السؤال :
ما نصيحتكم لامرأة تحجبت فهددها
زوجها بالطلاق و أصبح يخرج من البيت كثيراً و يقاطعها ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى : لا شك أن الدنيا دار ابتلاء و اختبار ، و
العاقبة لمن اتقى ، و من سلك سبيل الجنة فليعلم أنه ( مَا يُلَقَّاهَا إِلا
الَّذِينَ صَبَرُوا وَ مَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ، و ذلك
لأنَّ ( سلعة الله غالية ، ألا إنَّ سلعة الله الجنّة ) .
و من أصعب صنوف الابتلاء التي يتعرض لها العباد في الحياة ؛ ما يلحقهم بسبب
إقبالهم على ربهم و التزامهم بدينهم ؛ و من هذا القبيل ما ورد في السؤال من
تعرض المرأة للظلم و الجور و التطاول بالظلم و العدوان عليها من قبل من ولاه
الله أمرها ، و جعله أقرب الناس إليها ؛ و هو الزوج ، و في هذه الحال لا بد
من التأكيد على ثلاثة أمور تجب مراعاتها مجتمعة على من ابتليت بالصد عن سبيل
الله من قبل أقرب الناس إليها :
الأمر الأول :
وجوب طاعة الزوج على زوجته ، و مراعاة حقة في القوامة ، و حفظ حقوقه من
الضياع أو التفريط أو التفويت .
روى أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : ( إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حفظت فرجها و
أطاعت زوجها قيل لها : ادخلي من أي أبواب الجنة شئت ) . و روى نحوه ابن حبان
في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
و معنى هذا الحديث كما بينه الإمام المناوي في فيض القدير : ( إذا صلت المرأة
خمسها ) المكتوبات الخمس ( و صامت شهرها ) رمضان غير أيام الحيض إن كان ( و
حفظت ) و في رواية أحصنت ( فرجها ) عن الجماع المحرم و السحاق ( و أطاعت
زوجها ) في غير معصية ( دخلت ) لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول ( الجنة )
إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحاً أو عُفي عنها .اهـ.
الأمر الثاني :
أن حقوق الله أولى بالأداء ، و الالتزام بشرعه واجب متعين على من رضي بالله
رباً و بالإسلام ديناً ، و بمحمّدٍ صلى الله عليه و سلم نبياً ، لا يسع أحد
الخروج عنه ، و لا التفريط فيه ، و ليس لأحدٍ أن يمنعه من ذلك ، و من منعه
فله حظ من الوعيد الشديد لمن يصدون عن سبيل الله ، و مثله كمثل ( الذي ينهى
عبداً إذا صلى ) .
و من منع عبداً من عباد الله من القيام بما افترضه عليه مولاه ، فالمانع
متعدٍ لحدّه ، محادٍّ لله و رسوله ، و لا حق له في الطاعة و لا المتابعة فيما
أراد من فعل المحظور أو ترك المأمور ، بل تجب مخالفته ، و يحرم اتباع هواه ،
أو طاعته فيما أمر به أو أملاه ؛ إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق ، و
لكنّ الطاعة في المعروف .
روى الشيخان و أبو داود و النسائي و أحمد عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أنَّ
النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي
الْمَعْرُوفِ ) .
الأمر الثالث :
أن على من أقبل على الله تائباً أن يتيقن من أن طريق الجنة لن يكون مفروشاً
بالورود و الرياحين ، بل هو على العكس من ذلك ؛ ملؤه الشدائد و البلايا و
المِحَن ، فقد روى الشيخان و أحمد و الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( حُفَّت الجنة بالمَكَارِه ، و
حُفَّت النار بالشهوات ) ، و في رواية عند البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ (
حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَ حُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ ) .
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم : معناه : لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب
المكاره . و لا يوصل إلى النار إلا بالشهوات ، و كذلك هما محجوبتان بهما – أي
بالمكاره و الشهوات ؛ فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ، فهتك حجاب الجنة
باقتحام المكاره . و هتك حجاب النار بارتكاب الشهوات .اهـ .
و روى النسائي و الترمذي بإسناد قال عنه : حسن صحيح ، عن أبي هريرة عن رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : ( لَمّا خَلَقَ الله الْجَنّةَ وَ النّارَ
أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الجَنّةِ ، فَقَالَ : انْظُرْ إِلَيْهَا وَ إِلَى
مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا ، قَالَ فَجَاءَهَا وَ نَظَرَ إِلَيْهَا وَ
إِلَى مَا أَعَدّ الله لأَهْلِهَا فِيهَا ، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، قالَ
فَوَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا ، فَأَمَرَ بِهَا
فَحُفّتْ بِالمَكَارِه ِ، فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا
وَ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا ، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا
فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفّتْ بِالمَكَارِهِ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ . فَقَالَ : وَ
عِزّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ . قالَ : اذْهَبْ إِلَى
النّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأِهْلِهَا فِيهَا ،
فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: وَ
عِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ
بِالشّهَوَاتِ ، فَقَالَ : ارْجَعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ :
وَ عِزّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنّ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاّ
دَخَلَهَا ) .
فإذا علم المُقبِل على الله بالتوبة ، و المتقرب إليه بالمستحبات ، أن ما
يعترضه من بلاء في سبيله أمر مقدر محتوم ، لا محيص عنه ، و لا ملاذ منه ،
استحلى في سبيله المرارات ، و استعذب الشدائد و المصائب و المُلِمَّات ، و
مضى على السبيل بثبات ، حتى يلقَ الله و هو عنه راضٍ في غُرَف الجنات .
هذا ؛ و بعد التمهيد بما تقدم أقول للأخت السائلة : اثبتي على ما وفقك الله و
هداك إليه من الخير و الهدى و الرشاد ، و لا ترتدِّي على عقبيك فتكوني من
الخاسرين ، و التمسي رضا زوجك في رضا الله ، و لا تلتمسي رضا الله في رضا
زوجك .
و اعلمي أنك قد تتعرضين لصنوف البلاء من الزوج و الأقربين و المجتمع ، فاسألي
الله الثبات ، و حاولي التودد إلى من أساء إليك ، و خاصة الزوج ، بما أوتيت
من قدرة على تلطيف موقفه ، و إقناعه بالالتزام بشرائع الإسلام و أحكام الدين
، و لا تيأسي فإن اليأس لا يأتِ بخير ، و ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ
اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الكَافِرُون ) .
فإن وفقت إلى الجمع بين الحسنيين ؛ إرضاء الله تعالى و عدم إسخاط الزوج أو
استعداء المجتمع ، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، و الله ذو الفضل العظيم .
و إن عجزت عن التوفيق بين الأمرين فقدمي مرضاة الله على ما سواها ، و إن
أوذيت في الله فإن في ذلك – إن صبرت عليه – رفعاً لدرجاتك ، و تكفيراً
لسيئاتك ، و ما عند الله خيرٌ و أبقى ، و من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً
منه .
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و بالله التوفيق .