السؤال :
أنا أم لولدين عاصيَين مقصّرين في أداء ما افترض الله عليهما من واجبات ، و
هما متزوجان ويعيشان بعيداً عني ، و أحياناً يحتاجون لمساعدتي المادّية ،
فتدفعني عاطفة الأمومة لمساعدتهم ، و إعطائهم ما يُفرّج كُرَبَهُم ، عملاً
بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من فرَّج عن مؤمن كربةً ...) الحديث .
فهل أنا مصيبةٌ في تصرّفي هذا ، و هل ينالني أجر من فرّج عن مسلمٍ كربةً من
كُرَب الدنيا ، فيفرّج الله عنّي بها كُربةً من كُرَب يوم القيامة ؟
الجواب :
استشهاد الأخت السائلة بحديث ( من فرّج عن مؤمن ... ) يؤكّد لنا بأن ما
يقترفه أبناها من معاصي واقعٌ في دائرة الصغائر و الكبائر ، و ليس فيه شيئ
مخرجٌ من الإيمان كالكفر الاعتقادي ( كجحود الخالق ، أو الاستخفاف بالدين ،
أو إنكار معلومٍ منه بالضرورة ، أو نحو ذلك ) ، و لا الكفر العملي كترك
الصلاة بالكلّية أو استحلال المحرّمات المعلومةِ الحُرمة .
و ما دام الأبناء في دائرة الإسلام فلا يَحظُر الشرع بِرّهم و الإحسان إليهم
، و العمل على تفريج كُرَبِهم ، و إن كانوا من أهل الفسوق و العصيان .
و يجب على أمّهم المداومةَ على تذكيرهم بالله ، و دعوتهم إلى التوبة النصوح ،
مع ترغيبهم في الثواب و ترهيبهم من العقاب ، عملاً بقوله تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا
وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا
يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [
التحريم : 6 ] .
و معنى هذه الآية كما في تفسير ابن جرير الطبري أي : علموا بعضكم بعضاً ما
تقون به من تُعلّمُونه النار , و تدفعونها عنه إذا عمِلَ به من طاعة الله , و
اعملوا بطاعة الله ... و علموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم
من النار .اهـ.
و عسى الله أن تعالى يجعل أمّ الشبّان المقصودين من السؤال سبباً في هدايتهم
، فيكون لها من الأجر مثل أجورهم .
روى مسلمٌ و أصحاب السنن و أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ دَعَا إِلَى
هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ
ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ
عَلَيْهِ مِنْ الاثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ
مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) .
و روى الشيخان و غيرهما عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أنّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ يقول لعليّ رضي الله عنه : ( وَ اللَّهِ لأَنْ
يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ) .
فإذا جاز أو استحبّ للأم مساعدة أبنائها العصاة و الإحسان إليهم ، كانت جديرة
بالثواب عند الله تعالى ، فقد قال تعالى : ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ
أَحْسَنَ عَمَلا ) [ الكهف : 30 ] ، و قال سبحانه : ( هَلْ جَزَاءُ
الاحْسَانِ إِلا الاحْسَانُ ) [ الرحمن : 60 ] .
و روى مسلم و أصحاب السنن عدا النسائي و أحمد عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ
نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا
نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي
الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّه فِي
الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ
فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) .
هذا ، و بالله التوفيق .