عن المراكز الصيفية.. أيضا

د. محمد بن سعود البشر

 
هذا هو الصيف الثالث الذي ما إن يستهل حتى يبدأ بعض كتاب صحافتنا المحلية في الحديث عن المراكز الصيفية والمخيمات الشبابية.. وهي وإن كانت - في جملتها - نابعة من نية حسنة، إلا أنها لا تكفي ما لم يستصحبها صدق في الطرح، وموضوعية في المعالجة، وتحكمها رؤية نابعة من قيم المجتمع، لا أن تكون مبتورة عن هذا السياق، أو خاضعة لظرف اجتماعي معين، أو مكيفة حسب ضغوطات الواقع. أود هنا أن أعرض لبعض ما أثير حول هذه المراكز والمخيمات الشبابية برؤية شمولية عامة تهدف إلى أن تكون محاضن خير للدين والوطن، وتعزيز هذين الهدفين من خلال مناقشة ما أثير حولها من قضايا وملابسات.
1- إن الرؤية إلى المراكز الصيفية والمخيمات الشبابية على أنها مصادر للأفكار الضالة، أو أنها تهيئ لبيئة إرهابية تنعكس على أمن الناس في أفكارهم أو معاشهم إنما هو تجن عليها، وتعميم يفتقر إلى المصداقية والموضوعية وإن تحدث به غير واحد ممن لهم رأي معتبر. والحديث به غير واحد ممن لهم رأي معتبر. والحديث عنها بهذه الرؤية إنما هو استطراد في الاتهامات الموجهة الى مناهجنا ومؤسساتنا الدينية والتربوية والخيرية والاجتماعية، وهو منزلق نربأ بكتاب صحافتنا المحلية أن يهيموا فيه بوعي أو بغير إدراك. وإن حدث مثل هذا الشيء فهو من النادر الذي لا حكم له ولا يأخذ صفة التعميم، وينبغي أن يعالج في نطاقه وظروفه. وليس صحيحا أن كل خطأ يحدث في جهة ما، أو في مصدر من مصادر التنشئة الاجتماعية والشبابية أن نغلق هذه الجهة وإلا فإن سياسة الإغلاق ستواجه أيضا الجامعات، والمدارس، والمؤسسات التعليمية والأندية، والملاعب الرياضية ثم نكون - في نهاية المطاف - بدون ذلك كله.
2- يعجب بعض الكتبة من (العمل التطوعي) في تنظيم هذه المراكز أو إدارتها أو الإشراف عليها، ومن (تهافت بعض) منسوبي إدارات التعليم والجمعيات الخيرية أو الأفراد في العمل فيها بمقابل أو بدون مقابل. ونقول لهؤلاء: إننا في مجتمع متدين، ومن قيم هذا الدين التطوع والاحتساب، وبخاصة في الأمور التي يكون نفعها متعدياً بحيث تشمل المنفعة شريحة كبيرة من الناس. وعلماؤنا يبذلون من أنفسهم وأوقاتهم في التدريس والتعليم والمحاضرات مالا يريدون به إلا وجه الله، ولا ينتظرون من أحد جزاء ولا شكوراً. فلا عجب إذن أن ينبري المحتسبون والمتطوعون للعمل في هذه المراكز والمخميات، أو الإشراف عليها، كما هو حال كثير من المخلصين في المخيمات الشبابية، وفي حلقات تحفيظ القرآن الكريم، أو المؤسسات الاجتماعية الأخرى. ثم إن الوطنية التي يتمثلها من يخدم دينه ووطنه احتسابا لهي أشد رسوخاً وأصدق عملاً ممن يدعي الوطنية لدنيا يصيبها، فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون!!.
3- يردد بعض الكتبة المثل العامي: (الباب اللي يجيك منه ريح سده واستريح)، ويسقطون ذلك على برامج ومناشط المراكز الصيفية والمخيمات الشبابية، وهو مثل مرفوض عقلاً وشرعاً، فأما الشرع فإنه يطالبنا بالإصلاح، والإصلاح هو منهج الأنبياء والعلماء والدعاة والناصحين والغيورين. وأما العقل فإنك إن أغلقت الباب انقطع الهواء وانحبست الأنفاس، فغير اتجاه الباب ليأتيك منه الهواء الذي تصح به العقول والأبدان، ثم إن هذا الرأي يقتضي أن يصبح المجتمع ملائكياً خالياً من النواقص والأخطاء، وهذا مجال إلا في مخيلة الحالمين.
4- المراجعة والتقويم ضرورتان لكل نشاط إنساني، وإن حدث خلل في مثل هذه المراكز أو التجمعات الشبابية التي تحفظ للشباب دينهم وأوقاتهم فإنه يعالج بالقدر الذي يضمن سلامة المسير، واستقامة المنهج، والبعد عن الزلل، وإلا فإن البديل طريق مملوءة بالأخطار التي تهدد الشباب.. فمحاربة الغلو في الدين ينبغي أن تسير في خطٍ مواز لمحاربة آفات أخرى تواجه الشباب، وأهمها المخدرات، والتسكع في الأسواق والطرقات، والعنف والسرقة، والسفر إلى الخارج وما فيه من أضرار لا يزال العلماء والمربون يتحدثون عنها بكرة وعشياً.

جريدة الجزيرة الإثنين 3/5/1425هـ