السؤال :
أعمل في أحد المستشفيات الجامعية التابعة لإحدى الجامعات ، و يُصرَف لي بدل
انتقال شهرياً ، و لكن الذي يحدث هو عند ملئ الاستمارات الخاصة بذلك يكتب
الموظّف المسئول أننا - أي نحن جميع الموظفين – كنّا خلال الشهر نأتي للعمل
بعد مواعيد العمل الرسمية ، و الحقيقة اننا لم نكن نأتي للعمل الإضافي بتاتاً
، و بعض الناس ان هناك فائض في الميزانية يتم صرف هذا البدل منه و لكن لابد
من تسوية الأوراق بهذه الطريقة داخل الحسابات و الإدارات المالية المُتَابِعة
لذلك .
فما الحكم في ذلك مع العلم بأن هذا يوافق عليه مدير المستشفى و رئيس الجامعة
و يتم في بعض المصالح الأخرى .
أفيدونا أفادكم الله .
سؤال مماثل :
أقوم بتدريس مادّة الحاسب الآلي لطلاب كلية الطب ، و معي اثنان من الزملاء
بواقع عشرة دروس لنا جميعا في الأسبوع نصيبي منها أربعة دروس ، وعند محاسبتنا
مالياً ، يُزعَمُ ان كلاً منا قد درَّسَ عشرة حصصٍ بمفرده ، و ذلك بموافقة
رئيس القسم حتى يتناسب ذلك مالياً مع ما نقوم به من جهد ، و لأنه في حالة عدم
احتساب ذلك سيرفض كثير من الناس التدريس لقلة المقابل .
فهل علينا وزر في ذلك ؟
الجواب :
ينبغي للمسلم أن يحرِص على الكسب الحلال ، و إن كان كفافاً ففيه البركة إن
شاء الله ، و لِمَن تغذى بالحرام أشدّ الوعيد ، فقد روى الترمذي بإسناد حسن
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
و سلم : « إِنَّهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ
النَّارُ أَوْلَى بِهِ » .
و لذلك جاء التوجيه إلى وجوب العمل ليأكل المسلم من سعيه و كدّ يده ، و ذلك
أطيَبُ الطعام ، لما رواه البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ رضى الله عنه عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنّه قَالَ : « مَا أَكَلَ أَحَدٌ
طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَ إِنَّ
نَبِىَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ
يَدِهِ » .
و إذا كان الأمر كذلك ، فلا يجوز التحايل للعامل ( الذي أقدم على العمل
التعاقدي غيرَ مُكرهٍ عليه ) ليحظى بأكثر من حقّه المنصوص عليه في عَقدِ
العمل الذي وقّعه مختاراً .
و لا يُغيّر من الحكم شيئاً تواطؤ المحاسب أو المدير المباشر في العَمل ، بل
هم شُركاء في الوِزر ، لإقدامهم على التزوير أو إقراره أو تمريره ، على نحوٍ
يصدق على من انتحله الوصف النبوي الوارد في حديث الشيخين عَنْ عَائِشَةَ و
أسماء بنتي الصدّيق رضي الله عنهم أجمعين أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى ضَرَّةً ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ إِنْ
تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِى غَيْرَ الَّذِى يُعْطِينِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ
ثَوْبَيْ زُورٍ » .
و هذا لا يخصّ ما تأخذه المرأة من زوجها بغير إذنه أو عِلمه ، بل هو عامٌّ
لعموم اللفظ ( و العبرة به ) لكلّ من يأخذ ما لا يَحلّ له ، و ما لم يُعطَ عن
طيب نفس .
روى مسلمٌ في صحيحه عن مُعَاوِيَةَ بنَ أبي سفيان رضي الله عنه ، قال :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « إِنَّمَا أَنَا
خَازِنٌ فَمَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ ، وَ
مَنْ أَعْطَيْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَ شَرَهٍ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَ
لاَ يَشْبَعُ » .
و أقلّ ما في المال المكتَسَب من الطريق المذكور في السؤال أنّه لا يخلو من
شبهة ، و حريّ بالمسلم أن يتَّقي الشُبهات استبراءً لدينه ، فقد روى البخاري
و مسلم ، ( و اللفظ له ) ، و أصحاب السنن و أحمد عن النُّعْمَانَ بْنَ
بَشِيرٍ أنّه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
« إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَ إِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَ بَيْنَهُمَا
مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى
الشُّبُهَاتِ ؛ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَ عِرْضِهِ وَ مَنْ وَقَعَ فِى
الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى
يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلاَ وَ إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ
وَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ » ، و في روايةٍ للبخاريّ أيضاً : «
الْحَلاَلُ بَيِّنٌ ، وَ الْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَ بَيْنَهُمَا أُمُورٌ
مُشْتَبِهَةٌ ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ
لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ ، وَ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ
مِنَ الإِثْمِ أَوْ شَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ ، وَ الْمَعَاصِى
حِمَى اللَّهِ ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ »
.
أمّا إن لم يرضَ أحدٌ بالعَملَ بالأجرِ المعروض ، إلاّ إن عَلِم أنّ بوُسعِه
أن يزيد دَخله بطريقٍ فيها تحريفٌ أو تزييف في السجّلات أو المستندات على
النحو المذكور في السؤال ، فالأولى عَدَم الإقدام على العَمل حتّى يُضطَرّ
ربُّّّّه ( صاحب العمل ) إلى إنصاف العاملين ، و إعطائهم الأجر المجزيء على
عَمَلهم ، و إن أدّى عَدَمُ الإقدام عليه إلى شلّ العَمَل ، و توقُّف عَجَلته
، فلن يدومَ هذا ، و ( من تَرك شيئاً للّه عوّضَه خيراً منه ) ، و الله أعلم
.