الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ،
و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و
أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تـموتنَّ إلا و أنتـم مسلمون
} [ آل عمران : 102 ] .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثَّ
منهما رجالاً كثيراً و نساء ، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن
الله كان عليكم رقيباً } [ النساء : 1 ] .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } [ الأحزاب
:70،71 ] .
أمّا بعد فيا أمّة الإسلام :
كُتب علينا أن نعيش بين ظهرانيْ المشركين و هو كُرهٌ لنا ، لما جاء من
التحذير منه ، و النكيرِ على من أَلِفه ، فقد روى أبو داود و الترمذي بإسناد
صحيح عن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجلي رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى
الله عليه و سلّم قَالَ : « أَنَا بريء مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ
أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ » . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ ؟ قَالَ :
« لاَ تَرَاءَى نَارَاهُمَا » .
و ما ظنّكم بمن برئت منه ذمّة رسول الله ، كيف يكون في الحياة حالُه ، و إلام
يَصير في الآخرة مآله .
ما لم يكن في الهديِ هديِ محمّدٍ ***
ما يَعصِمُ العَبدَ الضعيفَ من الردى
أَرْدَتهُ أهواء النفوسِ و لم يَحُـر *** بين الردى و الران غَيـرَ تـردّدا
ما ظنّكـم بالعَبـدِ منـه تبرّأت *** ذِممٌ أيُفلِتُ منْ هـلاكٍ إن عَــدا
فكم من اخوةٍ لنا ضاعوا في غربتهم ، و
أضاعوا ما ائتمنوا عليه من الأهلين و البنين ، فعاشوا غرباءَ قد ماتت الغيرة
في نفوسهم ، و تبلّدت تجاه المنكرات أحاسيسهم ، فترى الواحد منهم كالكافر في
ظاهره ، و قد خبا نور الإيمان في باطنه ، فلم يرفع به رأساً ، و لم يَغرس له
غَرساً .
فلنحذر أن تزلّ أقدامنا ، و ننحرف عن الجادّة في مسيرنا ، فَنَقَع في حبائل
الشيطان و ما أكثَرها ، و نصيرَ إلى سفاسفَ استشرفها ، فحسّنها في أعيننا و
جمّلها .
قال بعض السلف : ( إنّ الشيطان يعطي العبد تسعاً و تسعين ليوقعه في واحدةٍ )
، فإذا وقع فيها نال عقابه ، و لقي هلاكه .
و كان مَثله كَمَثَلِ الشَّيْطَان إِذْ يُسَوّلُ للإنسان الْكُفْر فَإِذَا
دَخَلَ فِيمَا سَوَّلَهُ لَهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَ تَنَصَّلَ وَ قَالَ : (
إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) . وَ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الرواة
من قصص بني إسرائيل ما يصلح مثالاً لما نحن بصدده فروى اِبْن جَرِير في
تفسيره عن عَبْد اللَّه بْن نَهِيك قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ يَقُول : إِنَّ رَاهِبًا تَعَبَّدَ سِتِّينَ سَنَة وَ إِنَّ
الشَّيْطَان أَرَادَهُ فَأَعْيَاهُ فَعَمَدَ إِلَى اِمْرَأَة فَأَجَنَّهَا وَ
لَهَا أخوة فَقَالَ لإخوَتِهَا : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقَسّ فَيُدَاوِيهَا
قَالَ : فَجَاءُوا بِهَا إِلَيْهِ فَدَاوَاهَا ، وَ كَانَتْ عِنْده
فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا عِنْدهَا إِذْ أَعْجَبَتْهُ فَأَتَاهَا فَحَمَلَتْ
فَعَمَدَ إِلَيْهَا فَقَتَلَهَا فَجَاءَ إخوتها ، فَقَالَ الشَّيْطَان
لِلرَّاهِبِ : أَنَا صَاحِبك ، و إِنَّك أَعْيَيْتنِي ، أَنَا صَنَعْت هَذَا
بِك فَأَطِعْنِي أُنْجِك مِمَّا صَنَعْتُ بِك فَاسْجُدْ لِي سَجْدَة فَسَجَدَ
، فَلَمَّا سَجَدَ لَهُ ، قَالَ : ( إِنِّي بَرِيء مِنْك إِنِّي أَخَاف
اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) فَذَلِكَ قَوْله تعالى : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَان
إِذْ قَالَ للإنسان اُكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْك
إِنِّي أَخَاف اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ ) . وَ روى اِبْن جَرِيرٍ أنّ عَبْد
اللَّه بْن مَسْعُود رضي الله عنه قال فِي هَذِهِ الآية : كَانَتْ اِمْرَأَة
تَرْعَى الْغَنَم وَكَانَ لَهَا أَرْبَعَة إخوة وَكَانَتْ تَأْوِي
بِاللَّيْلِ إِلَى صَوْمَعَة رَاهِب قَالَ فَنَزَلَ الرَّاهِب فَفَجَرَ بِهَا
فَحَمَلَتْ فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ لَهُ اُقْتُلْهَا ثُمَّ
اِدْفِنْهَا فَإِنَّك رَجُل مُصَدَّق يُسْمَع قَوْلك فَقَتَلَهَا ثُمَّ
دَفَنَهَا قَالَ فَأَتَى الشَّيْطَان إخوتها فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُمْ
إِنَّ الرَّاهِب صَاحِب الصَّوْمَعَة فَجَرَ بِأُخْتِكُمْ فَلَمَّا
أَحْبَلَهَا قَتَلَهَا ثُمَّ دَفَنَهَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا
أَصْبَحُوا قَالَ رَجُل مِنْهُمْ وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت الْبَارِحَة
رُؤْيَا مَا أَدْرِي أَقُصّهَا عَلَيْكُمْ أَمْ أَتْرُك ؟ قَالُوا لا بَلْ
قُصَّهَا عَلَيْنَا قَالَ فَقَصَّهَا فَقَالَ الآخر وَأَنَا وَاَللَّه لَقَدْ
رَأَيْت ذَلِكَ فَقَالَ الآخر وَأَنَا وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ
قَالُوا فَوَ اَللَّهِ مَا هَذَا إِلا لِشَيْءٍ قَالَ فَانْطَلَقُوا
فَاسْتَعْدَوْا مَلِكهمْ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِب فَأَتَوْهُ فَأَنْزَلُوهُ
ثُمَّ اِنْطَلَقُوا بِهِ فَلَقِيَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ إِنِّي أَنَا
الَّذِي أَوْقَعْتُك فِي هَذَا وَلَنْ يُنْجِيك مِنْهُ غَيْرِي فَاسْجُدْ لِي
سَجْدَة وَاحِدَة وَأُنْجِيك مِمَّا أَوْقَعْتُك فِيهِ قَالَ فَسَجَدَ لَهُ
فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ مَلِكهمْ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَأُخِذَ فَقُتِلَ .
إنّها حبائل إبليس ، و تلبيسات الخسيس ، فالحذارِ الحذار ، و إلا فالنّار و
العار و الشنار و الدمار .
و من تلبيس إبليس على العباد تزيين الباطل لهم ، و تقريب الذرائع ليوقعهم ،
حتى يتوسّعوا في الرخص ، فيصيروا إلى الحِيَل ، و يقعدوا عن النوافل ،
فيصيروا إلى ترك ما وجب من العمَل .
و إذا اجتمعت على المرء غربة الدين و غربة الدار ، صار إلى حالٍ ليس لها من
دون الله كاشفة ، ما لم يُقيَّض له من يُمسك بيده ، أو يأخذ عن النار بحُجَزه
، فيقف بالنصيحة إلى جانبه ، يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر ، يعينه إن
ادّكر ، و يواسيه إن صَبَر .
و من هذا الباب تأتي موعظتنا الساعةَ ، حبّاً في الخير للغير ، فقد روى الستة
و أحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أنّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) ، و دعوةً إلى الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر ، رجاء أن نكون من المصلحين ، كي لا يعمّنا الله
بعذاب من عنده ، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ
بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون َ [هود:117] .
و روى أحمد و أبو داود و الترمذي ، و اللفظ له عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ
الْيَمَانِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قَالَ : « وَالَّذِى
نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ
الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً
مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ » . قَالَ أَبُو عِيسَى
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
فمن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فقد أدى ما أمره الله به في هذا الباب ، و
وجب عليه برّ من استجاب لدعوته و الإحسانُ إليه و من أصرّ على ما وقع فيه من
المنكرات ، و أعرض عمّا أقيم عليه من الحجج البيّنات ، و جب زجرُه بهجرِه ،
لما رواه أبو داود بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ
النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ
فَيَقُولُ : يَا هَذَا اتَّقِّ اللَّهِ وَ دَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ
يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ
يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ
اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ » .
و ممّا شاع بين المسلمين في زماننا و مُقامنا هذا طلبُ المال من غير حلّه ، و
من ذلك الحصول عليه بوسائل غير مشروعة ، قائمةٍ على التحايل و التطاول تارةً
، و على التذلّل و الانكسار للكفّار ، و امتهان النفس أمامهم تارة أخرى ،
فضلاً عن مباشرة العمل المحرّم ، و منه الأعمال التابعة للكنائس ، و إن بدا
أنّها أعمال برٍّ و إنسانيّة ، و كذا العمل في المطاعم و المقاهي و النوادي ،
التي تقدّم المحرّمات و تسوّقها ، فهل ضاقت الأرزاق على المسلم حتى يمتهن
نفسه ، و يعمل نادلاً يقدم الخمرة للسكارى ، أو يُعلّب أو يطهو أو يقدّم
للنزلاء لحوم الميْتَةِ و الكلاب و الخنازير ، طلباً لدُريهمات لا بركة فيها
، و لا يحلّ اكتسابها أصلاً ، فإنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّمه ثمنه و الإعانة
عليه ، و من ذلك تحريم ثمن الكلب ، و مهر البغيّ ، و حلوان الكاهن ، الثابت
في سنن أبي داود و النسائي و مسند أحمد بإسنادٍ صحيح .
و مثل ذلك لعنُ عشرةٍ بسبب الخمرة ، فقد روى الترمذي و ابن ماجة و أحمد عن
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : « لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا
وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ
ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِىَ لَهَا وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ » .
و ممّا ابتليت به الأقليّة الإسلاميّة في ديار الغرب ، الوقوع في الربا بصورة
أو أخرى ، و أبواب الربا كأبواب الشرك ، بضعٌ و سبعون باباً ، كما صح بذلك
الخبر ، الذي رواه الحافظ المنذري في ( الترغيب و الترهيب ) .
فليحذر المتعاملون مع المصارف الربويّة من الوقوع تحت طائلة حرب لا هوادة
فيها ، أعلنها الله تعالى عليهم ما لم يبادروا بالتوبة ، فقد قال سبحانه : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ
الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ
بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ
أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ البقرة ] .
روى ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين قول ابْن عَبَّاس فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ
أَيْ اِسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَرَسُوله ، و قَولَه : فَمَنْ
كَانَ مُقِيمًا عَلَى الرِّبَا لا يَنْزِع عَنْهُ كَانَ حَقًّا عَلَى إِمَام
الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبهُ فَإِنْ نَزَعَ وَإِلا ضَرَبَ عُنُقه ، وَ
روى ابن أَبِي حَاتِم عَنْ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالا : وَ
اَللَّه إِنَّ هَؤُلاءِ الصَّيَارِفَة لأكَلَة الرِّبَا وَ إِنَّهُمْ قَدْ
أَذِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَ رَسُوله وَ لَوْ كَانَ عَلَى النَّاس
إِمَام عَادِل لاسْتَتَابَهُمْ فَإِنْ تَابُوا وَ إِلا وَضَعَ فِيهِمْ
السِّلاح . وَ قَالَ قَتَادَة : إِيَّاكُمْ وَ مُخَالَطَة هَذِهِ الْبُيُوع
مِنْ الرِّبَا فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَوْسَعَ الْحَلال وَ أَطَابَهُ فَلا
تُلْجِئْنَكُمْ إِلَى مَعْصِيَتِهِ فَاقَةٌ .
و ممّا لا ريب فيه أن جلَّ التعاملات المصرفيّة المعاصرة ذاتُ شائبةٍ ربويّةٍ
، ما لم تكن من الربا المحض ، باستثناء تعاملات المصارف الإسلاميّة التي لا
وجود لها في هذه الديار .
و من المعاملات المحرّمة في هذا الباب إيداع الأموال في المصارف و الاقتراض
منها من غير ضرورة ، أو تجاوز الضرورات إلى الكماليّات ، كالتوسع في شراء
المساكن و المراكب و الأثاث ، و تسديد قيمتها بزيادةٍ ربويّة عليها ، فليحذر
الذين تورّطوا في شيء من ذلك ، و ليتقوا الله ، فلا يَطْعَموا حراماً ، أو
يُطعموه من يعولون من الأهلين و البنين .
و لا يظن أحدٌ منهم أنّ تنازله عن الزيادة الربويّة لصالح المصرف أو إخراجَها
في وجه من وجوه البر و الصلة بدون توبةٍ ، يخرجه من المحظور ، و يبيح له
متابعة تعامله مع ذلك المصرف ، لأنّ التعامل بالربا أو المساعدة عليه أو
المساهمة فيه سواءٌ في الحرمة ، فقد روى مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر
بن عبد الله رضي الله عنه ، قَال : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : ( هُمْ
سَوَاءٌ ) ، فتوبوا إلى الله جميعاً أيّها المؤمنون لعلّكم تُفلحون .
إنّ الحــرامَ إذا أطعَمتَـهُ وَلَـدا
شبَّ الصغيرُ على استمرائِهِ و غَدا
يَسعَى لِيُحرِزَه ما عاشَ مجتهِـدا
و يُشيحُ مُعتَرِضاً عمّا سواهُ غـدا
فاتقوا الله ياعباد الله ، و طهّروا
أنفسكم و أموالكم ممّا يوقع في سخط الله ، و اعلموا أنّ الحرام للبركة
مُمحِقة ، و أن المعاصي لأسباب السعادة مُسحقة ، و الندامة بمقترفها لاحقة .
وفّقني الله و إيّاكم لخيرَيْ القول و العمَل ، و عصمنا من الضلالة و الزلل
و صلّى الله و سلّم و بارك على نبيّّّه محمّد و آله و صحبه أجمعين
الخطبة الثانية
أمّةَ الإسلام !
اتقوا الله ، و طهّروا أنفسكم و
أموالكم ممّا يوقع في سخط الله ، و اعلموا أنّ الحرام للبركة مُمحِقة ، و أن
المعاصي لأسباب السعادة مُسحقة ، و أنّ الندامة بمقترفها لاحقة .
و من الخُسران المُبين ، أن يُصاب المرء في عَقِبِه ، فيفسد أبناؤه ، و يُحرم
الانتفاع بدُعائهم بعد وفاته ، و ما الإقامة بين ظهرانَي الكافرين إلا مظنّة
لذلك ، فكم من أبٍ مسلم تنصّر أبناؤه ، أو انحرفوا خُلُقيّاً بعد أن فرّط في
شبابه ، و لم يُفِق إلا بعد وقوع الفأس في الرأس ، حين لم يَعُد يقوى على
التدارك بعد التهالك .
ماذا أقول و قد استفتاني رجلٌ في حُكم الإجهاض ، بعد أن تحرّك بين أحشاء
ابنته ذاتِ الأربعةِ عشرَ خريفاً جنين من أب كاثوليكي .
أأفتيه فيما سأل ، و أغفلُ بيانَ السبب ، و هو تفريط الأب في زمن الشباب ،
حيث لم يُحسن اختيار الأمّ ، و لا تربية الأبناء ، و زجّ بهم في مدارس
النصارى ، و غَمَسَهُم في مستنقع آسن بالمنكرات ، ينهلون من منابع الانحلال ،
و يجارون الكفرة في الزي و الأخلاق .
و ماذا أقول لمن فرّت ابنته القاصر مع عشيقها إلى بلَدٍ مجاور ، و حَظَرت
الشُرَطُ عليه الاقتراب من منزلها ، و إلا غُلّت يداه بالقيود ، و زُجّ به
خلف قضبان الحديد .
ماذا أقول ، و ما ذا أقول ، و قلبي يتفطّر ألماً حينما تُعرض عليّ أحوال
المسلمين ، و قد تردّت ، و تفشّت في كثيرٍ منها مظاهر الخذلان و الذوبان في
مجتمعٍ لا يعرف قِيَماً ، و لا يرعى حُرَماً .
ماذا أقول و قـد أودى بيَ الألـمُ ***
و الدمعٌ منهملٌ و الخَطبُ يَحتَدِمُ
أبكي على الجيل قد تاهت مواكبُهُ *** فبات لا خُـلُقٌ يـراهُ أو قِيَـمُ
في الطيشِ مُنغَمِساً للغـرب مُتّبِعاً *** لم يَرعَََ مُعتَقداً صينَتْ به
الحُرَمُ
و من الأمراض السارية في جسد الجاليات
المسلمة خارج ديار الإسلام – يا عباد الله - ضعفُ التأثّر بما يجري للمسلمين
في أنحاء العالم من مصائب و نكبات ، و عدَم التفاعل مع قضاياهم ، أو مشاركتهم
آلامهم و آمالهم ، مع أنّ الاهتمام بأمر المسلمين من واجباتهم على التعيين .
و من المؤسف المؤلم أن يُدافع العالم عن حفنة من اليهود ، و يدافع مليار
وثنيٍّ عن بقرة تنحر في كشمير ، بينما يغفو العالم ، و نغفوا معه عندما تمتهن
كرامة المسلمين ، و تُدنّس حُرُماتهم و مقدّساتهم .
قد هَمَسـت في أُذُني أمّي
في زَمَن الحربِ المستعرة
لو أنّ بسـاحتنـا بَقَــرة
قد وَخَزَتهـا يومـاً إبـرة
أو نَزَفت من دَمها قَطـرة
أو فقدت من ذَيلٍ شعــرة
لرأيتَ الهنـدوس جميعـاً
يأتـون إلـيهـا بالنُصـرة
لـو أنّ بسـاحتنـا نِفـطٌ
أو مِنـجَـم فـحـمٍ أو دُرّة
لرأيتَ القاصـيَ و الـداني
يُطفون النـار المستعـرة
لو أنّ هنا نـجمـة داوود
أو حفنـةُ حقّـادٍ و يهـود
لرأيتَ العـالَـم يا وَلـدي
يتفانى في نصـر التِلمـود
أمّـا الإسـلام فـوا أَسَفـاً
قد رُميَ على حيـن الغُرّة
إذ ليـس لـه من ينصُـرُه
أو يَـرفعُ في الدنيا أمـره
ألا و صلّوا و سلّّموا على نبيكم الأمين ،
فقد أُمرتم بذلك في الذكر الحكيم ، فقال ربّ العالمين : ( إنّ الله و ملائكته
يصلُّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ) و على
آله و صحبه أجمعين .
==========
(1)( خطبة الدكتور
أحمد بن عبد الكريم نجيب في مسجد دَبلِن بإيرلندا في السابع من صفر الخير عام
1423 للهجرة ، الموافق للتاسع عَشَر من نيسان 02 20 للميلاد )