعينها على أداء وظيفتها كأم ومربية ومدبرة منزل، وهذه الأمور لاتحتاج إلى
دراسة نظامية، بل يمكنها اكتسابها بالاحتكاك..
إذن لم يبق سبب شرعي أو عقلي صحيح يدعوها إلى نبذ حجابها باسم العلم، سواء
كان العلم دينيا أو دنيويا، فالحجاب فوق ذلك كله، فالعلم الديني يأمر
بالحجاب، فلا يمكن أن يكون وسيلة لنبذ الحجاب، والعلم الدنيوي إن كان سببا في
الإخلال بالدين فلا خير فيه.
فهذه هي أقسام العلوم، فأيها تدور المعركة حولها؟..
نحن نعلم أن تلك الدول العلمانية التي تحارب الحجاب لاتلتزم في مناهجها
الحفاظ على الدين والخلق، بل فيها ما يضاد الدين ويحاربه، وإذا كان كذلك فكيف
يكون هذا العلم المضاد للدين مسوغا لترك المرأة حجابها؟..
فإذا كنا نقول: لايجوز للمرأة أن تخلع حجابها ولو كان ذلك من أجل تعلم علم
شرعي واجب أو مستحب..
فمن باب أولى أن نقول: لايجوز لها أن تخلع حجابها من أجل تعلم علم دنيوي فيه
ما يضر ولا ينفع، وفيه ما لايضر الجهل به، وفيه علم يمكن تحصيله من غير هذا
الطريق الذي يلزم بنزع الحجاب..
إن المسألة تحتاج إلى ضبط نفس وانصياع تام لأوامر الشرع وفهم لمقاصد الدين،
فلا ينبغي أن نضغط على أحكام الدين من أجل الإفساح لأحكام الواقع..
فبعض الذي جوزوا للفتاة المسلمة خلع حجابها لأجل التعلم، غفلوا عن النظر في
طبيعة العلم الذي لأجله أجازوا ذلك، وصار همهم كله في كيفية دفع الجهل عن
الفتاة المسلمة، وكأن الجهل لايندفع إلا بالدراسة في الجامعة، ونسوا أن
يسألوا أنفسهم:
ما هو هذا العلم الذي لأجله نبيح للفتاة أن تستهين بحجابها؟..
أهو علم شرعي موصل إلى الجنة؟..
أم علم علماني يحارب الدين، ويدعو إلى نبذ كل شيء يتصل به؟.
وقد ينسى الإنسان في غمرة الأحداث قضية أخرى لاتقل أهمية وهي:
أن الأمر لايقف عند حد خلع الحجاب، فهناك ما هو أطم، وهو
الاختلاط!!!!!!!!!!.......
لو قال أولئك اللادينييون:
قد رضينا بدخول الفتاة المحجبة الجامعة دون شرط نزع الحجاب..
أكنا نرضى ونحن نعلم أن هناك اختلاطا؟..
ما الفائدة من الحجاب إذا كانت الفتاة تجلس بجنب الفتى لتلقي العلم؟..
هذا والحجاب الذي يقولون به ليس هو الحجاب الشرعي المعنى الصحيح، بل هو ستر
الجسد كله إلا الوجه واليدين، وهذا يعني أنه ينظر إليها وتنظر إليه، أليس هذا
طريقا للفتنة؟..
وأين أمر الله تعالى: { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب}؟..
ولا حجاب هنا، بل خطاب مباشر..
وأين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن المرأة عورة)رواه الترمذي؟..
وهذا بلا شك محظور في كلام الشارع.
فهنا قد اجتمع شران:
الأول: الاختلاط، وقد فات من أفتى
بجواز أن تخلع الطالبة حجابها لأجل العلم أن يتأمل في حكم هذا الاختلاط..
والثاني: خلع الحجاب..
وهذان الأمران يفضيان إلى الفاحشة وفساد الأعراض..
والشارع عمل على منع كل سبيل يفضي إلى اجتماع الرجل بالمرأة، فنهى عن:
- النظر..
- والكلام الرقيق والمباشر من غير حجاب..
- والسفر بغير محرم..
- والخروج بغير حجاب..
- وحث على القرار في البيت..
فمن أدرك مقصد الشرع من ذلك لايمكن أن يقول بجواز أن تخلع الفتاة حجابها لأجل
العلم، لو كان هذا العلم نافعا، فكيف إذا كان ضارا، أو أقل أحواله أنه لايضر
الجهل به؟..
من الأمور المقلقة أن تصبح البدهيات والثوابت الشرعية موضع جدل ونقاش..
إن الشرع قد سن لنا حدودا لا يجوز لنا أن نتخطاها في قضايا كثيرة، وهي محل
إجماع بين كافة الشرائع:
- في الأخلاق الزنا محرم.. واحتجاب المرأة واجب..
- وفي الاقتصاد الربا محرمزز
- وفي العقائد الشرك محرم..
وهذه الأحكام لاتختلف في أي زمان أو مكان...........
فمن أدرك هذا عرف أن القول بجواز خلع الحجاب لأجل العلم قول مناقض للفطرة
والدين والخلق.