الحمد لله
حمدَ الشاكرين ، و صلى الله و سلم و بارك على نبيه محمدٍ الأمين ، و آله و
صحبه أجمعين ، ثم أما بعد .
فقد استشكل على بعض من درس العقيدة الصحيحة ورود بعض العبادات في سياق المتون
العقدية المتضمنة لمسائل الإيمان و الأمور التصديقية ، و سألني إزالة اللبس
عنه فأجبته إلى ذلك ، و قلت مستعيناً بالله تعالى :
لا يُستغرب إدراج بعض المسائل التعبدية في عداد المعتقدات ، و ذكر بعض الفروع
في كتب الأصول ، فقد كثر هذا في كتب الأئمة الثقات رضوان الله عليهم أجمعين ،
و من ذلك قول الإمام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته : ( و نرى المسح
على الخفين في السفر و الحضر ، كما جاء في الأثر ) .
و نحو ذلك إدراج الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لمسائل من
قبيل تحريم النياحة نكاح المتعة ، و إيجاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر
[ انظر : فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ص : 40 ] .
و على هذا
درج كثير من العلماء ، و هذا ليس من قبيل الخلط بين مسائل الأصول و الفروع ،
أو إحلال مسألة في غير محلها ، و لكن له أسبابه و مسوغاته ؛ و منها :
أولاً :
الرد على المبتدعة الذين عدوا بعد المنهيات من شعائر الدين ، كالرافضة الذين
شرعوا النياحة و اللطم و العويل على الأئمة و أهل البيت الطاهرين سنّة جارية
إلى يوم القيامة ، يتقربون بها إلى الله ، إلى جانب ما يخالط طقوس اللطميات
من ترهات و شركيات .
و لما عدَّ الروافض النياحة مسألة عقدية في دينهم ، ورد ذكرها في كتب العقائد
عند أهل السنة ، ليس لاعتبارها مسألة من مسائل التوحيد و الاعتقاد ، و لكن
لبيان خلل اعتقاد من تقرب إلى الله ( أو إلى الأولياء و الصالحين !! ) بها .
ثانياً :
بيان فساد بعض الأصول التي بنى عليها المبتدعة حكمهم الفقهي في آحاد المسائل
، كإنكار المسح على الخفين ، بزَعْمَيْن باطلين ؛
أولهما :
ما نسبوه زوراً و بهتاناً إلى أئمة أهل البيت أنهم أجمعوا على المنع من المسح
، و اعتبروا صلاة المتوضئ بدون غسل الرجلين باطلة و إن كان ماسحاً على الخفين
، و كذلك صلاة من ائتم به ، و ما أكثر ما زعم القوم إجماع أهل البيت عليه ، و
هو أبعد ما يكون عن مسائل الإجماع .
و ثانيهما :
تعمد المبتدعة مخالفةَ أهلِ السنة و اعتبار ذلك شعاراً من شعارات أهل البدع ،
كما هو الحال في موقفهم في مسألة المسح على الخفين ، المجمع على مشروعيته عند
من يعتد بإجماعهم .
لذلك ناسب أن تذكر هذه المسألة في كتب أصول الاعتقاد لبيان فساد الأصول الذي
اعتمد عليه المبتدعة في بيان حكمها ، و هو رد الإجماع الثابت ، و الاعتداد
بإجماع أهل البيت دون غيرهم رغم تعذر إثباته ، و زعم الإجماع فيما ذاع فيه
الخلاف .
ثالثاً :
الرد على المبتدعة الذين اعتبروا الالتزام ببعض الفروع ( على فرض مشروعيتها )
شعاراً لمذهبهم ، كقولهم في التقيَّة : لا دين لمن لا تقيَّة له ، و قولهم في
المتعة : من لم يتمتع فليس بشيعي .
و كفى لمعرفة بطلان هذين القولين تأمل ظاهرهما .
أما وجه ذكر مسائل من قبيل تحريم المتعة و التقية في كتب الأصول السُنِّية ،
فهو البراءة من البدعة و أهلها ، فنحن نذكر قولهم : لا دين لمن لا تقية له ،
ثم نبين فساد مذهبهم المقارب بين التقية و النفاق في هذه المسألة ، و وجه
مخالفتنا لهم فيها .
و نذكر
قولهم : من لم يتمتع فليس بشيعي ، لنعقبه بحكاية الإجماع المعتبَر عند أهل
الحق على تحريم نكاح المتعة ، و نبين بالتالي مفاصلتنا لأهلها الذين اعتبروها
أمارة فاصلة تميزهم عن العالمين .
و أخيراً
، لا غضاضة إذن في إيراد
بعض مسائل العبادات في كتب أصول الدين ، حينما تقتضي مصلحة إظهار الحق ذلك ،
و لا يعني ذلك أنها مسائل ملحقة بمسائل الأصول من حيث الحكم على المخالف فيها
تبديعاً أو تفسيقاً أو تكفيراً ، بل هي مسائل فقهية تزم بزمامه ، و يحكم
عليها بأحكامه .
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و بالله التوفيق .