إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ
الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
هز خبرُ الاستهزاءِ بالنبي صلى اللهُ عليه وسلم في الجريدتين الدنماركية
والنرويجية مشاعرَ المسلمين في جميعِ العالمِ ، وهي ليست الأولى ولن تكون
الأخيرةَ سواء كانت من الكفارِ أو من أبناء جلدتنا ، فالنبي صلى اللهُ عليه
وسلم قد نيل منهُ في حياتهِ وبعد مماتهِ ، وانتقم اللهُ لنبيهِ صلى اللهُ
عليه وسلم لأن اللهَ قد قال : " إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ " [
الكوثر : 3 ] ، وقال أيضاً : " إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ " [
الحجر : 95 ] ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الجوابِ الصحيح لمن بدل
دين المسيح " (6/276) : " وقد سمى أهلُ العلمِ بعضَ مَنْ كفاهُ اللهُ إياهُ
مِنْ المستهزئين ، وكانوا معروفين مشهورين عند الصحابةِ بالرياسةِ والعظمةِ
في الدنيا فذكروهم ليعرف هذا الأمرُ العظيمُ الذي أكرم الله نبيه به ... "
.ا.هـ.
وقد سجل التاريخُ قصصاً ومشاهد لانتقامِ اللهِ لنبيهِ صلى اللهُ عليه وسلم
، ومن بابِ التفاؤلِ بانتقامِ اللهِ من الرسامِ الدنماركي الذي سخر من
النبي صلى الله عليه وسلم أذكرُ ما طالته يدي من ذلك ، ولا بأس من مشاركةِ
الجميعِ بما لديهم .
نبدأ بقصةٍ جاءت في الصحيحين وهي قصة الرجل الذي ادعى على النبي صلى اللهُ
عليه وسلم كذباً وزوراً أنه هو من كان يكتبُ ، وقد بوب لها البخاري في
صحيحه في كتابِ المناقبِ : " باب علاماتِ النبوةِ " ، ومسلم في كتابِ صفاتِ
المنافقين وأحكامهم ، وجعلت روايةَ الصحيحين في سياقٍ واحدٍ .
1 -
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا [
عند مسلم : كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ] فَأَسْلَمَ
وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا ، [ وعند مسلم
: فَانْطَلَقَ هَارِباً حَتَّىَ لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ . قَالَ :
فَرَفَعُوهُ ] فَكَانَ يَقُولُ : " مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا
كَتَبْتُ لَهُ " [ وعند مسلم : قَالُوا : هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ
لِمُحَمَّدٍ ، فَأُعْجِبُوا بِهِ ] [ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ "
كَانَ يَقُول : " مَا أَرَى يُحْسِن مُحَمَّد إِلَّا مَا كُنْت أَكْتُب
لَهُ " ] ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ [ وعند مسلم : فَمَا لَبِثَ
أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ ] ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ
الْأَرْضُ [ وعند مسلم : قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَىَ وَجْهِهَا ] فَقَالُوا : "
هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ [ فِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " لَمَّا لَمْ يَرْضَ دِينهمْ " ] نَبَشُوا
عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ " ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ
وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا : " هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ
وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ
فَأَلْقَوْهُ " ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا
اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ
لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ [ وعند مسلم : فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذاً ]
. أخرجهُ البخاري (3617) ، ومسلمٌ (2781) .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الصارمِ المسلولِ " ( ص 233 ) معلقاً
على القصةِ : " فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي صلى اللهُ عليه وسلم
أنه ما كان يدري إلا ما كتب له ؛ قصمهُ اللهُ وفضحهُ بأن أخرجهُ من القبرِ
بعد أن دُفن مراراً ، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادةِ ، يدلُ كلّ أحدٍ على أن
هذا عقوبة لما قالهُ ، وأنه كان كاذباً ، إذ كان عامةُ الموتى لا يصيبهم
مثل هذا ، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد ، إذ كان عامةُ المرتدين
يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ، وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم
ممن طعن عليه وسبهُ ، ومظهرٌ لدينه ، ولكذبِ الكاذبِ إذا لم يمكن للناسِ أن
يقيموا عليه الحد " .ا.هـ.
سبحان الله ! تأملتُ عبارةَ : " فَانْطَلَقَ هَارِباً حَتَّىَ لَحِقَ
بِأَهْلِ الْكِتَابِ . قَالَ : فَرَفَعُوهُ " ، فوجدتها تنطبقُ على
الزنديقِ سلمان رشدي الذي رفع الغربُ من شأن روايتهِ التي قذف فيها النبي
صلى اللهُ عليه وسلم ، ودعموهُ بالمالِ لطباعتها ونشرها ، فنسألُ اللهَ أن
يكونَ مصيرهُ عبرةً كما في الحديثِ الآنفِ .
2 –
ذكر القاضي عياض في " الشفا " (2/218) قصةً عجيبةً لساخرٍ بالنبي صلى اللهُ
عليه وسلم وذلك أن فقهاءَ القيروانِ وأصحابَ سُحنُون أفتوا بقتلِ إبراهيم
الفزاري ، وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلومِ ، وكان يستهزىء باللهِ
وأنبيائهِ ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمر القاضي يحيى بن عمرَ
بقتله وصلبه ، فطُعن بالسكينِ وصُلب مُنكسأً ، ثم أُنزل وأُحرق بالنارِ ،
وحكى بعضُ المؤرخين أنه لما رُفعت خشبته ، وزالت عنها الأيدي استدارت
وحولته عن القبلةِ فكان آيةً للجميعِ ، وكبر الناسُ ، وجاءَ كلبٌ فولغ في
دمهِ .
3 –
قال ابنُ كثيرٍ في " البدايةِ والنهايةِ " (14/286) عند أحداثِ سنة (761 هـ
) ما نصه : " وفي يوم الجمعةِ السادس عشر منه قُتل عثمانُ بنُ محمدٍ
المعروف بابنِ دبادب الدقاق بالحديدِ على ما شهد عليه به جماعةٌ لا يمكنُ
تواطؤهم على الكذبِ ، أنه كان يكثرُ من شتمِ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم ،
فرُفع إلى الحاكمِ المالكي وادعى عليه فأظهر التجابنَ ، ثم استقر أمرهُ على
أن قتلَ قبحهُ اللهُ وأبعدهُ ولا رحمهُ .
وفي يوم الاثنين السادس والعشرين منه قتل محمد المدعو زبالة الذي بهتار
لابن معبد على ما صدر منه من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعواه أشياء
كفرية ، وذكر عنه أنه كان يكثر الصلاة والصيام ، ومع هذا يصدر منه أحوال
بشعة في حق أبي بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين ، وفي حق النبي صلى الله عليه
وسلم ، فضربت عنقه أيضاً في هذا اليوم في سوق الخيل ولله الحمد والمنة .
4 –
كان لسببُ تأليفِ كتابِ " الصارمِ المسلولِ على شاتمِ الرسولِ " لشيخِ
الإسلامِ ابنِ تيميةَ – رحمهُ اللهُ – قصةٌ ذكرها تلميذهُ ابنُ كثيرٍ في "
البدايةِ والنهايةِ " (13/355) فقال : " واقعة عساف النصراني : كان هذا
الرجل من أهل السويداء ، قد شهد عليه جماعة أنه سب النبي صلى الله عليه
وسلم ، وقد استجار عساف هذا بابن أحمد بن حجى أمير آل علي ، فاجتمع الشيخ
تقي الدين بن تيمية ، والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث ، فدخلا على
الأمير عز الدين أيبك الحموي نائب السلطنة فكلماه في أمره فأجابهما إلى ذلك
، وأرسل ليحضره فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس ، فرأى الناس
عسافاً حين قدم ومعه رجل من العرب فسبوه وشتموه . فقال ذلك الرجل البدوي :
هو خير منكم - يعني النصراني - فرجمهما الناس بالحجارة ، وأصابت عسافاً
ووقعت خبطة قوية فأرسل النائب فطلب الشيخين ابن تيمية والفارقي فضربهما بين
يديه ، ورسم عليهما في العذراوية ، وقدم النصراني فأسلم ، وعقد مجلس بسببه
، وأثبت بينه وبين الشهود عداوة ، فحقن دمه .
ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما وأطلقهما ، ولحق النصراني بعد ذلك ببلاد
الحجاز ، فاتفق قتله قريباً من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتله
ابن أخيه هنالك ، وصنف الشيخ تقي الدين بن تيمية في هذه الواقعة كتابه "
الصارم المسلول على ساب الرسول " .ا.هـ.
5 -
شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الصارمِ المسلول " يذكرُ من التجاربِ
بخصوصِ سب النبي صلى اللهُ عليه وسلم فيقول : " ونظيرُ هذا ما حدثناه
أعدادٌ من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوهُ مراتٍ متعددةٍ في
حصر الحصونِ والمدائنِ التي بالسواحلِ الشاميةِ ، لما حُصر فيها بني الأصفر
في زماننا قالوا : كنا نحن نحصرُ الحصن أو المدينةَ الشهر أو أكثر من
الشهرِ ، وهو ممتنعٌ علينا حتى نكادُ نيأسُ منه ، حتى إذا تعرض أهلهُ لسب
رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم والوقيعة في عرضه تعجّلنا فتحه وتيسّر ،
ولم يكد يتأخرُ إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك ، ثم يفتحُ المكانُ عَنْوةً
، ويكونُ فيهم مَلحمةٌ عظيمةٌ ، قالوا : حتى إنا كنا لنتباشر بتعجيلِ
الفتحِ إذا سمعناهم يقعون فيه ، مع امتلاءِ القلوب غيظاً بما قالوه فيه .
اللهم أقر أعيننا وأسماعنا بالساخر بالنبي صلى اللهُ عليه
وسلم
28 / 12 / 1426 هـ