الحَمْدُ للهِ وَبَعْدُ ؛
آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العَظِيْمَةِ حَصَلَتْ فِي الأَيَّامِ المَاضِيَةِ
، لا يَنْبَغِي أَنْ تَمُرَّ عَلَى خُطَبَاءِ الجُمَعِ مُرورَ الكِرَامِ ،
فَقَدْ كَانَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغِلُّ
مِثْلَهَا لِلتَّحذِيرِ وَالتَّذكيرِ ، فَعِنْدَمَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ
فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقَالُوا : " كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيم " ، فَبَيَّنَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا بَاطِل لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْت
إِبْرَاهِيم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
وَالزَّلْزَالُ الَّذِي حَصَلَ وَغَرِقَت بِسَبِبِهِ دُوَلٌ آيَة
تَسْتَحِقُّ التَّذكيرَ ، وَخَاصَّةً أَنَّهَا قَرِيْبَةٌ مِنَّا كَمَا
قَالَ تَعَالَى : " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ الْقُرَى
وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " ، وَقَوْله : " وَلَا
يَزَال الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة أَوْ تَحُلّ
قَرِيبًا مِنْ دَارهمْ " .
الآيَاتُ مِنَ القُرْآنِ :
1 - قَالَ تَعَالَى : " وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا " [
الإِسْرَاءُ : 59 ] .
عَنْ قَتَادَة قَوْله : " وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا "
وَإِنَّ اللَّه يُخَوِّف النَّاس بِمَا شَاءَ مِنْ آيَة لَعَلَّهُمْ
يَعْتَبِرُونَ ، أَوْ يَذَّكَّرُونَ ، أَوْ يَرْجِعُونَ " .
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : " وَمَا نُرْسِل بِالْعِبَرِ وَالذِّكْر إِلَّا
تَخْوِيفًا لِلْعِبَادِ " .
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي " مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى
" (24/264) : " وَالزَّلَازِلُ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يُخَوِّفُ اللَّهُ
بِهَا عِبَادَهُ كَمَا يُخَوِّفُهُمْ بِالْكُسُوفِ وَغَيْرِهِ مِنْ
الْآيَاتِ وَالْحَوَادِثُ لَهَا أَسْبَابٌ وَحِكَمٌ فَكَوْنُهَا آيَةً
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ هِيَ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ ... " .ا.هـ.
2 - وَقَالَ تَعَالَى : " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلكُمْ مِنْ
الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [ الأَحْقَافُ :
27 ] .
3 - وَقَالَ تَعَالَى : " إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا *
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا " [ الزَّلْزَلَةُ : 1 - 2 ] .
قَالَ عَطِيَّةُ سَالِم فِي " تَتمتِهِ لأَضْواءِ البَيَانِ " : ولذا
فَإِنّ الزَّلْزَالَ أَشَدُّ مَا شَهِد العالمُ مِنْ حَرَكَةٍ ، وَقَدْ
شُوهِدت حَرَكَاتُ زِلْزَالٍ فِي أَقلمِنْ رُبعِ الثانِيةِ فَدمَّرَ
مُدُناً وَحَطمَ قُصُوراً ، ولذا فَقَدْ جَاءَ فِي وَصفِ هَذَا
الزَّلْزَالِ بِكُونِهِ شَيْئاً عَظِيْماً فِي قَوْلهِ تَعَالَى : " إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيْمٌ " [ الحَجّ : 1 ] ، وَيَدُلُّ عَلَى
هَذِهِ الشِّدَّةِ تِكرَارُ الكَلِمَةِ فِي " زُلْزِلَتِ " وَفِي "
زِلْزَالَهَا " كَمَا تُشعرُ بِهِ هَذِهِ الإِضافَةُ " .ا.هـ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي زَمنِ وُقُوْعِ
الزَّلْزَالِ فِي الآيةِ :
مِنَ العُلَمَاءِ مَن ذَهَبَ إِلَى أَنّها فِي الدُّنْيَا ، وَهِي مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ
مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ : " فِي هَذَا
قَتَلْتُ ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي
، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ
يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا " .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1013) .
وَذَهَبَ آخَرُوْنَ أَنَّهَا زَلْزَلَةُ يَوْمِ القِيَامَةِ لِقَوْلهِ
تَعَالَى : " يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا
أَعْمَالَهُمْ " .
الأَحَادِيْثُ مِنَ السُّنَّةِ :
التَّذكيرُ وَالوَعْظُ عِنْدَ وُقُوْعِ الْآيَاتِ :
1 - عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ
مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ
وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ " .
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ : " قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَوِّفُ اللهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ " .
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ : " آيَتَانِ مِنْ آيَات اللَّه " أَيْ :
الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه وَعَظِيم قُدْرَته أَوْ عَلَى
تَخْوِيف الْعِبَاد مِنْ بَأْس اللَّه وَسَطَوْته ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله
تَعَالَى : " وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا " .
وَقَالَ أَيضاً : " وَلَكِنْ يُخَوِّف اللَّه بِهَا عِبَاده " مُوَافِق
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا " .
2 - عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَت : " زُلْزِلَتْ
الْأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى اصْطَفَقَتْ السُّرَرُ ، فَوَافَقَ
ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَلَمْ يَدْرِ ،
قَالَ فَخَطَبَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : " لَقَدْ
عَجِلْتُمْ " ، قَالَ : " وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا قَالَ : " لَئِنْ عَادَتْ
لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ " .
أَخْرَجَهُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " مُصَنَّفَهِ " (2/473) ،
وَالبَيْهَقِيُّ فِي " سُنَنِهِ " (3/342) بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ .
كَثْرَةُ الزَّلاَزِلِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ :
3 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ
الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ،
وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ - وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ
- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ .
أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ : " مَا قِيلَ فِي
الزَّلاَزِلِ وَالْآيَاتِ " .
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ : " قَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد
الشَّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل
وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولهَا
وَدَوَامهَا " .ا.هـ.
وَالوَاقعُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ ، وَهِي مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
الصُّغْرَى .
4 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ
بَرَكَةً ، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا ... " . أَخْرَجَهُ
البُخَارِيُّ .
قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجرٍ : " الَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ أَنْكَرَ
عَلَيْهِمْ عَدّ جَمِيع الْخَوَارِق تَخْوِيفًا ، وَإِلَّا فَلَيْسَ جَمِيع
الْخَوَارِق بَرَكَة ، فَإِنَّ التَّحْقِيق يَقْتَضِي عَدّ بَعْضهَا
بَرَكَة مِنْ اللَّه كَشِبَعِ الْخَلْق الْكَثِير مِنْ الطَّعَام الْقَلِيل
وَبَعْضهَا بِتَخْوِيفٍ مِنْ اللَّه كَكُسُوفِ الشَّمْس وَالْقَمَر ، كَمَا
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّمْس وَالْقَمَر
آيَتَانِ مِنْ آيَات اللَّه يُخَوِّف اللَّه بِهِمَا عِبَاده " وَكَأَنَّ
الْقَوْم الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بِذَلِكَ
تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : " وَمَا نُرْسِل بِالْآيَاتِ
إِلَّا تَخْوِيفًا " ، وَوَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق
الْوَلِيد بْن الْقَاسِم عَنْ إِسْرَائِيل فِي أَوَّل هَذَا الْحَدِيث "
سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود بِخَسْفٍ فَقَالَ : كُنَّا أَصْحَاب
مُحَمَّد نَعُدّ الْآيَات بَرَكَة ، الْحَدِيث " .ا.هـ.