الحمد لله على نعمائه ، و الصلاة و السلام على نبيه محمد و صحبه و آله ، و
بعد ...
فينبغي للمسلم أن يجود بنفسه و ماله في نصرة إخوانه ، و أن يكون في حاجة أخيه
المسلم حيثما كان ، و كلما احتاج إليه ، أو استصرخه مستنصراً ، لا فرق في ذلك
بين العراق و غيره .
ففي الصحيحين و غيرهما عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « الْمُسْلِمُ أَخُو
الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَ لاَ يُسْلِمُهُ وَ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ
أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَ مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً
فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ مَنْ
سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .
و لا شك في أن من أفضل ما يقوم به المسلم تجاه أخيه المسلم نصرتَه مظلوماً ،
و إغاثته ملهوفاً ، و هذين الوصفين لا ينفكان عن كثير من أبناء المجتمعات
الإسلامية في عصرنا الحاضر .
و من الغريب المؤسف أن نصرف اهتمامنا إلى ما جد من الجراح النازفة و ننسى أو
نتناسى جراحاً أخرى غائرة في جسد الأمة منذ عقود ، فنسير منبتين كأتباع كل
ناعق لا ظهراً نبقي ، و لا أرضاً نقطَع .
و كأن الإعلام الذي أفلح في تسيس كل ما يعرضه لصالح فئة أو طائفة من الواقفين
وراءه ، لم يعجز في تشتيت اهتمام المسلمين ببعضهم ، و إسقاطهم في بنيَّات
الطريق ( أحياناً على الأقل ) حتى لا تؤثر وقفتهم في نصرة إخوانهم و لا تغير
من الواقع شيئاً .
فالبارحة أكب المسلمون على جمع التبرعات لنصرة الجهاد و المجاهدين في
أفغانستان ، ثم انكفأت قدورهم فأصبحت البوسنة في صدارة الأولويات ، و لكن إلى
حين ، قبل أن يتحولوا إلى الشيشان ، ثم كوسوفا ، و اليوم إلى العراق ، و هكذا
دواليك .
تحولات يسيرها الإعلام و أهواء الساسة في كثير من الأحيان ، و إغاثة رسمية
تخطو ببطءٍ على آثار سياسة مضطربة ، لا أبعاد لها و لا حدود ، سوى ما يمليه
الحاكم ، و يسنه القانون ( و أي قانون ؟ ) .
و كأننا لا نذكر إخواننا إلا إذا أهوى الجزار بساطوره على رقابهم ، و أعمل
فيهم القتل و التشريد و التعذيب ، فتهب الشعوب المضللة حينما يستصرخها الحكام
، و تجود بالغالي و النفيس ( مادياً و حسب ) في دعم مؤسسات يطغى على نشاطها
الإعلام و الإعلان ، و يكثر في أعمالها الرياء و السمَعَة ، و تمجيد الحاكم
الذي سمح بإيصال أقل القليل من أكثر الكثير إلى مستحقيه ، و ربما إلى من لا
حق له فيه .
فهل استغنت بلاد الأفغان عن مساعدات المحسنين و تبرعات المتبرعين في عهد
طالبان حتى أغلقت في وجهها الأبواب ؟
أم أن التبرعات أوقفت تبعاً لأهواء الساسة المحليين و إملاءات الأسياد
الغربيين ؟
و ما ذنب مئات الآلاف من الأيتام الذين كانوا يتلقون تحت اسم كفالة اليتيم ما
يسد الرمق أو بعضه في بلاد الأفغان حتى توقف كفالاتهم بعد فتح الطالبان
لكابول ؟
إنها – و أيم الله – الصدقات المُسَيَّسَةُ التي لا تطلق إلا في الحملات التي
يباركها الطغاة و يروجون لها لتثبيت عروشهم ، و تلميع وجوههم ، و لو لم تكن
الحال كذلك لخُلِّيَ بين المسلمين و إخوانهم يساعدون و ينصرون و يُجَهِّزون و
يَغْزُون .
و إنني أعتب على مدراء الهيئات الإغاثية الإسلامية و منسوبيها و العاملين
فيها والمتبرعين من خلالها تخليهم عن الشعب الأفغاني المسلم طيلة السنوات
العشر الماضية ، ثُمَّ عودتهم لفتح أبواب مكاتبهم و إيصال فتات مساعداتهم من
جديد مع الاحتلال الأمريكي للبلاد و إذلالهم لمن صدق ما عاهد الله عليه من
خيرة العباد .
ولا أرى لعودة هؤلاء الإغاثيين المغرر بهم في ظل الاحتلال إلى أفغانستان و
العراق و غيرهما مبرراً سوى خدمة المحتل و تلميع صورته ، و المساهمة في زيادة
التغرير و الاستخفاف بالمسلمين أمة و كياناً و أفراداً مقهورين .
فأمريكا تدمر و نحن نرمم .
و هي تجرح و نحن نداوي .
و قواتها تشرد و نحن نؤوي .
و هكذا دواليك ، نتحول إلى وسائل لإخفاء معالم الجرائم النكراء التي ترتكبها
الآلة العسكرية المتغطرسة في حق أبنائنا و إخواننا ، إذ تدنس الأرض ، و تنتهك
الحرمات ، و تذيع الذعر ، و تروج للرذيلة و الفواحش و العهر ، و نحن نعمل تحت
إمرتها - و إن لم تكن مباشرة - في هامش ضيق من الحرية المستجداة التي لا
تتجاوز سد جوعة ، أو إطعاماً في يوم ذي مسغبة .
فهل يعي المسلمون ما أرمي إليه ؟ أم سيتهمونني بالتثبيط و النهي إغاثة
اللهفان في العراق ؟
و أياً كان الأمر ، فإلى أن أقف على أصداء دعوتي هذه لا يفوتني التأكيد على
أمر من أوجب الواجبات و هو إعداد الغزاة و تجهيزهم و خلافتهم بخير في أهليهم
، و كفالة أيتامهم و ذراريهم ، و هذا باب فسيح يستوعب الكثير من الطاقات
المالية و البشرية التي تشد على سواعد إخواننا المجاهدين ، و تثخن في
الصليبيين العتاة المحتلين .
و هو الباب الوحيد من أبواب البر الذي أهيب بالمسلمين وُلُـوجَـه من أجل
العراق العظيم ، عراق الإسلام و الحضارة ، و السيادة و الريادة .
و لنرجىء - و لو - إلى حين ترميم المساجد و المدارس و الطرق ، دون أن نغفل أن
منظر واجهة المسجد المهشمة أبلغ أثراً في النفوس من ترميمها بالذهب و الفضة و
نفائس الدرر و الأحجار الكريمة ، لأن آثار الدمار ستظل شاهداً على فظاعة
الجريمة ، و عظم الجريرة ، و ستحفز النفوس على الثأر لدماء المسلمين و النفرة
في سبيل رب العالمين .
و يا حبذا الجهاد بالمال ممَّن حبسه العذر عن النفير بالنفس فجاد بالنفيس ، و
عاد بفضل ماله على إخوانه المرابطين ؛ فأعد و جهز ، غير واقف عند حدود النفقة
الواجبة من زكاة و كفارات و نذور ، و غير شحيح بما استأمنه الله عليه من مال
و عتاد ، ليكون و أهل الثغور شركاء في الأجر .
روى أصحاب السنن و أحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجهني رصي الله عنه
قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ : « إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلاَثَةَ نَفَرٍ
الْجَنَّةَ : صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِى صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَ الرَّامِي
بِهِ ، وَ مُنْبِِّلَهُ » .
و روى مسلمٌ في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، قَالَ
: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم إِذْ
جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ
يَمِينًا وَ شِمَالاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « مَنْ
كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ ، وَ
مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ
لَهُ » . قَالَ : فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى
رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ .
و الفضل هو الزيادة ، و فهم الصحابة لمراد نبيهم في غاية السداد و التوفيق ،
فهل في زماننا هذا من يسير على خطاهم ، و يهتدي بهديهم فلا يرى لنفسه حقاً
فيما فضل عن حاجته حتى يعود به على أهل الثغور ؟
و من عجز عن هذا و ذاك فلا أقل من يخلف غازياً في أهله و ولده بخير ، فيغيث
لهفتهم ، و يكفل يتيمهم .
روى الشيخان و غيرهما عن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِى سَبِيلِ
اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَ مَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ
بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا » .
ألا هل بلغت
اللهم فاشهد